حمل العام 2020 مفاجأة سارة لأتباع الديانة الزرادشتية في بلاد الرافدين، تلك الديانة التي ظهرت قبل أكثر من 3500 عام، وذلك بعد افتتاح أوّل معبد لهم في أربيل عاصمة إقليم كردستان العراق، ليكمل خطوة الاعتراف الرسمي والظهور العلني الأول منذ قرن في العام 2015، بحصولها على اعتراف رسمي من قبل حكومة الاقليم في العام 2015 على أمل الاعتراف الرسمي في عموم البلاد.
تقول آوات حسام الدين وهي ممثلة هذه الديانة في وزارة الأوقاف والشؤون الدينية في حكومة الاقليم، إن “هناك أسبابا عدة وراء ظهور الزرادتشية خلال هذه الفترة، من بينها انتعاش الحريات في اقليم كردستان، فضلا عن ردة فعل المسلمين تجاه التشدد الذي أظهره التنظيم واستخدم الدين غطاءً لأعماله الوحشية وشنّه حرباً شرسةً بعيدةً عن الأسس والمبادئ الإنسانية ضد الأديان والمذاهب الأخرى ورفضه تقبّل الآخر”.
وتشير حسام الدين الى “الوجود الزرادشتي في وسط وجنوب العراق بإعداد قليلة، إلا أنهم متخفون خوفاً من الكراهية والارهاب، إذ لدى الزرادشتين ممثل غير رسمي هناك، لأن الزرادشتية غير معترف بها في الدستور العراقي الذي يعتبر مصدره الرئيسي الشريعة الاسلامية”، كاشفة عن “طموحها بإحراز المزيد من التقدّم فيما يتعلق بالاعتراف والاهتمام بالأقليات الدينية في البلاد”.
من جهته، يؤيد ابراهيم زراري وهو عضو المجلس الأعلى للزرادشتين في كردستان ما ذهبت إليه حسام الدين في أن “قانون رقم 5 لسنة 2015، المعروف بقانون حرية الدين والعقيدة التي اصدرته حكومة الاقليم واقره برلمان كردستان، سبب مهم في ظهورها مرة اخرى”، مؤكداً “ضرورة تطبيقه في عموم العراق دون استثناء”.
وحول معنى الديانة وجوهرها، يرى زراري أن “تسمية المجوسية تعود لإحدى القبائل الستة الميدية الكردية الذين ساهموا في نشر الديانة الزرادشتية”، رافضا تسمية أتباعها بـ”عباد النار”، لأنهم “يدعون الى وحدانية الخالق، وأن التسمية الملائمة للديانة هي “يزدامسنائي”.
وسُميت هذه الديانة نسبةً الى اسم نبيّهم المدعو “زرادشت” المولود في مدينة أورمية بإيران، وكُتب كتابه المقدّس “الآفيستا” بلغة “الأبستاق”، والأخيرة لغة وثيقة الصلة بالسنسكريتية والهورامية الكردية، وجُمع الكتاب بعد وفاة النبي الزرادشتي بزمنٍ طويل، وكان مصيره الضياع لعدّة مرات.
وظهرت الديانة منذ نحو 1500 قبل الميلاد في بلد فارس (ايران الحالية)، حيث مثلت الديانة الرسمية للإمبراطوريات الأخمينية والبارثية والساسانية آنذاك.
الى ذلك، يقول الباحث بشؤون التنوع الديني في العراق سعد سلوم، إن “أول اعتراف رسمي من قبل الدولة العراقية بالديانة الزرادشتية يعود الى العام 1936 في دليل العراق الرسمي، حيث أشار الى وجود الديانات الاسلامية والمسيحية واليهودية، وكذلك الى عقائد الزرادشتية والبهائية والمندائية والايزيدية”.
ويضيف سلوم، الذي نشر العديد من المؤلفات والأبحاث حول الأقليات الدينية في العراق، أن “ذلك الاعتراف اختفى خلال العقود التي تلت تلك الفترة بسبب تلاشي فسحة الحرية تدريجيا”، منوها الى، أن “صدور قانون حقوق المكونات في كردستان عام 2015 أتاح الفرصة لعودة الزرادشتية، وبالتالي فان ذلك سلط الضوء على حالات التحول اليها من قبل مسلمين أكراد وعرب، مع ذلك لم يقر القانون هذا التحول قانونيا، أي أن خانة الديانة في البطاقات الرسمية او في السجلات المدنية ما تزال تحتفظ بالدين الاصلي رغم التحول، وهذا يخلق واقعا مركبا، ففي حين أن هناك اعترافا بالديانة، إلا أن القانون لا يقر هذا التحول، وهو ما يجعل الاعتراف بها رمزيا، وذا أثر محدود وضيق”.
أما عن الاعتراف بالزرادشتية من قبل الحكومة الاتحادية، فيبين الباحث في شؤون الأقليات “اقترحت مسودة قانون تنص على الاعتراف بالديانات غير المعترف بها رسميا، عام 2011، ونشرتها في كتاب التنوع الخلاق، ثم عملت على تطويرها عام 2015 ونشرتها في كتابي الوحدة في التنوع، أما النسخة النهائية فكانت عام 2017 والتي قدمتها الى رئاسة الجمهورية لغرض تقديمها كمقترح قانون للبرلمان الاتحادي”.
وتقدّر احصائيات رسمية صادرة عن منظمات تابعة للزرادشتية بأن عددهم يصل الى نحو 1800 شخصاً، مع استعداد نحو 250 ألف شخص للدخول الى هذه الديانة، كما يؤكده “زراري”.
وتقول آوات حسام الدين، إن “أعدادهم تفوق مليوني شخص حول العالم، منتشرين في مدينة يزد الإيرانية، ولديهم ممثل في البرلمان الايراني، وكذلك في الهند، حيث يعرفون باسم البارسيين، وفي أوروبا وامريكا”، منوهة الى ان “هناك اعدادا متخفين باسم الاسلام، نتيجة الحروب التي مرت على المنطقة، وأغلبهم عانوا خلال الفترة الماضية من اضطهاد وتهميش بسبب هويتهم الدينية”.
وتردف حسام الدين “لدينا هيئة عليا واربع منظمات ومعبدان في أربيل والسليمانية، ونعمل كمتطوعين ومستقلين لا نستلم مساعدة من الحكومة، حيث اننا كزرادشتيين لم نتلق تسهيلات من وزارة الاوقاف، اسوة بالديانات الاخرى”.
وتوضح أن “الزرادشتيين في زمن العثمانين كانوا مسجلين في هوياتهم الشخصية، الديانة مجوسية واصل الكلمة يعود الى (موغ) وهي احدى القبائل الميدية، وفي اللغة العربية أصبح الاسم المجوس”، لافتة الى أن أتباع الديانة “يتعرضون للتهديدات بين فترة واخرى، وأن خطر المتطرفين الاسلاميين محدق بهم دائما”.