دون أي ضجيج أو صلاة جماعية، تجري حفلات الفنانين العرب وسط بغداد والمحافظات الجنوبية، على عكس ما شهدته الحفلات السابقة من اعتراضات وتظاهرات، ما أرجعه مراقب سياسي وصاحب كافيه يقيم حفلات غنائية، إلى تراجع “التوترات السياسية” التي كانت سائدة في عهد الحكومة السابقة، نافين أي صلة لما جرى بالحفاظ على الدين والتقاليد، الأمر الذي رفضه الإطار التنسيقي، وعزاه لغضب “جماهيري” ضد ما حصل من “تعر وفسوق” ولا علاقة للقوى السياسية بالأمر.
ويقول المحلل السياسي غالب الدعمي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “الصلاة التي أقيمت اعتراضا على الحفلات في زمن حكومة مصطفى الكاظمي، كانت من أجل تحقيق أهداف سياسية، فهي صلاة حزبية بامتياز وليس لها أي علاقة بالدين لا من قريب ولا من بعيد”.
ويضيف الدعمي، أن “الصلاة الحزبية والسياسية هي صلاة منقوصة لا تصل الى الله، والاعتراضات على الحفلات في الحكومة السابقة، اختفت الآن، بل تجري حاليا حفلات وبكثرة ومحمية دون أي اعتراض، وهذا يفقد الجهات السياسية التي كانت تعترض وجودها بشكل كامل”.
ويتابع، أن “تلك الجهات السياسية، لها القدرة على الاعتراض على إقامة الحفلات، كما فعلت ذلك سابقاً في حكومة الكاظمي من خلال الجمهور الذي تمتلكه في الشارع، ولديها حتى السلاح”، موضحا أن الحكومة السابقة والحكومة الحالية، ليس لها أي علاقة بما يجري، فقضية الاعتراض على الحفلات مرتبطة بالأحزاب والمصالح، ومن غير المستبعد وقوف جهات سياسية حاليا خلف هذه الحفلات ودعمها”.
ومؤخرا شهدت العاصمة بغداد ومحافظات أخرى، العديد من الحفلات الغنائية لفنانين عرب، منهم نانسي عجرم وعاصي الحلاني، فضلا عن حفلة الفنانة شمس في البصرة، فيما من المفترض أن يصل كل من ايهاب توفيق ومحمد فؤاد إلى بغداد لإحياء حفلات أيضا.
وجرت هذه الحفلات بكل انسابية، وفي أماكن جديدة، بعد أن كانت مقتصرة على مسرح “السندباد لاند”، لكن الحفلات توزعت مؤخرا على مواقع ترفيهية جديدة في العاصمة.
يذكر أن العام 2021، وقبيل إجراء الانتخابات النيابية المبكرة، كانت العاصمة بغداد تحيي حفلات غنائية لبعض الفنانين العرب، على أرض السندباد لاند، لكن سرعان ما خرجت تظاهرات منددة بإقامتها، وقد أقام المتظاهرون في حينها صلاة أمام بوابة المدينة الترفيهية، فيما تكرر الأمر خلال إقامة مهرجان بابل آنذاك، حيث أقيمت صلاة أمام مسرح بابل قبيل انطلاق فعاليات المهرجان، كخطوة رافضة للحفلات الغنائية.
وكان من أبرز الفنانين الذين أثاروا الجدل هو محمد رمضان، بحجة أدائه حفلته وهو كاشف عن صدره، وفي حينها دخل زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، على خط الأزمة، حيث حذر من “الحرب الناعمة التي يتعرض لها العراق، وما يحصل من مجون وفجور بحجة الحرية”، منتقدا “محاولات إفساد المجتمع”.
إلى ذلك، يبين علي القاسم (36 عاما)، وهو صاحب كافيه بمنطقة الداوودي بجانب الكرخ من بغداد، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن قضية استضافة الفنانين العرب في العراق، وبالإضافة لكونها موردا ماليا للمطاعم والنوادي الترفيهية، فهي بالأساس رسالة لكل الشعوب والدول العربية والعالم، بأن العراق بلد آمن ومنفتح”.
