يتجدد الجدل بين بغداد وأربيل، بشأن تصدير الأخيرة للنفط، على الرغم من منعها بقرار من المحكمة الاتحادية العليا، وفيما أكدت شركة تسويق النفط العراقية “سومو” أنها يمكن أن تتجه للمحاكم الدولية لمنع إقليم كردستان من التصدير، يصر الإقليم على مضيه بالأمر، واصفا تلك القرارات بـ”السياسية”.
ويقول مصدر مسؤول في شركة “سومو” خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “الحكومة الاتحادية مستمرة بإيقاف تعامل الشركات النفطية مع إقليم كردستان في ما يتعلق بتصدير النفط، ونجحت خلال الفترة الماضية بإيقاف عمل بعض الشركات في الإقليم”.
ويضيف المصدر، الذي طلب عدم ذكر اسمه، أن “كل الشركات النفطية وكذلك الدول، تتعامل مع ملف النفط العراقي كملف سيادي مرتبط ببغداد حصرا، ولهذا توقف الشركات عملها بعد مطالبة الحكومة الاتحادية بذلك، كما هناك طلبات رسمية ستقدم من قبل بغداد إلى بعض الدول لإيقاف أي شحنات نفطية تصل إليها من كردستان”.
ويشير إلى أن “الإقليم يعمل حاليا على تغيير أسماء بعض الشركات النفطية من أجل استمرار تصدير النفط من دون علم وموافقة بغداد، وحتى لا تتم مخاطبة تلك الشركات لأنها مجهولة، وهذا الأمر ربما يدفع بغداد إلى تقديم شكاوى بحق الإقليم ليس فقط في المحاكم المحلية، بل ربما يصل إلى المحاكم الدولية المتخصصة بهذا الشأن”.
وكانت “سومو” هددت بإجراءات قانونية جديدة ضد مشتري النفط الخام من إقليم كردستان، من أجل منع تحميل تلك الشحنات غير المشروعة القادمة من العراق، بما في ذلك على سبيل المثال لا الحصر الشحنات القادمة من إقليم كردستان.
وبينت سومو في بيانها، أن وزارة النفط الاتحادية العراقية وسومو كشركة تابعة لها، تحتفظ بالحق في اتخاذ جميع الإجراءات القانونية ضد أي تاجر أو مشتر للنفط الخام المهرب يثبت أنه قام بتحميل النفط العراقي من مرفأ جيهان النفطي التركي، على وجه التحديد، دون تأييد صريح من بغداد.
وردت وزارة الثروات الطبيعية بإقليم كردستان، على بيان سومو، ببيان مطول، أكدت فيه أن الخطوات الأخيرة للشركة ستؤثر سلبا على الحوار بين حكومة الإقليم والحكومة الاتحادية، مؤكدة أن حكومة الإقليم ستواصل إنتاج وتصدير النفط.
كما عدت بيان سومو، بأنه “قطرة أخرى في بحر المعلومات الخاطئة التي تنشرها كجزء من لعبة سياسية، ومعركة تستخدمها بعض الأحزاب السياسية في بغداد لضرب الدستور الاتحادي للعراق”.
وكانت شركة شلمبرغر الأمريكية لخدمات حقول النفط، أعلنت في حزيران يونيو الماضي، انسحابها من إقليم كردستان، ووفقا لوثيقة أرسلتها إلى وزارة النفط الاتحادية فإنها أكدت التزامها بقرار المحكمة الاتحادية المرقم 59 والمتضمن عدم التعامل مع إقليم كردستان في ما يخص الملف النفطي.
وجاء انسحاب هذه الشركة، بعد يوم واحد من انسحاب شركة بيكر هيوز الأمريكية، العملاق العالمي في مجال خدمات حقول النفط، وبحسب الإعلان الرسمي فإن انسحابها جاء امتثالا لقرار المحكمة الاتحادية.
من جهته، يعتبر القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني مهدي عبد الكريم، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “ما تقوم به وزارة النفط العراقية ضد الإقليم هي قرارات ذات طابع وتوجه سياسي، فهذه القرارات ليس لها أي نصوص دستورية وقانونية، خصوصا أن كردستان إقليم وله قوانينه الخاصة وفق الدستور العراقي”.
