صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

بعد مقاطعة الصدر.. نسبة مشاركة أقل وتحذير من «احتقان شعبي»

أربك إعلان زعيم التيار الوطني الشيعي، مقتدى الصدر، بمقاطعة الانتخابات، ومنع أنصاره من الترشح أو التصويت، التوازنات السياسية، وذلك في وقت كانت التقديرات تشير إلى احتمال عودته، خاصة بعد دعوات سابقة لأنصاره لتحديث سجلاتهم، وهذا الأمر، دفع بمراقبين، إلى التوقع بانخفاض نسبة المشاركة في الانتخابات المقبلة، وستقتصر على “جمهور الأحزاب” المشاركة، وسط تحذيرات من زيادة “الاحتقان الشعبي”.

وفي هذا الصدد، يقول المحلل السياسي، نزار حيدر، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “إعلان الصدر عدم مشاركته في الانتخابات النيابية لم يكن مفاجئا للمراقبين المطلعين، فهو وضع حدا لكل الأكاذيب التي روج لها بعض قادة الإطار التنسيقي بشأن وجود حوار مع الصدر لإقناعه بالمشاركة في الانتخابات أو خوضها بقوائم مشتركة”.

ويضيف حيدر، أن “رسالة الصدر ستؤثر سلبا على نسبة المشاركة الشعبية في الانتخابات المقبلة، ما قد يزيد من فقدان المصداقية للعملية الانتخابية، إذ أن غياب التيار الصدري يجعل من الإطار التنسيقي ينافس نفسه، وبالتالي يقلل من وجود منافس حقيقي”.

وكان الصدر، أعلن يوم الخميس، “ليكن في علم الجميع، ما دام الفساد موجوداً فلن أشارك في أي عملية انتخابية عرجاء، لا هم لها إلا المصالح الطائفية والحزبية بعيدة كل البعد عن معاناة الشعب… ولذا فإني كما أمرتهم بالتصويت فاليوم أنهاهم أجمع من التصويت والترشيح ففيه إعانة على الإثم .. فأي فائدة ترجى من مشاركة الفاسدين والبعثيين والعراق يعيش أنفاسه الأخيرة، بعد هيمنة الخارج وقوى الدولة العميقة على كل مفاصله”.

يذكر أن الصدر، قرر الانسحاب من العملية السياسية في حزيران يونيو 2022، بعد حصوله على 73 مقعدا في انتخابات 2021، وهي النتيجة التي مكنته حينها من تصدر الكتل البرلمانية، إلا أن خلافاته مع الإطار التنسيقي حالت دون تشكيل حكومة “أغلبية وطنية”، ما دفعه إلى إعلان الانسحاب وتقديم نوابه استقالاتهم من البرلمان.

يشار إلى أنه منذ العام 2013 أعلن زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر عدة مرات اعتزال تياره العمل السياسي قبل أن يعود مجددا إلى المشهد العام في العراق، وفي آب أغسطس من ذلك العام، بدأت إرهاصات أول إعلان اعتزال سياسي للتيار، وبعد نحو شهر من ذلك عاد للمشهد السياسي منهيا المقاطعة ببيان قال فيه “رغم أني أميل حاليا للاعتزال والعزلة عن المجتمع، إلا أني لم أستطع أن أقف ساكتا أمام هذه الجموع الطيبة المؤمنة السائرة لأبيها الصدر”.

من جهته، يبين عضو ائتلاف دولة القانون حيدر اللامي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “نسبة المشاركة في الانتخابات المقبلة ستكون أقل نتيجة لانسحاب الصدر، ولكن العملية السياسية تستمر وستتم الانتخابات في وقتها المحدد، وأن العراق ماض في المسار السياسي رغم التحديات”.

ويؤكد اللامي، أن “العملية السياسية رغم ما مرت به من صعوبات وكبوات، ستظل مستمرة، ويجب أن يتم تصحيح الأخطاء التي رافقتها لتحقيق استقرار سياسي مستدام في العراق”.

يشار إلى أن نسبة المشاركة في انتخابات 2021، شهدت تراجعا كبير، ما دفع مفوضية الانتخابات في حينها، إلى اعتماد آلية احتساب جديدة في الانتخابات السابقة، تمثلت بحصر نسبة المشاركة بناء على عدد المصوتين من بين حاملي البطاقات الانتخابية الفعّالة فقط، دون الأخذ بمجموع المؤهلين للتصويت كما هو معمول به في معظم دول العالم، وهو ما أثار موجة من الجدل والتشكيك في دقة النسب المعلنة ومدى تعبيرها عن التمثيل الشعبي الحقيقي.

