“سنغلق معاملنا ونجلس في البيوت” عبارة تهديد لطالما رددها عمر الغراوي (47 سنة)، صاحب معمل جص البركة، الواقع في منطقة أبو غريب غربي العاصمة بغداد، احتجاجاً على رفع سعر اللتر الواحد من النفط الأسود ليبلغ 150 ديناراً، بعد ان كان 100 دينار.
ويَعِد ذلك جزءاً من الإجراءات الحكومية “التعسفية” ضد أصحاب المشاريع الإنشائية التي تستخدم هذا النوع من الوقود بذريعة وجود عمليات بيع وتهريب للنفط الأسود الذي تزود به المعامل، يقول ذلك بصوت حاد، مضيفاً “فليتعقبوا المهربين من أصحاب المعامل الوهمية ومن خلفهم من متنفذين، بدل ان يدمروا باجراءاتهم الانتاج المحلي ويقطعوا أرزاقنا”.
يضيف الغراوي :”ما ذنبنا ان لم تستطع الحكومة اغلاق المعامل الوهمية وغير المنتجة التي تقف وراء تهريب آلاف الأطنان من النفط الأسود وبيعه في السوق السوداء داخل البلاد وخارجها”، متهما جهات سياسية وفصائل مسلحة، لم يسمها بحماية تلك المعامل الوهمية وتسهيل عمليات تهريب الوقود منها.
والنفط الأسود، منتج نفطي ثقيل، يسمى زيت الوقود عالي الكبريت، ويستعمل في توليد الكهرباء وتشغيل منشآت صناعية وانتاجية مختلفة، تؤكد مصادر برلمانية وحكومية ومتخصصة بالنفط، ان كميات كبيرة منه تقدر قيمتها بثلاثة مليارات دولار سنويا، تهرب عن طريق شبكات تهريب مدعومة من متنفذين في السلطة.
يؤكد الغراوي، أن معمله مُنتِج، وهو حاصل على إجازات رسمية صادرة عن التنمية الصناعية واتحاد الصناعات، رغم ذلك تقوم الجهات الرسمية المعنية بمنحه حصة وقودية أقل من التي تمنح لمعامل الطابوق “مع أن معملي انشائي مثل تلك المعامل”.
ويقول ان معامل الطابوق تحصل على 300 الف لتراً من النفط الأسود شهرياً، بينما معمل الجص يحصل على 60 الف لتر فقط، ويستدرك:”هذه الكمية لاتسد حاجتنا الفعلية سوى لعشرة أيام.. كيف يمكننا مواصلة العمل بينما رفعوا سعر النفط الأسود بحجة منع التهريب؟”.
لمواجهة مشكلة تهريب الوقود المستمرة منذ سنوات والحد منها، بما تحمله من مضار على أصحاب المعامل المنتجة ومن خسائر كبيرة للدولة، طلبت الجهات المعنية من أصحاب المعامل الإنشائية وضع كاميرات مراقبة وعدادات خاصة باستهلاك المعامل للوقود.
لكن اصحاب المعامل يشكون من ارتفاع سعر العدادات التي تتجاوز الـسبعة آلاف دولار أمريكي، وتعرضها للتعطل ما يعني شراء أخرى جديدة، وبالتالي تحملهم لخسائر لا تعوض، في حين تستمر عمليات التهريب مدعومة من جهات نافذة.
يقول صاحب معمل آخر، طلب عدم الاشارة الى اسمه، ان عملية تهريب النفط الأسود “صعبة ومعقدة، ولا يمكن لكل شخص او صاحب معمل القيام بها، إذ تحتاج إلى أدوات ووسائل نقل، وعلاقات مع أصحاب الامتيازات والنفوذ والخارجين عن القانون، في حين اننا أناس بسطاء نفكر فقط بتأمين معيشتنا”.
عمليات التهريب
تشكل معامل الأسفلت المؤكسد والصفوة البيضاء، ومعامل الجص والطابوق والثرمستون، التي تقوم شركة توزيع المنتجات النفطية الحكومية بتجهيزها بالنفط الأسود وبأسعار مدعومة، إحدى “بوابات هدر المال العام والفساد” وفقاً لمصادر عديدة قابلها معد التحقيق.
وهذا الهدر والفساد يبدآن وفقاً لعضو لجنة النزاهة النيابية هادي السلامي، بتهريب العديد من أصحاب تلك المعامل لحصصهم النفطية إلى خارج الحدود:”يستغلون فرق السعر الكبير بين المعروض من النفط الأسود في داخل العراق وخارجه”.
