كثيرة هي التساؤلات حول مدى استمرارية الاتفاقات بين بغداد وأربيل ومدى قدرتها على الصمود في ظل التحديات السياسية والاقتصادية، ففي كل مرة يقترب الطرفان من حلول نهائية، تبرز أحداث غير متوقعة تعيد التوتر إلى السطح.
إذ لوح الاعتصام التي ينظمه الموظفون المضربون عن الطعام في السليمانية، احتجاجاً على استمرار أزمة الرواتب والمشاكل العالقة بين حكومتي بغداد وأربيل، بالتصعيد والتوجه يوم غد إلى أربيل والاعتصام أمام مقر الأمم المتحدة، بهدف الضغط أكثر لتحقيق مطالبهم المشروعة.
وقال مراسل “العالم الجديد”، إن “اعتصام خيام الكوادر التربوية في السليمانية دخل يومه الـ 12، مع مساندة كبيرة من المواطنين للشرائح الأخرى”.
وأضاف نقلا عن المحتجين ومجلس المعلمين بأن “العشرات من المحتجين سيتظاهرون يوم غد الأحد في مدينة أربيل أمام مقر الأمم المتحدة، بهدف الضغط أكثر، على حكومة الإقليم”.
وزار وفد من مجلس النواب الذي وصل مدينة السليمانية، أمس الجمعة، والمكون من أغلب الكتل النيابية، خيمة المعلمين المعتصمين والاطلاع على مطالبهم.
وأعلن الوفد النيابي خلال مؤتمر صحفي تابعته “العالم الجديد”، من داخل خيم الاعتصام عن “تسلمه اليوم مطاليب المعتصمين وأنه سيأخذها معهم الى بغداد إلى مجلس النواب، وعزم تشكيل لجنة نيابية لمتابعة موضوع الخلافات بين إقليم كردستان والحكومة الاتحادية والاعلان للرأي العام من هو السبب في تعطيل صرف رواتب الموظفين، كي لا يصبح المواطنين ضحية للصراعات السياسية من الآن وصاعداً” حسب قولهم.
وتعهد الوفد البرلماني بأنه “سيعود قريباً الى المعتصمين بالحلول، حول مواضيع التوطين وتوفير الرواتب، مشيداً بما وصفه نضال وصمود أبناء السليمانية خلال السنوات الماضية للمطالبة بحقوق الموظفين وتوفير رواتبهم”.
جاء ذلك بالتزامن مع تأكيدات منظمات حقوقية ونواب أن العديد من المعتصمين يعانون من سوء الحالة الصحية بسبب الإضراب عن الطعام والمستمر منذ أيام، إذ قرر البعض منهم رفض تلقي الرعاية الصحية، في خطوة تصعيدية باعتصامهم، بعد أن كانوا يتلقون الرعاية الصحية طيلة فترة إضرابهم.
وأكد المتظاهرين، أمس الجمعة، أن “الخلافات والصراعات السياسية بين حكومتي بغداد وأربيل يجب أن تُحلّ بعيداً عن التأثير على حياة المواطنين ومعيشتهم، مطالبين بتطبيق الدستور العراقي بشكل يضمن الحقوق والامتيازات لجميع العراقيين، دون تمييز بين مواطني الإقليم وسكان باقي مناطق البلاد”.
كما عبّر المعتصمون عن “استيائهم من استمرار هذه الأزمة”، داعين إلى “اتخاذ إجراءات فورية تنهي حالة الإحباط الشعبي وتعيد الثقة بين المواطنين والحكومات المعنية”.
وأعلنت وزارة المالية في حكومة إقليم كردستان، في 3 شباط فبراير الجاري، عن التوصل إلى اتفاق نهائي مع الحكومة الاتحادية لحسم ملف رواتب موظفي الإقليم.
يذكر أن مجلس النواب صوت، في 2 شباط فبراير الجاري، على مشروع قانون التعديل الأول لقانون الموازنة العامة الاتحادية للسنوات المالية 2023، 2024، 2025، والذي يسمح باستئناف تصدير نفط إقليم كردستان عبر شركة سومو الاتحادية.
وكانت وزيرة المالية الاتحادية طيف سامي طلبت، في 1 شباط فبراير الجاري، من وفد الإقليم تزويد المالية بالحسابات البنكية لكل موظف، سواء تم توطين الرواتب في المصارف الاتحادية، أو بنوك الإقليم، كما طلبت أيضا ترك الحرية والخيار للموظف في أن يوطن راتبه في أي مصرف يشاء، وأن لا يتم جبره على التوطين في مشروع حسابي، بحسب مصادر مطلعة.
ويرى مراقبون في الشأن السياسي، أن الأزمة المالية بين بغداد وأربيل ليست مسألة موازنات فقط، بل ترتبط بتوازن القوى في العراق. إذ إن أي اتفاق مالي يحمل في طياته بُعداً سياسياً، سواء تعلق بمصالح الأحزاب أو بالتأثيرات الإقليمية والدولية، وبالرغم من التصريحات الإيجابية من الطرفين، تبقى المخاوف قائمة بشأن تنفيذ الاتفاقات على أرض الواقع، خصوصاً في ظل تجارب سابقة لم تكتمل، مشيرين إلى أن الهجوم على حقل خور مور قد يكون رسالة واضحة بأن أي تفاهم بين بغداد وأربيل لن يكون سهلاً، وأن هناك جهات غير مستفيدة تسعى لعرقلته.
وشهدت الأجواء بين بغداد واربيل خلال الأيام الماضية، توترا و”حربا بالبيانات” بين إقليم كردستان ووزارة المالية الاتحادية، بشأن الخلافات على مبالغ الرواتب حيث لا تزال رواتب شهر كانون الأول 2024 لم يتم صرفه للموظفين في كردستان حتى الان، فبينما تؤكد وزارة المالية الاتحادية انها أرسلت أموال كردستان بالكامل فيما يخص الرواتب، تنفي مالية كردستان ذلك وتقول ان الأموال التي وصلتها من بغداد اقل من المبلغ المطلوب بحوالي 800 مليار دينار، ما يمنع توزيع رواتب الشهر الأخير من العام 2024.
وكان عضو اللجنة المالية السابق احمد الحاج رشيد، أكد في 20 كانون الثاني يناير 2024، أنه لا يوجد أمل لحل أزمة رواتب كردستان بشكل جذري، مؤكدا أنها ستتكرر كل شهر لعدم التزام حكومة الاقليم بتسليم 50% من الإيرادات الداخلية.
وعاش الموظفون في الإقليم، أزمات متوالية طيلة السنوات الماضية، أدت إلى شلل تام في الأسواق نتيجة تأخر صرف الرواتب وتطبيق نظام الادخار الإجباري الذي مارسته حكومة إقليم كردستان لسنوات عدة، بعد اعتماد رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي سياسة “التقشف”، بالإضافة إلى الخلافات المالية بي بغداد وأربيل، مما أدى إلى أزمة خانقة وكبيرة.