ويلفت القاسم، إلى أنه “استضفنا مؤخرا الفنان المصري مسلم في الكافيه، وتحملنا كافة نفقاته دون أي دعم من أي جهة حكومية، وكانت أمسية جميلة في حينها، وساهمنا بنقل صورة إيجابية عن البلد”.
وحول اللغط الذي أثير خلال الحكومة السابقة بسأن تلك الحفلات وانتهائه الآن وعودة الحفلات بشكل طبيعي، يوضح أن “هذا الأمر مرتبط بالأزمة السياسية، ففي السابق كان هناك صراع حول الحكومة ما أدى لتلك الظواهر في حينها، فالحكومة عندما تكون مستقرة نسبيا، يستقر الشارع بدوره، وإذا حدثت توترات بين الكتل السياسية، فبالتأكيد تنعكس سلبا على الشارع”.
يذكر أن نقيب الفنانين جبار جودي، دافع في حديث سابق لـ”العالم الجديد”، عن إقامة هذه المهرجانات، كونها انعكاسا لواجهة العراق، حيث تبين أن البلد لا يزال بخير ويشهد استقرارا أمنيا كبيرا، إضافة إلى إحيائها الجوانب الثقافية والفنية في البلد، كما أنها تشجع المجتمع على استعادة وضعه الطبيعي.
يشار إلى أن بطولة خليجي 25 التي أقيمت في البصرة مؤخرا، شهدت العديد من مظاهر الاحتفال والأغاني في الطرقات وافتتاح مراكز التسوق، فضلا عن تجول السائحين من دول الخليج في مختلف مدن العراق، ما عكس صورة إيجابية عن البلد وطبيعة الحياة فيه.
ويؤكد أن “الكافيهات والمطاعم تبذل جهدا كبيرا لإيصال هذه الرسالة، ودائما ما تستضيف سائحين من دول الخليج، بهدف نقل هذه الصورة الإيجابية، المتمثلة بأن بغداد فيها حياة كاملة وهناك عائلات وشباب وفتيات يسهرون في المطاعم والمقاهي لساعات متأخرة، وهذه حقيقة يجب أن تصل لكافة الدول”.
من جهته، يؤكد القيادي في الإطار التنسيقي علي الفتلاوي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “هناك فرقا بين النظام السياسي والنظام الإسلامي، فالنظام الإسلامي اكيد لا يقبل بوجود الحفلات، خصوصاً انه في زمن حكومة الكاظمي كانت الحفلات تصل الى مستوى التعري، فمن المعيب تجمع الشباب والفتيات حول شخص متعر والهتاف له”.
ويوضح، أن “الحكومة العراقية لا يمكن لها منع إقامة الحفلات، كونها حكومة لكل العراقيين وليس للإسلاميين فقط، لكن الحكومة ومن خلال وزارة الثقافة مطالبة بوضع ضوابط لإقامة الحفلات لمنع إقامة أي أفعال تخالف القيم والأخلاق وتقاليد المجتمع العراقي”.
ويشير إلى أن “موقفنا نحن كإسلاميين في الإطار التنسيقي نرفض إقامة الحفلات، التي فيها الكثير من حالات التعري والفسوق والفجور، لكننا نحترم الرأي الآخر، وفي المقابل على الرأي الآخر احترام آرائنا وقيمنا المعروفة لدى جميع العراقيين”، مبينا أن “الاعتراض على الحفلات بحكومة الكاظمي، كان بدافع جمهوري من قبل الإسلاميين وليس للنظام السياسي والقوى السياسية أي علاقة بأي تحرك ضد إقامة الحفلات في حينها”.
يشار إلى أن العديد من الأماكن في العراق تعج بالحفلات الغنائية، وخاصة في احتفالات رأس السنة الميلادية، لكن غالبا ما تجري بأماكن مغلقة مثل الفنادق والنوادي ذات الاشتراك، فضلا عن إقامة عشرات الحفلات في تركيا لفنانين عراقيين.