رجح مراقبون استمرار عقدة تشكيل حكومة إقليم كردستان لمدة أطول من الحالية، وفيما عزوا ذلك إلى خلافات الحزبين الرئيسين، الديمقراطي والاتحاد الوطني الكردستانيين، لفتوا إلى غياب اللاعبين الدوليين المؤثرين في المشهد العراقي والكردي بسبب انشغالهم بالأحداث السورية، متوقعين دورا استثنائيا لحكومة بغداد هذه المرة لملء الفراغ الدولي.
ومن المقرر أن يجتمع برلمان الإقليم بدورته السادسة اليوم الثلاثاء، بعد دعوة رئيس السن محمد سليمان، للانعقاد من أجل انتخاب هيئة رئاسة البرلمان.
وشهد البرلمان بدورته السادسة انعقاد جلسته الأولى في مطلع كانون الأول ديسمبر الحالي، والتي تضمنت تأدية اليمين القانونية لأعضائه، وإبقاء الجلسة مفتوحة بسبب عدم حسم المناصب الرئيسة في الإقليم.
وفي هذا الصدد، يعتقد السياسي الكردي المستقل لطيف الشيخ، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “تشكيل حكومة الإقليم سيطول، ففي كل مرة، كان اللاعب والمؤثر الإقليمي والدولي يتدخل بصورة كبيرة، وينجح في تقريب وجهات النظر، لكن تركيا وإيران هذه المرة، وحتى الولايات المتحدة الأمريكية، منشغلة بالأزمة السورية وتطوراتها، لذا فإن موضوع تسمية المناصب، وتشكيل حكومة الإقليم سيطول، وقد نحتاج إلى أكثر من 6 أشهر”.
ويوضح الشيخ، أن “لإيران تأثيرا قويا على الاتحاد الوطني الكردستاني، وهي فاعل مؤثر في السليمانية، كما أن تركيا لاعب اقتصادي وسياسي مهم، وتمتلك تأثيرا قويا على الحزب الديمقراطي، ولديها نفوذ كبير جدا في أربيل، ولكن الأزمة السورية جعلت كلا من طهران وأنقرة، يهملون ملف الإقليم في الوقت الحالي”.
ويلفت إلى أن “عملية تشكيل الحكومة في الإقليم هي في الأساس عملية معقدة، بسبب تمسك الحزب الديمقراطي بشروطه، ومنها الحصول على منصبي رئاسة الإقليم والحكومة، وترشيح مسرور بارزاني مجددا إلى ولاية ثانية لرئاسة الحكومة، في وقت يصر الاتحاد الوطني على الحصول على منصب رئاسة الإقليم، فجاءت الأزمة السورية لتعقد الأزمة أكثر، ونحن نعرف بأن كل حكومة تتشكل في الإقليم تحمل بصمات طهران وأنقرة، ولا بد أن تنال رضا الطرفين”.
وانشغلت دول الإقليم وعلى رأسها تركيا وإيران بالحرب السورية الحالية التي أسقطت نظام بشار الأسد، فجر الأحد الماضي، بعد 25 عاما على سدة الحكم، وفيما دعمت تركيا إسقاط الرئيس السوري المخلوع، تعتبر إيران حليفة رئيسة للأخير.
وبعد تأجيل دام أكثر من عامين، شهد الإقليم إجراء انتخابات برلمانية، غير أن نتائج هذه الانتخابات كشفت عن مشهد سياسي معقد، إذ لم يتمكن أي من الحزبين التقليديين، الديمقراطي والاتحاد الوطني الكردستانيين، من تحقيق الأغلبية المطلقة لتشكيل حكومة منفردة، ووضع هذا الأمر الحزبين أمام تحد جديد، إذ يجب عليهما التفاوض والتحالف مع قوى سياسية أخرى لتشكيل الحكومة المقبلة.
وحصل الحزب الديمقراطي الكردستاني في الانتخابات التي جرت مؤخرا على 39 معقدا، ليحتل المرتبة الأولى، فيما حل الاتحاد الوطني ثانيا بحصوله على 23 معقدا، وهذا يعني بأن أي طرف لن يستطيع تشكيل الأغلبية داخل برلمان الإقليم.
من جهته، يؤكد عضو الاتحاد الوطني الكردستاني غازي كاكائي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الأزمة في المنطقة وتحديدا في سوريا هي فرصة تاريخية للأحزاب الكردية للتماسك فيما بينها، لأنها أحوج ما تكون إلى وحدة الموقف”.
