تحوّلت الصناعة العراقية إلى “سلعة” سياسية يحاول رؤساء الحكومات حصد إنجاز إعلامي بها ورفع رصيدهم الشعبي فقط، كما رأى مراقبون، وفيما أشروا غياب أي حلول حقيقية لدعمها، سواء بفرض ضرائب على البضاعة المستوردة أو المساهمة بتسويقها داخليا، أكدوا أن دعم هذه الصناعة وخاصة الكهربائية سيشكل موردا ماليا كبيرا للدولة.
ويقول المحلل السياسي ماهر جودة، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “أي مسؤول يعمل من اجل إظهار أي انجاز له، حتى لو كان هذا الإنجاز إعلاميا فقط، ولا وجود له على ارض الواقع، وهذا الأمر حصل كثيرا ومن مختلف المسؤولين في الدولة العراقية”.
ويبين جودة، أن “رئيس الوزراء يعمل من أجل حصوله على إنجاز في أي ملف من الملفات، التي لا يوجد فيها أي إنجازات في السنوات الماضية، خصوصاً انه شخصية سياسية ويعمل على جمع رصيد شعبي له من أجل الانتخابات المقبلة ومن أجل رفع رصيد حصوله على ولاية ثانية”.
ويضيف أن “تحقيق بعض الإنجازات يحتاج لفترة عمل طويلة، أي بمعنى أن عمل الحكومة الحالية، يجب أن يتم إكماله من قبل الحكومة التي تأتي بعده، لكن للأسف الشديد هذه الثقافة غير موجودة في النظام السياسي في العراق، فأي مسؤول يأتي للمنصب يعمل على صناعة إنجاز خاص به وترك إكمال الإنجاز السابق، الذي هو إنجاز للدولة وليس للشخوص، لكن هذه الثقافة غير موجودة في العراق”.
وكان رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، قال يوم أمس، خلال مؤتمر الاستثمار المعدني الذي أقيم في بغداد: العراق قادر على إنتاج صناعة وطنية تضاهي ما ينتج في الدول العربية.. ولن نبقى متفرجين ببقاء العراق سوقا استهلاكية بل سيكون هنالك إنتاج وطني.
يشار إلى أن العراق يمتلك شركات رسمية ما زالت فاعلة ومنتجة، مثل النسيج والصناعات الكهربائية، التي تحمل أسماء “عشتار” و”القيثارة” لمنتجاتها، فضلا عن المواد الغذائية، مثل الألبان.
جدير بالذكر، أن أغلب هذه المنتجات المخلية تباع في مراكز الشركات، أو مكاتب محدودة فقط، ولم تصل للسوق للمحلية، التي تزخر بالبضائع المستوردة.
وغالبا ما يتصدر العراق منذ عام 2003، قوائم المستوردين لمختلف البضائع الصناعية والزراعية، سواء من تركيا أو إيران، إلى جانب احتلاله مراتب متقدمة كمستورد من الأردن ودول الخليج، فيما بلغ حجم استيراداته من الصين بنحو 50 مليار دولار.
يذكر أن شركات وزارة الصناعة والمعادن، كانت تمدّ السوق قبل 2003 بحاجته، أما الآن فقد تراجعت لأسباب عدة أبرزها فتح أبواب الاستيراد وانعدام القيود الرقابية، وخلق منافسين كثيرين للمنتج المحلي، على الرغم من جودة الأخير وخضوعه للسيطرة النوعية.
من جهته، يرى الباحث في الشأن الاقتصادي ناصر الكناني، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الحكومة مطالبة بدعم الصناعة المحلية من خلال التسويق لها في المحال التجارية في المدن، وفرض بيعها في المراكز التجارية، وليس حصرها على الشركات الحكومية، التي ربما تكون بعيدة عن الأسواق والمراكز التجارية، التي يتردد إليها المواطنون”.