وتجهز شركة توزيع المنتوجات النفطية المعامل الانشائية (الطابوق، الجص، الثرمستون وغيرها) بمعدل 9 مليون لتر يومياً من النفط الأسود، بالسعر الحكومي المدعوم بواقع 100 الف دينار للطن الواحد لمعامل الطابوق و150 الف دينار لمعامل الصفوة والثرمستون والجص، بحسب مدير اعلام شركة المنتوجات النفطية رافد المياحي.
ويلفت إلى أن معامل الاسفلت تجهز بالنفط الأسود بسعر “557 الف دينار للطن الواحد، أي ما يوازي 75% من سعر النشرة العالمية، وتكون حصة معامل الاسفلت بمعدل 60% من الطاقة التصميمية للمعمل.”
المتحدث باسم لجنة النفط والغاز النيابية، النائب علي شداد، يتهم المعامل بعدم العمل وفق طاقتها الإنتاجية الحقيقية، على الرغم من استلامها حصص كاملة من الوقود. ويقول:”هنالك معامل غير داخلة أصلاً في الخدمة وتحصل على الوقود”.
ويؤكد بأن “عمليات تهريب منتظمة لمادة النفط الأسود، تجري عن طريق المنافذ الموجودة في أقليم كردستان”، كاشفا عن تشخيص لجنته “العشرات من معامل الجص والأسفلت الوهمية التي تقوم ببيع حصصها للمهربين”.
فيما يقول زميله في ذات اللجنة النائب عدنان الجابري، بأن اللجنة اطلعت على وثيقة صادرة من شركة (سومو) وهي الشركة العراقية الرسمية المعنية بتسويق النفط:”تثبت وجود منافذ تهريب متعددة للنفط ومشتقاته في مناطق أقليم كردستان باتجاه ايران ومنها الى موانئها في الخليج العربي” على حد قوله، دون أن يوضح كيف يصل النفط الأسود من المناطق التي تديرها الحكومة الاتحادية الى المناطق الخاضعة لحكومة اقليم كردستان دون ان يتم ضبطه.
لكنه يوضح ان التهريب يتم من الاقليم الى ايران “بواسطة صهاريج غير حكومية، تمر بمنافذ بشماخ وبيروز خان التي تربط كردستان بإيران، وأن أغلب الصهاريج المحملة بالمشتقات المهربة تجتمع في منطقة كفري ومنها إلى كركوك وأربيل”.
ووفقاً للنائب الجابري، فان عمليات التهريب هذه اسهمت “بخلل تجهيزي” نتيجة اضطراب النقل الرسمي للنفط “فشركة سومو تدفع 33 دولاراً مقابل نقل الطن الواحد فقط، بينما يتم نقل الطن الواحد من النفط الأسود او الخام المهرب بـ 135 دولار، وبالتالي يفضل أغلب اصحاب الصهاريج الأهلية التوجه للعمل في نقل النفط المهرب”.
ويتهم الجابري “دول جوار” دون أن يسمها بتشجيع عمليات تهريب النفط الأسود لأنها تحقق لها أرباحاً كبيرة، على حد قوله. ويضيف بأن هذا التشجيع “هو سر عجز الحكومة عن النجاح في مكافحة التهريب وحسم الملف”، داعيا إلى بذل جهود أكبر لإنهاء التهريب والسيطرة على معابره باجراءات حازمة “فلا مجاملة على حساب اقتصاد البلد”.
لكن مصادر كردية، برلمانية وتجارية، ذكرت ان مصدر النفط الأسود ومشتقات نفطية أخرى والذي يتم بيعه عبر المنافذ الحدودية مع ايران، هو في الغالب المشتقات المنتجة من حقول اقليم كردستان وليس النفط الأسود المهرب من مناطق الحكومة الاتحادية فقط، حيث تقوم الشركات النفطية العاملة في الاقليم “وفق عقود الشراكة في الانتاج” ببيع جزء من ما تنتجه من نفط داخليا وبيع جزء آخر لشركات ايرانية، لتغطية نفقاتها في ظل توقف البيع الرسمي للنفط الخام المنتج في الاقليم الى تركيا عبر انبوب اقليم كردستان الممتد الى ميناء جيهان على البحر المتوسط.
