أثار الضغط الدولي لإنهاء الأزمة السياسية في العراق والتحذيرات من “قادم أسوأ وخطير” تساؤلات عديدة، وفيما عزا محللون سياسيون هذا الضغط إلى تخوف الغرب من ذهاب ما يجري في العراق إلى “حمامات دم” تؤثر بالتالي على كافة العالم، خاصة وأن البلد من مصدري الطاقة الرئيسيين، أكدوا أن الإصرار الدولي على مشاركة الجميع، هو لتجنب المشاكل التي قد تحدث مستقبلا في حال استبعاد التيار الصدري.
ويقول رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “إحاطة بلاسخارت الأخيرة أمام مجلس الأمن الدولي شكلت نقطة تحول كبير في تعاطي الأمم المتحدة مع الانغلاق السياسي في العراق، إذ خالطها هذه المرة قلق كبير من قبل الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن وممثلياتها في العراق، بسبب مخاوف من الذهاب للفوضى والعودة إلى حمامات الدم، وتأثير ذلك على مصالح الدول الكبرى، وإذا وقعت الفوضى في العراق فلن تنحصر داخل جغرافيته، لذلك فإنهم يدعمون حوارا سريعا لغرض تشكيل خارطة سياسية من دون اشتراطات مسبقة لفرض استقرار سياسي نسبي”.
ويضيف الشمري، أن “بيان الأمم المتحدة استكمال لإحاطة بلاسخارت أعقبه تحذير من السفارتين البريطانية والفرنسية وبعض البعثات لتحفيز الكتل السياسية على تشكيل الحكومة”.
ويشير إلى أنه “لا إحاطة بلاسخارت ولا بيان الأمم المتحدة قد يساهمان في تمكين الإطار التنسيقي من تشكيل الحكومة، لأن المجتمع الدولي يدرك جيدا أن حكومة من دون وجود التيار الصدري ستكون هشة، لذا يدفع باتجاه الحوار وإشراك التيار حتى وإن لم ينخرط في الحكومة ويكتفي بوضع بصماته ورأيه”، لافتا إلى أن “هدف الأمم المتحدة تحقيق الاستقرار السياسي في العراق، حيث أن المنظمة الدولية ليست بحاجة إلى بلد يعاني الفوضى”.
وكانت بعثة الأمم المتحدة، أصدرت يوم أمس الإثنين، بيانا بمناسبة ذكرى مرور سنة على إجراء الانتخابات المبكرة، أكدت فيه أن العراق ليس لديه الكثير من الوقت، وأن الأزمة التي طال أمدها تنذر بمزيد من عدم الاستقرار وتهدد أيضا سبل عيش المواطنين، فيما بينت أن جهودا دؤوبة بذلت في الأسابيع والأشهر الماضية لجمع الجهات الفاعلة للشروع في طريق نحو الاستقرار السياسي ولكن من دون جدوى.
كما تطرق البيان إلى أنه “حان الوقت الآن لأن تتحمل الطبقة السياسية المسؤولية ومطابقة الأقوال مع الأفعال، وعلى الجهات الفاعلة كافة الانخراط في حوار من دون شروط مسبقة والاتفاق بشكل جماعي على النتائج الرئيسة من خلال تقديم تنازلات تعيد التأكيد على هدفهم المعلن ألا وهو تلبية احتياجات الشعب العراق”.
يشار إلى أن مكتب الشؤون الخارجية والكومنولث والتنمية البريطاني، أصدر السبت الماضي بيانا نصح فيه مواطني بريطانيا بعدم السفر للعراق، بعد أن أكد أن العراق ما يزال عرضة للتوترات الإقليمية، وما تزال المجموعات المسلحة التي تعارض الوجود الغربي في العراق تشكل تهديدا للمملكة المتحدة ومصالح أخرى في العراق، وأن التوترات تتصاعد بسبب المفاوضات المطولة بشأن تشكيل الحكومة بعد الانتخابات التي أجريت في أكتوبر 2021، وقد اندلعت الاحتجاجات في المنطقة الدولية في بغداد وما حولها، والوضع الأمني معرض لخطر التدهور.. ومن المرجح أن تحدث أعمال العنف”.
جدير بالذكر أن ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة جينين بلاسخارت، قالت في إحاطتها خلال جلسة مجلس الأمن الدولي الأخيرة المخصصة لمناقشة الوضع في العراق، إن الخلاف والتفرد بالسلطة ساد في العراق وحملة السلاح زادت حماستهم، وأن أصغر شرارة تكفي لإيصال العراق إلى الكارثة.
كما أشارت إلى أنه “لا أستطيع تأكيد قدرة بعثتنا على المساعدة في انتخابات جديدة، فالانتخابات الجديدة يجب أن تسبقها ضمانات دعم من المجتمع الدولي”، فيما بينت أن “الطبقة السياسية في العراق غير قادرة على حسم الأزمة، ولا شيء يبرر العنف وينبغي الركون للحوار، وندعم الحوار الوطني برعاية رئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي، ويجب مشاركة جميع الأطراف في الحوار”.