ووفقًا للأرقام الرسمية التي أعلنتها المفوضية آنذاك، فإن عدد الناخبين في 2021 بلغ 22 مليونا و116 ألفا و368 ناخبا، فيما بلغ عدد المصوتين 9 ملايين و77 ألفا و779 ناخبا، وهو ما دفع المفوضية إلى إعلان نسبة مشاركة بلغت 41 بالمئة استنادًا إلى هذا العدد، إلا أن النسبة الحقيقية للمشاركة، عند اعتماد مجموع المؤهلين فعليًا للتصويت والذي بلغ 25 مليونا و139 ألفا و375 ناخبا، تكون 36.11 بالمئة.

وفي السياق، يؤكد المحلل السياسي، رمضان البدران، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الانتخابات العراقية الأخيرة شهدت تراجعا كبيرا في الإقبال بسبب تحولها من آلة وطنية لتمثيل الشعب إلى آلة حزبية تستغلها القوى السياسية لإعادة تقاسم السلطة وفق مصالحها”.

ويوضح البدران، أن “التيار الصدري، رغم كونه جزءا من النظام السياسي القائم، يختلف عن الآخرين بتركيزه على بناء الدولة وليس مجرد التمسك بالسلطة حيث يعكس اعتزاله الحياة السياسية رفضه لواقع عملية سياسية لا تعبر عن إرادة الشعب”.

ويحذر من أن “الانتخابات المقبلة لن تكون مختلفة، حيث ستتجه جماهير الأحزاب لمنح أصواتها لأحزابها، مما يعني استمرار إعادة توزيع السلطة بين أركان النظام السياسي دون تغيير حقيقي”، لافتا إلى أن “النظام السياسي في العراق يعيد نفسه ويكرر أخطاءه، ما يؤدي إلى تفاقم الأزمة وزيادة الاحتقان الشعبي، متسائلًا عما إذا كانت هناك فرصة حقيقية للإصلاح السياسي”.

وأعلنت مفوضية الانتخابات عن انطلاق عملية تحديث سجل الناخبين اعتبارا من الثلاثاء الماضي، على أن تستمر لمدة شهر كامل، لتشمل التصحيح، والإضافة، والتسجيل لأول مرة، فضلا عن تسجيل القوات الأمنية والنازحين، وذلك عبر 1079 مركزا لتحديث البيانات واستقبال المواطنين في مختلف المحافظات.

وتشير الأرقام إلى أن أكثر من مليون مواطن من مواليد عام 2007 أصبحوا مشمولين بحق الانتخاب في الدورة المقبلة، ما يرفع العدد الإجمالي للناخبين إلى أكثر من 29 مليونا.

بدورها، تقول النائب في البرلمان، سروة عبدالواحد، خل حديث لـ”العالم الجديد”، أن “نسبة المشاركة في الانتخابات المقبلة لن تكون أعلى من سابقتها، لكنها في الوقت ذاته لن تشهد تراجعا، إذ توجد دائما شريحة ثابتة من الناخبين تواظب على التصويت مدفوعة بقناعاتها ورغبتها في إحداث تغيير حقيقي”.

وتلفت إلى أن “هذا الأمر يعتمد بشكل أساسي على عوامل عدة، منها مستوى الخدمات التي تقدمها الحكومة، ووعود الأحزاب، سواء داخل السلطة أو في المعارضة، بالإضافة إلى الظروف الأمنية، السياسية، والاقتصادية التي يمر بها البلد”.  

وستجرى الانتخابات، وفق التعديل الثالث لقانون الانتخابات، الذي صوت عليه مجلس النواب في الـ27 من آذار مارس 2023 بحضور 218، وشملت التعديلات الأخيرة إلغاء النظام المعمول به في انتخابات تشرين الأول أكتوبر 2021، واعتمد بموجب النظام الانتخابي الجديد نظام الدوائر المتعددة وقسم البلاد جغرافيا إلى 83 دائرة بدل النظام القديم الذي حدد أن كل محافظة تمثل دائرة انتخابية واحدة.

إقرأ أيضا