لم تكن قضية اختفاء 3.7 تريليون دينار عراقي، بما يعادل نحو مليارين ونصف المليار دولار، من أموال الأمانات الضريبية في العراق بما يعرف بـ”سرقة القرن” عابرة كأي سرقة للمال العام اعتاد العراقيون سماعها منذ 2003، فالحديث عن “سرقة القرن” لا يزال مستمراً منذ أعوام ويشغل الرأي العام في البلاد.
فبعد صدور حكاما بالسجن تتراوح بين 3 و10 أعوام بحق كل من المتهم نور زهير”، وهو أبرز المتهمين في الفضيحة، ورائد جوحي المدير السابق لمكتب رئيس الوزراء وهيثم الجبوري، النائب السابق المستشار في حكومة رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي،خرج الأخير، اليوم الخميس، ببيان غاضب رفض فيه تصريحات أطلقها أحد البرلمانيين، والتي ربطت الكاظمي بسرقة الأمانات الضريبية، أو بما يُعرف بـ”سرقة القرن”.
وتعود تفاصيل القضية إلى عام 2022، حين استدعت محكمة عراقية مسؤولين في الهيئة العامة للضرائب على خلفية قضية “سرقة” 2.5 مليار دولار من أموال الضرائب كانت في مصرف حكومي وصدرت مذكرات توقيف بحق مشتبه فيهم.
القضية بدأت أحداثها خلال الفترة بين عامي 2021 حتى 2022، أي خلال تولي مصطفى الكاظمي رئاسة الحكومة، وتصدت لها هيئة النزاهة حين أعلن رئيسها القاضي حيدر حنون عن تحرك لتنظيم “إشارات حمراء” من الإنتربول بحق المطلوبين الذين تتزايد أعدادهم كلما تقادم الزمن واختلف الخصوم السياسيون، فيما لا يزال العمل الدؤوب مستمراً لاسترداد الأموال المهربة إلى الخارج، يرافقه ضغط شعبي عارم.
وذكر بيان لمكتبه الإعلامي تلقته “العالم الجديد”، أن “هذه الاتهامات التي يتبناها البرلماني ومن خلفه جهات سياسية معروفة، لا تمتّ للحقيقة بصلة، وأنها جزء من حملة مستمرة منذ أشهر تستهدف تشويه صورة الكاظمي والتقليل من تجربته في رئاسة الحكومة.
وأضاف أن “جميع الادعاءات التي أُثيرت في هذا السياق مكشوفة الأهداف والأساليب، وأن الوقائع والأدلة أثبتت زيفها مرارًا”.
وأشار المكتب الإعلامي إلى أن ما يُسمى بـ”سرقة القرن” بات “وسيلة لبعض الجهات لتوجيه الأنظار بعيدًا عن السارقين الفعليين، وأن استمرار تناول هذه القضية إعلاميًا دون أدلة حقيقية يعد تهريجًا يهدف إلى استقطاب الأضواء وإثارة الرأي العام، بدلاً من التركيز على الوقائع”.
ولفت إلى أن “حكومة الكاظمي بذلت جهودًا كبيرة للكشف عن الحقائق المتعلقة بهذه القضية، رغم الضغوطات الهائلة التي تعرضت لها لإخفاء الحقائق أو تحريفها”.
كما شدد المكتب الإعلامي على أن “السلطة القضائية تمتلك حصريّة الاتهام، بعيداً عن منابر الابتزاز والتلفيق والتشويه، والتي باتت للأسف مهنة يمتهنها كثيرون باتوا جزءاً من المشهد السياسي، الذي كان أرفع من هؤلاء المرتزقة”.
يأتي ذلك بعد أن حكم القضاء العراقي في حسم الدعاوى الخاصة بجريمة “الأمانات الضريبة”، أو ما يُعرف إعلامياً بـ”سرقة القرن”، بالسجن على المتهم الأول الرئيسي نور زهير مدته 10 سنوات، والسجن 6 سنوات لرائد جوحي (المدير السابق لمكتب رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي المقيم حاليا خارج العراق)، وعدد من الموظفين المدانين بالجريمة، والحبس 3 سنوات بحق عضو مجلس النواب السابق هيثم الجبوري.
وكشف رئيس هيئة النزاهة القاضي حيدر حنون، من أربيل في 4 أيلول سبتمبر الماضي، في مؤتمر صحفي غلب عليه التوتر والصراخ، صدور مذكرة قبض بحقه على خلفية التحقيق في “سرقة القرن”، مؤكدا أن نور زهير، “قام بتزوير 114 صكاً مالياً، وعليه أن يعاقب بـ114 حكماً”، وكشف عن أنه “سرق 720 دونماً في شط العرب” جنوب العراق.