ويشير كاكائي، إلى أن “انشغال تركيا وإيران بالملف السوري، هي فرصة لجعل أمر تشكيل حكومة الإقليم كرديا خالصا، أو على الأقل تتدخل بغداد كطرف عراقي وسيط، لفك العقدة”.
ويبين أن “بغداد، هي العمق الاستراتيجي لإقليم كردستان، وهي الامتداد للكرد، وليست دولة خارجية، وتدخلها أمر طبيعي، ولكن تدخل دولة خارجية، في شأن تشكيل حكومة الإقليم أمر سلبي، وغير مرغوب، ولا يجب أن يحصل”.
ويردف عضو الاتحاد الوطني، أن “الحوارات الأولية بين الحزبين الحاكمين في الإقليم، الديمقراطي، والاتحاد الوطني إيجابية، ولكن على الديمقراطي تقديم تنازلات سياسية، لأن الاتحاد الوطني لن يرضى بأقل من استحقاقه، ومنها الحصول على منصب رئاسة الإقليم”.
وسيطر الحزب الديمقراطي الكردستاني على منصبي رئاسة الإقليم والحكومة، حيث ترأس نيجيرفان بارزاني رئاسة إقليم كردستان، وابن عمه وصهره مسرور بارزاني، منصب رئاسة حكومة الإقليم، فيما حصل الاتحاد الوطني في الدورة الأخيرة على منصب رئاسة البرلمان.
إلى ذلك، يرى عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني دلشاد شعبان، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “ما يجري من تطورات في سوريا قد يدفع الحزبين الكرديين، الديمقراطي والاتحاد الوطني لتسريع عملية تشكيل الحكومة”.
وينفي شعبان، تلقي حزبه تعليمات من أي دولة، مؤكدا أن “تدخل الدول الأخرى يأتي لغرض الوساطة فقط، وليس فرض توصيات أو شروط من قبلها، وهو أمر غير وارد في قاموسنا”.
ويتابع، في إشارة إلى الاتحاد الوطني، أن “الأطراف الأخرى إذا كانت تستند على توصيات وتعليمات من جهات ودول معينة فهذا شأنها”، لافتا إلى تأثير ما يجري في سوريا على العراق، بالقول “قد تكون له تبعات أو امتدادات داخل الإقليم وعموم البلاد، ولذا يجب الإسراع بتشكيل الحكومة، وعلى الأحزاب الأخرى، وخاصة الاتحاد الوطني إبداء المرونة المطلوبة بهذا الصدد”.
ويعتزم الحزبان الرئيسان عقد اجتماع هو الثاني من نوعه بعد الانتخابات البرلمانية التي جرت بالإقليم، وذلك بهدف مواصلة المباحثات حول تشكيل الحكومة الجديدة لكردستان.
وانعقد في مدينة السليمانية بنهاية شهر تشرين الثاني نوفمبر الماضي، أول اجتماع رسمي بين الحزبين الرئيسيين في إقليم كردستان بعد الانتخابات البرلمانية التي جرت في شهر تشرين الأول أكتوبر الماضي، وذلك بهدف التباحث من أجل تشكيل الحكومة الجديدة للإقليم.
بدوره، يستبعد الأكاديمي والباحث في الشأن الكردي حكيم عبد الكريم، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، تشكيل حكومة الإقليم في الفترة القريبة المقبلة، ويرى أن “العملية متوقفة حاليا على تطورات الأوضاع في سوريا، لا سيما وأن تركيا وإيران، هما الآمر والناهي في الإقليم، وهما اللاعب الأقوى والمؤثر في صنع القرار، فضلا عن الولايات المتحدة التي تقدم دعما ماليا وعسكريا لقوات البيشمركة والإقليم بشكل عام”.
ويشير عبد الكريم، إلى أن “هذه الأطراف جميعها، مشغولة حاليا بالقضية السورية، وبالتالي عملية تشكيل الحكومة، متوقفة على تطورات تلك القضية”، متوقعا أن “تلعب بغداد، وتحديدا رئيس الوزراء محمد شياع السوداني دورا كبيرا في تقريب وجهات النظر بين الأحزاب الكردية، لغرض الإسراع بتشكيل الحكومة، وتسمية المناصب، واستغلال حاجة إقليم كردستان لبغداد في الوقت الحالي”.
وتتجه أنظار بغداد إلى التطورات السياسية في إقليم كردستان، حيث يسعى السوداني إلى تعزيز العلاقات مع الأحزاب المؤثرة في الإقليم، ولعب دور الوساطة لحل القضايا العالقة بين الأطراف المختلفة.