يستذكر العراقيون اليوم انهيار إحدى أعتى الدكتاتوريات في المنطقة، عندما سقط نظام صدام حسين في مثل هذا اليوم من عام 2003، ليبدأ عهد جديد ونظام آخر خيب آمالهم وأدخلهم في دوامة أخرى من الأزمات والحروب، وفيما استشرف مراقبون ملامح انهيار النظام الحالي بسبب المحاصصة التي بني عليها، والفساد المستشري فيه، والأزمات الاقتصادية المطنبة، ذهب البعض الآخر إلى أن التغيير سيكون إصلاحيا وجزئيا وليس عن طريق الانقلابات والتدخل الخارجي.
وكانت الولايات المتحدة الأمريكية قادت تحالفا دوليا ضد النظام العراقي السابق، وشنت الحرب في 19 آذار مارس 2003، ما أدى إسقاط نظام صدام حسين بعد ذلك بأيام وتحديدا في 9 نيسان أبريل، تلتها معارك عدة في بعض المدن قبل أن تسيطر القوات الأمريكية بالكامل.
ويعتقد أستاذ العلوم السياسية في الجامعة المستنصرية عصام الفيلي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “ملامح انهيار النظام العراقي الحالي بدأت منذ لحظة ولادته، بعد التاسع من نيسان، فالتكالب على السلطة بدأ من خلال تشكيل مجلس الحكم، حيث عمد السياسيون إلى جعل رئاسة المجلس بصورة دورية، وهذا يعكس اتجاهين، الأول، أزمة الثقة بين القوى السياسية وفشلها في اختيار شخصية لقيادة العراق في تلك المرحلة، والاتجاه الثاني يعكس طبيعة الصراع ضمن نطاق ما يعرف بالمحاصصة السياسية”.
ويضيف الفيلي: “كان هناك تغييب واضح للهويات المدنية وقوى التيار المدني، وعلى الرغم من امتلاك كثير من الشخصيات إطارا لمفهوم الدولة المدنية، إلا أنها حسبت على المكونات الاجتماعية، كإياد علاوي، رئيس الوزراء الأسبق، ونصير الجادرجي السياسي، فأحدهما حسب على الشيعة، والآخر حسب على السنة، وكان من المفترض أن لا يتم تصنيف السياسيين بخانات مذهبية”.
ويعتقد أن “القوى السياسية التي حضرت إلى العراق بعد عام 2003 كانت قوى معارضة أكثر مما هم رجال دولة، بالرغم من أن كثيرا منهم كانوا يحملون فكرة بناء الدولة، لكن فشلوا بسبب اعتقادهم بالقوة والكفاح المسلح لذا واجهوا الفشل”.
ويشير إلى أن “الفشل كان واضحا في أول انتخابات عام 2005 حيث جرى اللعب على المفهوم الطائفي والتلويح بالرموز والشعارات المذهبية وتأجيج الطائفية في العراق من قبل جهات وليس جهة واحدة، وهو ما أكد الانطباع بأن هنالك صراعا على السلطة أهم من بناء الدولة”.
ويؤكد أن “العراق كان وما يزال حتى اليوم يعيش مستوى كبيرا من الصراعات، والفساد أصبح حالة متلازمة مع المشهد السياسي، لذا اعتقد أن المجتمع الدولي لن يقف مكتوف الأيدي والمتغيرات قادمة اذا لم تكن هنالك معالجة وإعادة قراءة حقيقية للأوضاع”، مشيرا إلى أن “المرحلة الحالية شهدت عزوفا عن الانتخابات وعزوفا آخر من أحد أهم مرتكزات العملية السياسية ألا وهو مقتدى الصدر، ما يعطي انطباعا بأن شركاء العملية السياسية الذين أسسوها اصبحوا لا يؤمنون بها”.
وكان أول ما يمكن تسميته إدارة سياسية عراقية تحت مسمى “مجلس الحكم الانتقالي، تشكل في 13 تموز يوليو 2003، بقرار من الحاكم المدني الأمريكي بول بريمر، وقضى القرار بتعيين 25 عضوا في المجلس مثلوا معظم الطوائف والاتجاهات السياسية والدينية والعرقية الموجودة في العراق، وقامت سلطة الائتلاف بتحديد مهام ومسؤوليات هذا المجلس، والتي من بينها تعيين الوزراء المؤقتين، والعمل بالتنسيق مع سلطة الائتلاف على رسم السياسات العامة للبلاد، وتحديد الموازنة العامة للدولة، إضافة إلى وضع الإجراءات اللازمة لإنشاء دستور للعراق الجديد.
من جهته، يرى المحلل السياسي غالب الدعمي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “المؤشرات الراهنة تقول إن دورة حياة النظام السياسي العراقي الحالي قاربت على النهاية، لكن لن يأتي هذا التغيير بطريقة الانقلابات والعدوان الخارجي وغيره”.
ويعتقد الدعمي، أن “التغيير قد يأتي بصورة إصلاح حقيقي أو جزئي لهذا النظام، بإزالة طبقة معينة وإزاحة مراكز قوى واستبدالها”، متوقعا أن “انخفاض التأثير الإقليمي إلى حد كبير، في المشهد المقبل للعراق، وازدياد التأثير الأمريكي بشكل كبير جدا”.
ويشدد المحلل السياسي على “ضرورة أن يجد النظام الحالي رؤيا جديدة ومسارا آخر، واعتقد هذا ما سيكون، لأن هذا النظام لم يحقق أي استقرار سياسي أو أمني وبقي البلد في حالة قلق دائم من أمريكا مرة وإيران أخرى وداعش ثالثا والتغييرات الإقليمية رابعا، وهذا القلق الدائم والمزعج يضاف إلى القلق الذي تخلقه الطبقة السياسية نفسها”.