من جانبه، يبين المحلل السياسي غالب الدعمي خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الرسائل الدولية واضحة وهي الإسراع بتشكيل الحكومة مع الحوارات الشاملة وليس الذهاب نحو تشكيل الحكومة من دون الحوار، لأن الأطراف الدولية تدرك جيدا أن الذهاب إلى تشكيل الحكومة من دون الحوار قد يسبب مشكلات لاحقة، والوضع الدولي لا يتحمل أي اضطرابات في الشرق الأوسط والعراق تحديدا، لأنه مصدر مهم للطاقة”.
ويتابع الدعمي أن “المجتمع الدولي يدرك أن الفشل لم يكن من التيار الصدري تحديدا، حيث أن السبب الآخر هو رفض الإطار لما يريده التيار من تشكيل حكومة بوقت محدد وإجراء انتخابات”.
ويواصل أن “الأمم المتحدة تدرك أن نقطة الاختلاف الرئيسة هي أن التيار الصدري يريد تطبيق الشروط من دون الحوار، والإطار يريد أن يتحاور قبل إعلان الموافقة على الشروط، ولكن بالحقيقة أن الإطار يستثمر عدم موافقة التيار على طرح الحوار، فالإطار لا يريد أي حوار يتم بموجه إجراء انتخابات مبكرة”.
وكان رئيس الجمهورية برهم صالح، التقى بلاسخارت يوم أمس، وبحسب البيان الرسمي الصادر عن مكتبه، فإن اللقاء بحث التطورات السياسية في البلد، حيث تم التأكيد على أهمية الخروج من الأزمة الراهنة بعد مرور عام كامل على إجراء الانتخابات، والركون إلى الحوار الجاد الملتزم لتلبية الاستحقاقات الوطنية والدستورية.
يذكر أن زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر سعى إلى تشكيل حكومة أغلبية بالالتحام مع تحالف السيادة والحزب الديمقراطي الكردستاني، لكن المحكمة الاتحادية تلقت طلبا بتفسير المادة الدستورية المتعلقة بنصاب جلسة البرلمان لانتخاب رئيس الجمهورية، فجاء التفسير مشترطا حضور ثلثي أعضاء البرلمان لتحقق النصاب، ما مكن الإطار من تشكيل “ثلث معطل” أحبط أكثر من جلسة لانتخاب الرئيس والمضي في تشكيل الحكومة.
وكانت “العالم الجديد” سلطت الضوء في تقرير سابق على الذكرى الأولى لإجراء الانتخابات، وبحسب المحللين السياسيين، فإن الأزمة القائمة منذ عام هي بسبب “فشل” الطبقة السياسية وتفكيرها بمصالحها فقط، فيما توقعوا تكرار الأزمة السياسية بشكل أكبر مستقبلا، وأبدوا عدم تفاؤلهم بوجود حل قريب حاليا.
إلى ذلك، يفيد المحلل السياسي علي الجبوري خلال حديث لـ”العالم الجديد”، بأن “هذه البيانات الدولية إن لم تكن رسائل ضغط فهي مؤشر على أن المنظومة السياسية العراقية تمادت بالفشل واستهترت بواقع حال البلاد، وكأن العراق شركة خاصة بها وتعمل وفق ما تريد من دون النظر إلى التوقيتات الدستورية، وهذا جزء من مسؤولية المجتمع الدولي والأطراف التي لديها مصالح في العراق”.
ويلفت الجبوري، إلى أن “فشل الطبقة السياسية حفز المجتمع الدولي على التدخل واتخاذ موقف حتى وإن كان يعتبر وسيلة ضغط، لكنه بديهي لإنهاء الأزمات”، مبينا أن “الأطراف الدولية لا تكترث بشكل العناوين ومن سيكون في المشهد، لكنها تهتم بكيفية إدارة البلاد بما يراعي مصالحها، لذلك تحاول استخدام إمكانياتها لجعل العراق أكثر استقرارا”.
وتعاني الدول الأوروبية من أزمة بإمدادات الطاقة، بعد الحرب الروسية-الأوكرانية، حيث قللت روسيا إمدادات الغاز الواصلة لأوروبا.
وتعتمد أوروبا على الغاز الروسي بشكل شبه أساسي، ومؤخرا نشرت صحيفة “إندبندنت” البريطانية، تقريرا حول تزايد المخاوف من إقدام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على قطع إمدادات الغاز بشكل تام عن أوروبا في فصل الشتاء، “انتقاما” من العقوبات المفروضة على موسكو بسبب الحرب في أوكرانيا.
ودفعت أزمة الطاقة الغرب إلى التوجه نحو الدول العربية لإمداده بالطاقة، وعقدت أكثر من قمة لمناقشة مسألة الطاقة، وكانت وكالة “بلومبرغ”، أفادت في تموز يوليو الماضي، أن العراق والسعودية زودا أوروبا بالنفط الخام، ما يساعد مصافي النفط في القارة على التغلب على النقص الذي تعاني منه، وقد بلغت الكمية أكثر من مليون برميل من النفط الخام وصل بشكل يومي في الأسابيع الثلاثة الأولى من ذلك الشهر عبر خط أنابيب يعبر مصر.