تهريب المشتقات النفطية ومن بينها النفط الأسود الذي تزود بها المعامل الأهلية، يؤكده المدير العام لشركة توزيع المنتجات النفطية المهندس حسين طالب، الذي يكشف عن تلقي قسم التفتيش التابع لدائرة المشتقات بلاغات بشأن وجود حالات تهريب للنفط ووجود معامل وهمية تقوم بذلك، واصفا اياها بالأوكار.
ويقول:”نعمل بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية على مداهمة هذه الأوكار”، مبينا أن فرق التفتيش حققت نجاحا كبيرا في الحد من عمليات تهريب تلك المشتقات، دون أن يحدد مقياسا لهذا النجاح أو يورد أرقاما بشأن حجم عمليات التهريب التي تم احباطها وكميات النفط المصادرة.
مسارات التهريب
“من أجل كسب العيش” يعمل الآلاف من سواق الشاحنات على “تهريب” النفط الأسود الى اقليم كردستان، ومنها يأخذ طريقه الى كل من ايران وتركيا، وفقاً لما يقوله عضو لجنة النزاهة النيابية هادي السلامي، الذي يؤكد بأن أغلب المعامل “الوهمية” منتشرة في محافظة الانبار “لجغرافيتها الصحراوية البعيدة عن المراقبة والتدقيق، اضافة الى وجود تأثيرات سياسية ساعدت على وجود تلك المعامل وعدم غلقها”.
ويقدر السلامي كميات النفط الأسود المهربة من الأنبار إلى أقليم كردستان بواسطة الصهاريج بــ 25 الف برميل يومياً ومن هناك الى “ايران وتركيا”.
ويضيف، انه في محاولة للسيطرة على تهريب النفط الذي يتم عبر المعامل الوهمية، أوقفت دائرة التنمية الصناعية في وزارة الصناعة “تزويد كافة معامل الجص بحصص النفط الأسود مطلع كانون الثاني 2024، وتدخلنا من أجل اطلاق حصص المعامل الحقيقية لمنع حدوث أزمة وتضرر العاملين فيها، لكن التهريب ظل على حاله”.
ويهرب النفط الأسود، ليس من الأنبار والمحافظات المتاخمة لاقليم كردستان كديالى وكركوك فقط، بل أيضا من بغداد والبصرة وذي قار ومناطق عراقية أخرى، عبر أراض اقليم كردستان، حسبما يقول عضو لجنة النزاهة البرلمانية. في حين تكشف مصادر أخرى، عن تهريب كميات كبيرة عبر الحدود الجنوبية وصولا الى الخليج.
وينتج العراق من خلال مصافي النفط في الوسط والشمال والجنوب، الى جانب المصافي الاستثمارية العديدة، نحو 55.900 متر مكعب يوميا من النفط الأسود، بينما يقدر حجم استهلاكه المحلي بـ 31,362 متر مكعب يومياً، وفقاً لدائرة البحوث والدراسات في مجلس النواب العراقي. أي ان الحاجة المحلية لا تتجاوز 55% من الكميات المنتجة.
ونشر مركز الدراسات البرلمانية في أيار/مايو 2023 ورقة بحثية حملت عنوان: “تهريب المشتقات النفطية.. الكميات المصادرة وآليات التهريب“، جاء فيها أن العراق يعاني من تهريب النفط الخام ومشتقاته مما يؤثر على الكميات المتوفرة في السوق المحلية وبالتالي على المستهلك، الى جانب أثر ذلك على مجمل الحركة الاقتصادية الداخلية باعتبار النفط هو المصدر الاساسي لدعم الموازنة العامة.
وفقاً لما ورد في الورقة البحثية فأن مديرية شرطة الطاقة، كانت قد أكدت لمجلس النواب عدم قدرتها على تحديد كميات النفط الخام ومشتقاته التي يتم تهريبها، مشيرة الى ما تم مصادرته في 2023 والتي بلغت كمياتها حينها (الفصل الأول من العام) 475.798 لتراً.
لكن المديرية ذكرت أن تحقيقاتها “لم تثبت تهريب النفط ومشتقاته الى دول الجوار”، بل أظهرت أن “معظم عمليات التهريب تتم بين المحافظات الى اقليم كردستان”.