ويبين الكناني أن “الجهات الحكومية ذات العلاقة، عليها فرض ضرائب على الأشياء التي يتم استيرادها من الخارج، والعراق لديه صناعة محلية من الأجهزة الكهربائية وغيرها، وهذا سوف يسهم في قضية دفع المواطن نحو شراء الصناعة المحلية، وهذا الأمر له عائدات مالية كبيرة لخزينة الدولة”.
ويضيف أن “الاهتمام بالصناعة المحلية والإقبال الشديد عليها من قبل المواطنين، سوف يعزز موارد الدولة، ويفتح بابا جديدا لرفد خزينة الدولة بدل النفط، فلا يمكن الاعتماد على النفط في دعم موارد الدولة المالية، فالصناعة المحلية إذا تم الاهتمام بها بشكل صحيح، ربما تكون بديلا قويا للنفط، خصوصاً أن المواطنين لديهم إقبال شديد على شراء الأجهزة الكهربائية وغيرها بشكل يومي”.
يذكر أن “العالم الجديد” سلطت الضوء في تقارير سابقة على الصناعة المحلية، وخاصة شركات وزارة الصناعة والمعادن، وعزا متخصصون بالاقتصاد الضعف الحاصل إلى الفساد وضعف التسويق، وأكدوا أن معامل الوزارة شبه مشلولة، فيما بينوا أن الطريقة السليمة هي استيراد الأدوات وتكون الصناعة بمسمى نصف المصنع، حتى تخلق فرص عمل بالداخل وتسير العملية وفق هذا النمط.
يشار إلى أن معامل الفوسفات والأسمدة والطابوق والمعجون والأدوية، كلها متوقفة أو شبه متوقفة، رغم أنها متداخلة بالقطاع الزراعي والصناعي.
ويواجه قطاع الصناعة في العراق بشكل عام، الذي من المفترض أن يساهم بتشغيل شرائح عديدة من المجتمع، تدهورا كبيرا منذ العام 2003 ولغاية الآن، في ظل توقف أغلب المعامل والتوجه للاستيراد، وقد قدر اتحاد الصناعات العراقية قبل سنوات، نسبة المشاريع المتوقفة بـ40 ألف مشروع، ودائما ما تتضمن البرامج الحكومية المتعاقبة موضوع تنشيط الاقتصاد والصناعة المحلية، لكن من دون تحقيق أي وعد، بل يستمر التبادل التجاري مع دول المنطقة مع إهمال الصناعة المحلية.
إلى ذلك، تبين الخبيرة في الشأن الاقتصادي سلام سميسم، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الحديث عن تجاوز العراق الدول العربية في الصناعة، بعيد كل البعد عن الحقيقة، فالعراق مع الأسف بسبب سوء الإدارة والفساد من آخر البلدان في الصناعة وعلى مختلف المستويات”.
وتضيف سميسم: “ليس هناك اهتمام حكومي حقيقي في قضية دعم الصناعة الوطنية، حتى على مستوى تسويق الصناعات الوطنية، هناك إهمال، ولهذا فالمواطنون يكون خيارهم شراء الأجهزة والصناعات المستوردة، وهذا أيضا جزء من عملية سوء الإدارة والفساد”.
وتتابع أن “الحكومات طيلة السنوات الماضية، لم يكن لها أي اهتمام حقيقي بقضية دعم أو تطوير الصناعة الوطنية، بل مع الأسف كانت هذه الحكومات تشجع على قضية الاستيراد من خلال استثناء بعض البضائع من الضرائب والكمارك، ولهذا الصناعة العراقية، شبه ميتة”.
وفضلا عن القطاع الحكومي، فإن مشاريع القطاع الخاص، شهدت توقفا، بل وانهيارا كبيرا نتيجة لعدم توفر البنى التحتية للإنتاج، من تيار كهربائي أو حماية لازمة، خاصة في ظل الأحداث الأمنية التي يعيشها البلد بصورة مستمرة، ما انعكس سلبا على الشارع العراقي الذي تحول إلى مستهلك للبضائع المستوردة.