إذ أبدى رئيس النزاهة، غضبه العارم وهو يصرخ بسبب ما وصفه بـ”استضعاف الهيئة اختفاء ملفات من قضية المتهم نور زهير لدى القاضي ضياء جعفر”، مؤكدًا أن “هذه التطورات تشكل تحديًا كبيرًا لجهود مكافحة الفساد واستعادة أموال الدولة المنهوبة”.
وتعرض نور زهير في 23 آب أغسطس الماضي، إلى حادث سير خطير جدًا في العاصمة اللبنانية بيروت، إلا أن مسؤول بارز في قوى الأمن الداخلي اللبناني أكد أن “المخافر في بيروت والضواحي القريبة لم تُبلغ بأي حادث سير لمواطن عراقي يحمل اسم نور زهير”.
وأضاف أن “قوى الأمن سألت مستشفى سانت تيريز عن سبب عدم التبليغ وأفاد بأن المذكور حضر بالفعل، لكن إصابته طفيفة جدا لم تكن تستوجب إبلاغ الأمن اللبناني، أو منحه تقريرا طبيا عن حادث مروري”.
وبحسب “الشرق الأوسط”، فإن الدفاع المدني والصليب الأحمر في لبنان لم يسجلا حادثا مروريا لشخص عراقي في منطقة الحدث يومي الخميس والجمعة.
يذكر أن الكشف عن سرقة القرن، يعود إلى عهد وزير النفط السابق إحسان عبد الجبار، عام 2022، حيث كشف خلال إعلانه استقالته من منصب وزير المالية وكالة، عن سرقة 2.5 مليار دولار (3.7 ترليون دينار) من أموال الضريبة في مصرف الرافدين الحكومي.
وكان من المقرر ان يمثل نور زهير امام المحكمة في 27 آب أغسطس للمحاكمة في قضية الامانات الضريبية المعروفة إعلاميا “بسرقة القرن”، الا أنه لم يحضر.
وكان المتهم نور زهير، قال، في 17 أغسطس آب الماضي، بمقابلة مع قناة الشرقية ضمن برنامج “المواجهة” وتابعت “العالم الجديد”، “برومو” اللقاء، إن “الأموال التي كانت بحوزته تعود لـ”صكوك ومعاملات مدققة من هيئة النزاهة، وهي ليست أموال دولة”، مشدداً بالقول: “ولا دينار واحد يعود للدولة”.
وأضاف زهير، أن “سرقة الأموال الضريبية يجب أن تسمى كذبة الأموال الضريبية”، لافتاً إلى أن “أحد النواب ممن يهرجون الآن طلب مني منزلاً بمساحة أرض تبلغ 1200 متر وبشرط أن يكون في شارع الاميرات (منطقة المنصور ببغداد)”.
وأكد زهير، أنه في حالة محاكمته فسيكشف كل الأسماء المتورطة في القضية خاصة إذا كانت المحاكمة علنية.
وفي منتصف تموز يوليو الماضي، عدّ رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، موضوع سرقة الأمانات الضريبية المعروفة باسم “سرقة القرن”، نقطة سوداء في تاريخ الدولة العراقية، وأشار الى أنها نُفذت بغطاء رسمي، وكشف عن تهريب نصف أموالها الى خارج البلد.
يشار إلى أن الحكومة العراقية أعلنت في تشرين الثاني نوفمبر من العام الماضي، عن تسوية ملف “سرق القرن” عبر مبدأ الإفراج المشروط مقابل استراداد الأموال المنهوبة وذلك خلال مؤتمر صحافي لرئيس الوزراء محمد السوداني.
وكانت القوات الأمنية اعتقلت المتهم الأبرز بسرقة القرن، نور زهير، في 24 تشرين الأول أكتوبر من 2022، قبيل فراره لخارج العراق بطائرة خاصة من مطار بغداد الدولي، حيث جرى منع الطائرة من الإقلاع بعد صعوده على متنها واعتقاله.
وأثارت القضية سخطا شديدا في العراق الذي شهد في السنوات الماضية احتجاجات واسعة تطالب بوضع حد للفساد، حيث باتت حديث الشارع العراقي والأوساط السياسية وغيرها حتى انتقل صداها إلى خارج العراق لتتناولها وسائل إعلام عربية وغربية.
يشار إلى أنه جرى الإعلان أكثر من مرة عن استعادة أموال مجمدة من بعض الدول الأوروبية، وتراوحت بين 20 – 40 مليون دولار، وهي لا تمثل نسبة عالية من مجموع المبالغ التي تقدر بأكثر من ملياري دولار.
وما زال ملف قضية “سرقة القرن” مفتوحاً لدى القضاء العراقي للتوصل إلى جميع خيوطه، وكذلك سبل استعادة الأموال التي تم تهريبها خارج العراق بحسب ما صرح عدد من النواب والسياسيين.