وجرت في 30 كانون الثاني يناير 2005، أول انتخابات تشريعية في البلاد، انتخب خلالها الشعب العراقي أعضاء “الجمعية الوطنية الانتقالية” كما سميت في ذلك الوقت، بعضوية 275 نائبا.
وفي تلك الانتخابات كان العدد الكلي للناخبين 14 مليونا و200 ألف ناخب من مجموع سكان العراق، الذي قدر في وقتها بنحو 27 مليون مواطن، حيث شهدت نسبة مشاركة تصل الى 76 بالمائة، وهي أعلى نسبة مشاركة في تاريخ الانتخابات التي تم تسجيلها في العراق، حتى الآن.
وقد أفرز برلمان 2005، اختيار جلال طالباني لرئاسة الجمهورية، وغازي عجيل الياور وعادل عبد المهدي نائبين له، بالإضافة الى انتخاب إبراهيم الجعفري رئيسا للوزراء، حيث سميت بالحكومة الانتقالية، فيما شهدت تلك الانتخابات مقاطعة ممثلي المكون السني في ثلاث محافظات: نينوى وصلاح الدين والأنبار، قبل أن يصبح منصب رئيس البرلمان من حصتهم في الدورات اللاحقة.
وقد شهدت الانتخابات النيابية اللاحقة للعام 2005، تراجعا كبيرا بنسب المشاركة، حيث شهدت انتخابات العام 2010، نسبة مشاركة 62.8 بالمائة، من أصل 18 مليونا و600 ألف ناخب، وفي العام 2014 تراجعت النسبة الى 60 بالمائة من بين 20 مليونا و432 ألف ناخب، في حين تدنت النسبة في العام 2018 الى 44 بالمائة، من بين 24 مليونا و352 الف ناخب، فيما بلغت نسبة المشاركة بانتخابات 2021 41 بالمائة، كأدنى نسبة مشاركة مسجلة رسمية حتى الآن.
بدوره، يشير الباحث في الشأن السياسي والأمني فلاح المشعل، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إلى أن “القوى السياسية بعد 2003 بعدما شكلت نظاما ديمقراطيا وتمت كتابة دستور دائم ينص على وجود سلطات ثلاثة منفصلة، استبشر العراقيون خيرا وهبوا بجموع غفيرة إلى الاستفتاء على الدستور أو المشاركة في الانتخابات التي جرت في السنوات الأولى وقدموا تضحيات كبيرة جراء الإرهاب وفي سبيل الحفاظ على الدولة”.
ويستدرك المشعل، أن “العراقيين سرعان ما صدموا بطبيعة النظام الذي ساد من خلال المحاصصة الطائفية والمناطقية، فانتهى مشروع الديمقراطية سريعا، وكانت بداية النهاية عام 2010 عندما فازت القائمة العراقية بقيادة علاوي وجرى التواطؤ من قبل رئيس المحكمة الاتحادية آنذاك مدحت المحمود، ليمنح حق تشكيل الحكومة للمكون الأكبر تحت ذرائع بعيدة عن الديمقراطية”.
ويجد أن “أحزاب الإسلام السياسي والأحزاب التي تقاسمت كعكة السلطة أقصت الكفاءات الوطنية والإدارات الناجحة، لتصبح الثروات حصتها وتشكلت ما تسمى باقتصاديات الأحزاب”، مشيرا إلى أن “هذه الطبقة التي تمترست في الحكم شرعت قوانين انتخابية تخدمها وتجدد بقاءها في مجلس النواب، وهذا ما جعل العملية السياسية تصاب بفشل حقيقي، لذا هي اليوم غير قادرة على أن تمضي قدما وأن تأتي بأي إصلاحات كما يفشل أي مشروع إصلاحي، لأن من يأتي إلى السلطة يكرس المنهج ذاته”.
واليوم في التاسع من نيسان، يقول المشعل، إن “البلد يقف أمام أزمة كبيرة، فالملايين من المعلمين والموظفين وعمال قطاع الكهرباء يتظاهرون لتحسين معيشتهم، كما أن العراق في حالة مديونية وهو لا يمتلك صناعة وقواعد اقتصادية سليمة، ولا أفق أو فلسفة للمستقبل، ويعتمد بكل حساباته على النفط الذي تراجعت أسعاره دون 60 دولارا، وهذه أزمة أخرى عميقة جدا ستواجه الإدارة المالية لأنها فوضوية، فالتفاوت بالمنافع في العراق لم يشهده أي بلد آخر”، مشيرا إلى أن “كل تلك الأسباب أدت إلى سقوط تجربة نظام بعد التاسع من نيسان 2003”.
يذكر أنه بعد العام 2003 فتحت أبواب العراق على مصراعيها ما أدى إلى إغراق الأسواق المحلية بمختلف البضائع والسلع والمواد الغذائية، وأنتج ذلك كسادا خطيرا في الصناعة المحلية التي كانت تعاني بالأساس خلال عهد النظام السابق بسبب العقوبات الاقتصادية المفروضة على البلاد، وتصاعدت نسب البطالة إلى معدلات كبيرة بسبب تعطل القطاع الخاص والشركات والمصانع الحكومية.
وقد دخل البلد في أزمة اقتصادية، بعد محاولة واشنطن السيطرة على تهريب الدولار، وذلك مطلع العام الماضي، حيث كانت المصارف العراقية الأهلية تعمل على تهريب الدولار لخارج العراق، وصدرت عقوبات بحقها ومنعت من دخول مزاد العملة، ما تسبب بارتفاع سعر الدولار في السوق الموازي، ما ترك آثارا لغاية اليوم على أسعار البضائع.