بعد الضجة الكبيرة التي أثارها، قرار البنك المركزي العراقي الذي ينص على حظر بيع العقارات التي تتجاوز قيمتها 100 مليون دينار إلا عبر المصارف، من خلال إلزام البائع والمشتري بفتح حساب مصرفي لتعزيز الشفافية ومحاربة غسيل الأموال الداخلي، قرر مصرف الرافدين، اليوم الثلاثاء، إعفاء كامل عن العمولات المتعلقة بإيداع الأموال الناتجة عن البيوع العقارية في القطاع المصرفي.
وقال المصرف في بيان تلقته “العالم الجديد”، إنه “استنادًا إلى إعمام البنك المركزي العراقي رقم (13/4/9) الصادر بتاريخ 15/1/2025، والمتعلق بإيداع الأموال الناتجة عن البيوع العقارية في القطاع المصرفي، وحرصًا من مصرف الرافدين على دعم تطبيق هذه الإجراءات وتخفيف الأعباء عن المواطنين وزبائن المصرف، فقد تقرر إعفاء كامل من العمولات، تُحدد نسبة العمولات الخاصة بإيداع الأموال الناتجة عن شراء العقارات المشمولة بالسقف المحدد لتكون بنسبة صفر بالمئة، حيث لن يتقاضى المصرف أي مبالغ مقابل هذه الخدمة”.
وأوضح، أن “هذا القرار يأتي بالتنسيق المباشر مع البنك المركزي العراقي، تأكيدًا على التزامنا بدعم المبادرات التي تسهم في تعزيز الثقة بالقطاع المصرفي وتيسير الإجراءات المالية على المواطنين”.
وكان البنك المركزي العراقي أصدر قراراً، في 18 كانون الثاني يناير الجاري، يقضي بتخفيض الحد الأدنى لقيمة بيع العقارات، حيث تم تحديد القيمة الجديدة 100 مليون دينار عراقي، بعد أن كانت 500 مليون دينار.
وبموجب التعليمات الجديدة، وفق كتاب رسمي موجه إلى دائرة التسجيل العقاري، في (15 كانون الثاني الجاري)، فإن بيع هذه العقارات سيتم فقط عبر المصارف العراقية المجازة، وأن هذا الإجراء يأتي ضمن ضوابط العناية الواجبة بمكافحة غسيل الاموال وتمويل الارهاب الخاصة بدوائر تسجيل العقاري.
وأثار القرار انتقادات المختصين في الشأن الإقتصادي، بين“متخبط” وغير مدروس وخطوة لسد “العجز” في الموازنة التشغيلية.
ويأتي هذا القرار في إطار جهود العراق لمكافحة غسل الأموال عبر العقارات، والتي انتشرت كثيراً خلال السنوات الماضية وأدت إلى ارتفاع كارثي في سوق العقارات حتى تجاوزت أسعار العقارات أغلب دول العالم، فيما يتوقع مراقبون أن تساهم هذه الخطوة في هبوط أسعار العقارات كون الأموال ستكون مراقبة ولن تسمح الإجراءات الجديدة بالبيع أو الشراء خارج المصارف.
وكان معاون مدير العام لمكافحة غسيل الأموال في البنك المركزي حسين علي قد أكد مؤخرا، بأن هذه الإجراءات تهدف إلى تسريع التحقيقات المتعلقة بغسيل الأموال، مع إشراف دائرة التسجيل العقاري على مراقبة العمليات المشبوهة، وتوثيق أي حالات غسيل أموال لتسهيل متابعة الجهات المعنية.
وخلال الأيام الماضية، ترأس وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين وفدا اقتصاديا ومصرفياً رفيع المستوى في زيارة رسمية إلى واشنطن، وبحث من خلالها جملة من الملفات التي وصفت بـ”المهمة”، ومنها ما يتعلق بتطوير وإصلاح السياسة النقدية، ومواجهة التحديات الراهنة في المستويين النقدي والمصرفي، وما تعكسه هذه الإجراءات من إصلاح للنظام المصرفي عبر مكافحة الفساد وغسل الأموال.
وسبق أن رحبت الولايات المتحدة الأمريكية بالتحركات العراقية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وفي الوقت الذي تمارس فيه واشنطن ضغوطا على العراق في سبيل منع غسل الأموال، وتهريب الدولار إلى إيران، إلا أنها تسعى إلى تحسين معايير الامتثال لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وعرض التعاون المستمر في تحديث القطاع المصرفي، وفق عضو في البرلمان العراقي.
ويتسبب غسل الأموال بقفزات كبيرة على مستوى أسعار العقارات حتى وصل سعر المتر الواحد في بعض مناطق العاصمة بغداد، إلى أكثر من عشرين ألف دولار، وأن هذه الأسعار تتكرر في محافظات ومدن أخرى حيث تتركز العقارات الفاخرة خاصة في مراكز المدن المعروفة.
وخلال الأيام الأولى من الشهر الحالي، شكا موظفون ومتقاعدون من تأخر تسديد مستحقاتهم المالية عن شهر كانون الأول 2024، وفيما أكد البعض أن هذا التأخير ناجم عن نقص في السيولة النقدية بالمصارف العراقية، تصر الحكومة على أن ما يشاع عار عن الصحة وأنها لا تواجه أي إشكال في التمويل.
الجدير بالذكر أن عضو اللجنة المالية النيابية، مصطفى الكرعاوي، أكد في 14 كانون الثاني يناير الجاري، وجود أزمة مالية حقيقية تواجه البلاد، مشيرا إلى أنه “خلال استضافتنا لوزيرة المالية، تبين لنا وجود أزمة لكنها لن تؤثر على تمويل رواتب الموظفين، بل قد تؤدي إلى تأخير صرفها”.
وكان العراق رفع ميزانيته في عام 2024 حتى بعد حجم إنفاق قياسي في عام 2023 عندما تم تعيين أكثر من نصف مليون موظف جديد في القطاع العام، وبدأت عملية تحديث للبنية التحتية على مستوى البلاد تتطلب أموالا ضخمة.
يشار إلى أن المستشار المالي للحكومة مظهر محمد صالح، أكد في أيلول سبتمبر 2024، بأن العراق سيواجه أزمة بالموازنة في عام 2025 بسبب انخفاض أسعار النفط، الذي يعتبر المصدر الرئيسي لإيرادات البلاد، وقال: “لا نتوقع مشكلات كبيرة في عام 2024 لكننا نحتاج إلى انضباط مالي أكثر صرامة في عام 2025”.
ويفتقر العراق إلى قوانين تنظم العقارات، سواء البيع أو الإيجار، على عكس دول المنطقة التي تنظم هذه العملية بقانون، وتحدد سعر الارتفاع سنويا، كما تضمن حقوق طرفي العقد في الإيجارات، وتحدد القيمة وفق ما تراه الدولة متوازيا مع طبيعة الأجور والوضع الاقتصادي العام.
وفي العام الماضي، وبحسب مؤشر “ميرسر” الخاص بأفضل وأسوأ مدن العالم للعيش، والذي جمع 231 مدينة، فإن بغداد جاءت بالمركز الأخير كأسوأ مدينة للعيش، بالتقاسم مع العاصمة السورية دمشق.