المنطقة المثيرة للجدل، جرف الصخر، باتت إعادة الحياة لها وفك خناقها المفروض عليها من قبل بعض الفصائل المسلحة أولوية حكومية، وهذا ما بدا جليا عبر تشكيل لجنة خاصة لإعادة سكان الناحية، وقد باشرت اللجنة أولى الخطوات بهذا الاتجاه، وسط إبداء محافظ بابل استعداده لتوفير كل ما يلزم من الجوانب الأمنية والخدمية والتنظيمية.
ناحية جرف الصخر تتبع محافظة بابل إدارياً، وتربط محافظة الأنبار غرباً بكربلاء والنجف في منطقة الفرات الأوسط، وتبعد عن العاصمة 60 كلم، ونظرا لموقعها الاستراتيجي، فقد شهدت صراعا مسلحا في كل المراحل التي تلت 2003، فيما ينحدر سكانها الأصليون من عشيرة “الجنابيين”، وهم من المكون السني، إلا أنهم يسكنون الآن في محافظة الأنبار بعد هجرتهم.
وكان يبلغ سكان الناحية 140 ألف نسمة، ولكن بعد استعادتها من تنظيم داعش في تشرين الأول أكتوبر من العام 2014 بعملية عسكرية كبيرة، أطلق عليها في وقتها “عملية عاشوراء” واستمرت لمدة يومين من قبل الحشد الشعبي، بدأت المرحلة الثانية، وهي منع عودة أهلها إليها وتحويلها إلى منطقة “مغلقة أمنياً”.
وبدأ ملف هذه الناحية بالتفاعل خلال الحكومة الحالية، التي شكلها الإطار التنسيقي وفقا لاتفاق سياسي وقعته كافة الكتل ومن جميع المكونات، وفيه اشتراطات، ومن ضمنها إعادة سكان جرف الصخر وإنهاء قضية غلقها، وهو أحد الشروط التي وضعها تحالف السيادة في الاتفاق، الذي بموجبه شكل تحالف إدارة الدولة.
وتطبيقاً لهذا الاتفاق، شكّل رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، لجنة خاصة تحت عنوان “اللجنة التنظيمية لإعادة النازحين إلى جرف الصخر”، وكلف وزارة الهجرة والمهجرين جاسم العطية برئاستها، وقد باشرت اللجنة مهامها ووصلت أمس الأول الثلاثاء، إلى محافظة بابل.
ويقول محافظ بابل وسام أصلان الجبوري، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “المحافظة بحثت مع وفد اللجنة التنظيمية لإعادة النازحين ثلاثة ملفات رئيسة وهي الملف الأمني وملف الخدمات والثالث التنظيمي، لضمان نجاح عودة العوائل إلى الناحية”.
ويضيف الجبوري، أن “المحافظة مستعدّة للتعاون من أجل إنهاء هذا الملف والخروج بشكل نهائي من مسؤولية 8 آلاف عائلة، تعيش منذ 10 سنوات بعيدة عن مناطق سكناها”.
وأشار إلى أنه “لا يمكن أن نسمح بعودة الإرهاب مرة أخرى من خلال العوائل النازحة، ويجب علينا الحفاظ على المنجز الأمني الذي تحقق بتحرير الناحية، فالملف الأمني ستكون له الأولوية أثناء عودة العوائل”.
يشار إلى أن الناحية ما زالت مغلقة لليوم منذ 2014، وقد حافظت الفصائل المسلحة على بقائها مغلقة أمام الدولة والمواطنين، إلا أنها تعرضت إلى ضربة أمريكية استهدفت مخازن السلاح الخاص بها في آذار مارس 2020، بعد أن اتهمت واشنطن الفصائل المسلحة باستهداف المواقع العسكرية العراقية والأمريكية عبر صواريخ الكاتيوشا.
وكان رئيس الوزراء ونائب رئيس الجمهورية الأسبق إياد علاوي، قال في أيار مايو 2017، عبر لقاء متلفز، إن “ملف مدينة جرف الصخر بمحافظة بابل بيد الإيرانيين”، وبحسب كلام علاوي آنذاك، فانه تحدّث مع نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي الراحل أبو مهدي المهندس، وأمين عام منظمة بدر هادي العامري بشأن عودة أهالي جرف الصخر لمدينتهم، فأجاباه بانهما سيحلان مسألة جرف الصخر في إيران، لإغلاق الملف وإعادة السكان إليها، لكنهما قالا له، إن “إيران قالت لنا إن الأمر بيد شخص في لبنان”، كما قال.