وكشفت المديرية، أن الوسيلة الرئيسية التي تستخدم في التهريب هي الصهاريج المحورة، وانها تحصل على النفط “بسرقته من خلال خرق الأنابيب النفطية، أو بطرق غير مشروعة من المحطات الرسمية وغير الرسمية ومن الشركات”، ثم يتم نقله من محافظة الى أخرى وبيعه هناك أو نقله الى إقليم كردستان.
وأكدت المديرية ان عملية النقل تتم وفقاً لإجراءات رسمية على الورق:”بتزوير الأختام ومستندات تحميل البوجرات الخاصة بالصهاريج، وبذلك يتم استخدام طرق النقل الرسمية وغير الرسمية كما طرق نيسمية”.
وعدت الورقة البحثية البرلمانية ظاهرة التهريب، بأنها:”جزء من ظاهرة الفساد المركب الذي يعاني منه العراق في مختلف القطاعات”، وان معالجتها تتطلب “حزمة اجراءات رقابية وقانونية وإدارية”.
ومن بين الإجراءات التي تقترحها:”تشديد عمليات الرقابة على تزويد ونقل وتسليم النفط ومشتقاته (كالنفط الأسود)، وتطوير الاجراءات الخاصة بتلك العملية المتسلسلة، واستخدام نظم المتابعة الالكتروني للشحنات النفطية في المصافي والشركات والمحطات”.
كما اقترحت “تطوير عمليات مكافحة التهريب من حيث الاجراءات والتقنيات والموارد البشرية، مع تشديد الاجراءات القانونية بحق المهربين كون الظاهرة تلحق ضرراً كبيراً بالمواطن المستهلك للمشتقات النفطية”.
معامل في دائرة الاتهام
في الأول من أب/ أغسطس 2024، كشف مصدر في رئاسة الوزراء رفض الإشارة إلى هويته، عن نجاح الحكومة العراقية في توفير قرابة 5 مليار دولار لموازنة الدولة، وذلك من خلال:” تطبيق معايير في عملية تجهيز معامل الإسفلت المؤكسد، ومنع عمليات التهريب وعدم الموافقة على تجهيز أي معمل غير ملتزم بالتعليمات الخاصة”.
ويحدد المصدر تلك المعايير بـ”مقدار الفائدة المتحققة من نوعية المعامل المدعومة، واشتراط تقديم الدعم الحكومي للمعامل على أساس المنتوجات التي توفرها وعدد العمال المضمونين وقدرة المصنع على التصدير” وبالنتيجة منعت هذه الإجراءات “عدداً من أصحاب المعامل من تهريب المشتقات ماكان يمكن بعضهم من جني أموال تصل إلى مليوني دولار شهرياً”، بحسب المصدر الرسمي.
وعلى الرغم من ذلك، فإن الخروقات مستمرة، وهذا ما تكشفه وثيقة رسمية صادرة عن الهيئة الحكومية العليا لمكافحة الفساد في العام 2024، تضمنت “أسماء 12 معملاً مهدماً و21 معملا وهمياً في منطقة الكرمة وحدها بمحافظة الانبار، أصحابها جميعا يستلمون حصصهم من النفط الأسود بشكل دوري رغم عدم وجود تلك المعامل على الأرض”.
الوثيقة تضمنت اسماء المعامل الوهمية والمهدمة وأرقام اجازاتها والحصص التي استلمتها من الدولة، من بينها:”معمل جص إسماعيل برقم اجازة 68527 الذي حصل على حصص وقودية منذ العام 2018 ولغاية شهر تشرين الثاني 2023″.
بينما حصل معمل جص حقي إسماعيل، صاحب الإجازة المرقمة 51620 على حصص وقودية من عام 2018 ولغاية شهر كانون الأول 2023. وحصل معمل جص ياسين عباس، صاحب الاجازة المرقمة 51621على حصص وقودية من عام 2020 ولغاية شهر كانون الأول 2023.
وجاء في الوثيقة كذلك، أن معمل جص ياسين، استلم حصصه الوقودية لغاية حزيران 2022، ومعمل جص يثرب (مهدم) استلم الحصة الوقودية منذ العام 2018 ولغاية شهر تشرين الثاني 2023 ، بينما استلم معمل جص الساحل صاحب الاجازة المرقمة 88751 حصته الوقودية من 2018 ولغاية كانون الثاني 2023.