ويتابع عبد الكريم أن “إقليم كردستان، برأيي الشخصي، لم ولن يلتزم بما يصدر من قرارات كونها قرارات سياسية وليست قانونية، والإقليم مستمر بعملية تصدير النفط وفقا للقوانين النافذة والمشرعة في الإقليم، وهذا التصدير هدفه دفع المستحقات المالية المترتبة من حكومة الإقليم تجاه المواطنين من الرواتب وغيرها”.
ويبين عبد الكريم أن “هناك أطرافا سياسية في بغداد هي من تدفع باتجاه إصدار هكذا قرارات ضد كردستان من قبل وزارة النفط، من أجل ابتزاز الإقليم سياسيا ببعض الملفات، ونحن مستمرون في مساعي حل الخلاف النفطي والمالي مع بغداد وفق الحوار والدستور العراقي”.
وكانت المحكمة الاتحادية، أصدرت منتصف شباط فبراير الماضي، قرارا يقضي بعدم دستورية قانون النفط والغاز في إقليم كردستان، ومنعته من تصدير النفط لصالحه، على أن يكون التصدير عن طريق بغداد حصرا، بناء على دعوى رفعتها وزارة النفط الاتحادية.
ومن ضمن قرارات المحكمة الاتحادية، هو استقطاع مبالغ تصدير النفط من نسبته بالموازنة في حال عدم التزام إقليم كردستان بتطبيق القرار.
وكانت الرئاسات الأربع في كردستان، المتمثلة برئاسة الإقليم والبرلمان والحكومة والقضاء، أعلنت في آذار مارس الماضي، في بيان مشترك، أن قرار المحكمة الاتحادية العليا غير مقبول، وأن إقليم كردستان سيواصل ممارسة حقوقه الدستورية ولن يتخلى بأي شكل عنها، كما سيسلك كل السبل القانونية والدستورية لحمايتها، وعدت القرار مخالفا لنص وروح ومبادئ النظام الاتحادي الحقيقية، وانتهاكا صريحا ومعلنا للحقوق والصلاحيات الدستورية لإقليم كردستان.
إلى ذلك، يفيد الخبير القانوني سالم حواس خلال حديث لـ”العالم الجديد”، بأن “كل القرارات الصادرة عن وزارة النفط العراقية مدعومة بقرارات قضائية صادرة عن المحكمة الاتحادية العليا، وكل ما يصدر عن هذه المحكمة هو ملزم التنفيذ لكافة السلطات في عموم العراق، بما في ذلك إقليم كردستان”.
ويوضح حواس، أن “وزارة النفط قادرة على منع أي تصدير للنفط من قبل إقليم كردستان من خلال مقاضاة أي شركة تقوم بذلك في المحاكم الدولية المتخصصة، ولهذا بعض الشركات النفطية أوقفت عملها فعليا في الإقليم خشية من أي ملاحقة قانونية لها من قبل بغداد”.
ويلفت إلى أن “قرارات المحكمة الاتحادية ملزمة التطبيق والتنفيذ على حكومة كردستان، وأي مخالفة لهذه القرارات يعرضها إلى المحاسبة، والأمر ربما يصل إلى قطع إرسال الأموال للإقليم في حال عدم التزامه بقرارات وزارة النفط العراقية، فالحكومة الاتحادية هي صاحبة القرار في التعامل مع الملف النفطي في عموم العراق”.
وكانت “العالم الجديد” قد سلطت الضوء على قرار المحكمة الاتحادية في تقرير سابق، وبحسب متخصصين، فإن سيطرة الحكومة الاتحادية على تصدير نفط الإقليم سيرفد العراق بمنفذ جديد ويعظم إيراداته بدلا من ذهاب الأموال لصالح حكومة إقليم كردستان العاجزة عن تأمين الرواتب، وبالمقابل فإن بغداد ستكون قادرة على توفير حصة الإقليم من الموازنة بما فيها رواتب موظفيه.
وما تزال العديد من الشركات النفطية تعمل في إقليم كردستان، من أبرزها شيفرون وأكسون موبيل، فضلا عن استمرار تصدير الإقليم للنفط عبر تركيا، إلى جانب عمل شركة دانة غاز في حقول الغاز بمحافظة السليمانية، والتي تعرضت مؤخرا إلى سلسلة استهدافات صاروخية.