إلى ذلك، يؤكد وكيل وزارة الهجرة والمهجرين ورئيس اللجنة جاسم العطية، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “رئيس الوزراء محمد شياع السوداني مهتم جداً بحسم ملف عودة النازحين في عموم محافظات العراق، ويركز بشكل أكثر على ملف نازحي جرف الصخر، لما له من أهمية خاصة”.
ويتابع أن “ملف النازحين في بابل مكون من شقّين، الأول يتضمن عودة 5 آلاف نازح من مختلف المحافظات التي تعرضت لهجوم داعش، وهؤلاء يتوزعون على مختلف مناطق المحافظة، والشق الثاني خاص بنازحي ناحية جرف الصخر البالغ عددهم 3 آلاف نازح يسكنون في مناطق شمال المحافظة”.
ويؤكد أن “ملف جرف الصخر يجب أن يحسم سريعاً ولا يمكن أن يبقى معلقاً ورهن التجاذبات السياسية”، مبينا أن “ما تحقق من نصر عسكري لا يمكن أن يكتمل دون عودة العوائل، وهذا يجب أن يتحقق خاصة وأنه مضت 8 سنوات على عملية التحرير”.
ويشير إلى أن “الحكومة المحلية بعد التنسيق مع الجهات الأمنية ستبدأ بإعداد كشوفات تتعلق بملف الخدمات بناءً على توجيهات رئيس الحكومة التي على ضوئها سيتم رسم خارطة عودة العوائل النازحة إلى الناحية”.
وكان رئيس تحالف السيادة خميس الخنجر، أعلن في نيسان أبريل الماضي: ثبتنا جميع حقوق أهلنا في ورقة الاتفاق السياسي وكتبت جرف الصخر بالتحديد في الورقة.. لن نتنازل عن إخراج المعتقلين الأبرياء من السجون وحل ملف المختفين قسراً، وسنصلي العيد (عيد الأضحى الماضي) في الجرف.
يشار إلى أن المسؤول الأمني لكتائب حزب الله، أبو علي العسكري، وصف دعوة الخنجر للصلاة في منطقة جرف الصخر، في حينها، بـ”حلم عودة إبليس إلى الجنة”، وأكد في تغريدته المطولة أن القسم الأول من المهجرين هم عوائل موالية لأهل البيت وقد هجروا على أيدي مجرمي القاعدة، والقسم الثاني عوائل رافضة لهيمنة التنظيمات الإجرامية وأعمال القتل والذبح والتفجيرات والاغتصاب، وهؤلاء المهجرون بشقيهم أولا وثانيا هم سكان الجرف الأصليون، والقسم الثالث هم السفاحون والقتلة والمتورطون بجرائم كبرى ويبدو أنهم هم المقصودون بمقولة (سنصلي معهم في الجرف).
وتأتي هذه الخطوة، في ظل متغيرات عديدة في المنطقة، أبرزها الصلح التاريخي بين السعودية وإيران، برعاية العراق، فضلا عن إعلان “المقاومة الإسلامية”، عن وقف عملياتها ضد المصالح الأمريكية في العراق.
من جانبه، يؤكد مزاحم الجنابي، أحد وجهاء مناطق شمال بابل، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “العوائل النازحة من جرف الصخر تعيش حالة انكسار، وترغب بالعودة إلى مناطقها والاستقرار في أراضيها الزراعية وبساتينها كما كانت”.
ويلفت إلى أن “العوائل نفسها ستكون متعاونة مع القوات الأمنية في تشخيص المتورطين، ولا تريد أن تكوى بنار الإرهاب مرة أخرى”.
يذكر أن أي رئيس حكومة لم يستطع التحرك بشأن جرف الصخر أو فتح ملفها، رغم إطلاق الوعود بشأنها، وهو ما أقدم عليه رئيس الحكومة السابق مصطفى الكاظمي، حيث وعد بفتح الملف وإعادة النازحين للناحية، لكن لم يتمكن من تحقيق وعده.
جدير بالذكر، أن تحالف إدارة الدولة، وعند تشكيله في أيلول سبتمبر من العام الماضي، شهد توقيع وثيقة بين الإطار التنسيقي والاتحاد الوطني الكردستاني وتحالف العزم من جهة، والحزب الديمقراطي الكردستاني وتحالف السيادة من جهة أخرى، وفيها مطالب الطرفين الأخيرين، لغرض تنفيذها من قبل الحكومة التي يشكلها الإطار، وذلك لغرض تمريرها، وهو ما جرى في تشرين الأول أكتوبر الماضي، حيث مررت حكومة محمد شياع السوداني بناء على هذه الوثيقة.