الناشط السياسي في محافظة الانبار أزهر الجميلي، يعلق على ذلك قائلا ان “غالبية المعامل الوهمية والمهدمة التي تم كشفها في الكرمة، تابعة الى رئيس لجنة الطاقة النيابية هيبت الحلبوسي، ويحمل أحد هذه المعامل أسم- يثرب- وهو مسجل باسمه ومهدم بالكامل”.
ويلفت إلى أن من بين المعامل المتهم أصحابها بتهريب النفط الأسود، معملا (اعالي الفرات) بمنطقة الثرثار و(معمل الزيدان) في جزيرة الكرمة بمحافظة الانبار وهي متخصصة بالأسفلت، ويقول بأنهما يحصلان على حصة وقودية مدعومة من الحكومة بواقع 16 مليون لتراً في الشهر الواحد.
وأن هذه الكميات تهرب الى الخارج عبر محافظتي السليمانية وأربيل، ويقدر قيمة ما يهرب من النفط الأسود بواسطة صهريج واحد بسعة 35 الف لتر بين 13-15 مليون دينار، على حد قوله.
وينقل الناشط السياسي، عن مصدر مسؤول في لجنة مكافحة الفساد وهيئة النزاهة، قوله أن “معامل الجص الوهمية في الأنبار تقدر بـ 236 معملاً، بينما تقدر قيمة الهدر والإخلال بالمال العام بـ896 مليار دينار”.
في 23 آب/أغسطس 2024 أعلن جهاز الأمن الوطني، عن ضبط حالات تزوير وفساد في معامل الجص والأسمدة بمحافظة الأنبار. تم الكشف عن ذلك بعد قرار بتشكيل لجنة مشتركة مع مديرية التنمية الصناعية وشركة توزيع المشتقات النفطية.
وثبت بالأدلة، وفقاً لبيان صدر عن الجهاز أن من أصل (٢٤٩) معملاً هناك (١٥) معملاً فقط داخلاً في خط الإنتاج، وان “التحقيقات كشفت بأن الجهات المتورطة بهذا الملف، كانت تقوم باستبدال لوحات الدلالة للمعامل الوهمية أو المهدمة ووضعها على معامل جاهزة للإنتاج؛ بهدف إيهام لجان الكشف”.
وبحسب البيان “اعتقل واستقدم (٥٨) متورطاً بهذا الملف، وبعمليات هدر للأموال وفساد من الموظفين الحكوميين، وأحيل المتهمون إلى هيئة النزاهة لاستكمال الإجراءات التحقيقية معهم”.
المديرية العامة للتنمية الصناعية التابعة لوزارة الصناعة والمعادن هي الجهة المعنية بمنح إجازات التأسيس للمشاريع الصناعية وفق قانون الاستثمار الصناعي رقم 20 لسنة 1998 وتشترط أن يقدم صاحب العلاقة موافقة الجهات القطاعية خلال فترة إكمال التأسيس الممنوحة له وفق القانون وبخلافه تلغى الإجازة.
وحامت شبهات الفساد إثر منح هذه المديرية موافقات اصولية لمعامل متوقفة أو وهمية، وبناء على ذلك صدر قرار من وزارة الصناعة في شهر تموز 2023 بإعفاء مدير عام التنمية الصناعية خالد سرحان الجميلي، من منصبه، بعد تسليم ملف المعامل الوهمية إلى رئيس لجنة مكافحة الفساد أبو علي البصري.
تهريب من البصرة
الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي، يقول بأن النفط الأسود يهرب كذلك من البصرة جنوبي العراق إلى الإمارات العربية المتحدة “بواسطة سفن صغيرة تبحر عبر الموانئ الجنوبية للعراق”.
ويشير إلى أن النفط الأسود المهرب من المعامل الصناعية والانشائية في محافظات الجنوب “يتم تخزينه في أوكار وساحات خاصة بالمهربين في منطقة خور الزبير في البصرة ومن ثم يقومون بخلطها مع مادة الكاز لتحسين جودته، ليباع كوقود مهرب لناقلات النفط عبر الامارات”.
ويقدر الخبير الاقتصادي كميات النفط المهربة بهذه الطريقة من جميع انحاء العراق عبر محافظات أقليم كردستان باتجاه ايران وافغانستان وتركيا بـ 220 الف برميلاً يومياً، ويوضح:”أكثر من نصف انتاج المصافي العراقية هو من النفط الأسود، جزء من هذا النفط يستهلك كوقود لمحطات الكهرباء ومعامل الاسفلت والمؤكسد والطابوق والجص والثرمستون، والباقي يُهرب”.
ويؤكد الخبير الاقتصادي أن النفط الأسود المنتج في البلاد يزيد عن الاحتياج المحلي “وبقاء الانتاج على هذا الحال جعل عمليات التهريب قائمة”.
ولا يستبعد وجود نفوذ سياسي وبرلماني قد مكن، ما يسميها “مافيات التهريب” من الحصول على كميات كبيرة من النفط الأسود وبأسعار مدعومة حكومياً.
ويتابع:”جهات سياسية تضغط على الأجهزة الأمنية لتسهيل مرور صهاريج تهريب النفط الأسود إلى شمال العراق”، مقدرا أرباح مهربي النفط عبر أقليم كردستان بملياري دولار سنوياً، وعبر موائي الجنوب بمليار دولار سنوياً.
رئيس محكمة استئناف البصرة القاضي عادل عبد الرزاق، ذكر في مقابلة صحافية في 28 شباط/فبراير 2024، أن “جريمة تهريب النفط الأسود انتشرت في الأعوام السابقة”، وعدها من أخطر الجرائم “كونها تشكل خطراً كبيراً على الثروات الطبيعية والصناعية وتشكل تهديداً كبيراً للأمن الوطني في البلاد”.
وذكر القاضي أن السلطة التشريعية حاولت معالجة الأمر بتشريعها “قانون مكافحة تهريب النفط ومشتقاته رقم (41) لسنة 2008”.
وسائل التواصل الاجتماعي
تنشط بين الحين والآخر مجموعات على مواقع التواصل الاجتماعي أبرزها “الفيس بوك- تليكرام” بحسابات وأسماء وهمية لشخصيات يعتقد أنها تعمل ضمن شبكات التهريب، اذ تعلن تلك الحسابات باستمرارعن وجود كميات كبيرة من النفط الأسود في مصافي (واحد حزيران بمحافظة كركوك، ومصافي محافظتي السليمانية واربيل والبصرة) وانها قابلة للنقل لى أي مكان في داخل وخارج البلاد.
على مدار عشرة أيام عمل معد التحقيق على الدخول ضمن تلك الكروبات الخاصة بمهربي النفط الأسود والتي تعمل على استقطاب سائقي الصهاريج لغرض تهريب النفط الأسود، منها كروب “سواق تريلات العراق كافة” وكروب “سواق صهاريج إيران” وكروب “صهاريج العراق الجنوبية والشمالية” وكروب “شركة سيد علي لتحميل زيت الوقود”.
ووثق معد التحقيق، منشوراً لحساب يدعى “كارلوف سيلوفسكي” وهو يعلن عن حاجته لـ30 صهريج لنقل النفط الأسود من (قيوان) بمحافظة السليمانية لتفريغه في خزانات خاصة بميناء (بندر إمام) في إيران بمبلغ 75 دولار للطن الواحد مع مكافأة مالية مقدارها 100 دولار لسائق الصهريج.
كما أعلن حساب آخر أسمه (ابو سجاد) عن توفر فرصة لسائقي الصهاريج تتضمن تحميل النفط الأسود من محافظة أربيل الى قضاء قصر شيرين الحدودي بمحافظة كرمنشاه الإيرانية بسعر 22 دولاراً للطن الواحد، شرط أن يمتلك السائق تأشيرة دخول لإيران.
وحساب آخر في فيسبوك، باسم الحاج (وعد اللامي) صاحب مكتب (كوثر الخير للنقل العام) اعلن فيه حاجته إلى صهاريج لتحميل ونقل النفط الأسود من السليمانية الى ميناء (بندر إمام) في ايران.
معد التحقيق وجه استفسارات عدة إلى مسؤولي شركة سومو، وهي مؤسسة حكومية متخصصة بنقل وتصدير النفط ومشتقاته، إلا أنهم رفضوا الرد عليها، باستثناء مصدر في الشركة طلب عدم الكشف عن هويته، قال في إجابة مقتضبة:” ليس لدى سومو أية عقود مع شركات محلية لقل النفط أو مشتقاته إلى خارج العراق”.
فيما قال عضو مجلس النواب، مصطفى سند إن “اعلانات نقل النفط الأسود من محافظات العراق الى الحدود الايرانية والتركية تندرج ضمن الأعمال المشبوهة ولا نستبعد ارتباطها بمافيات التهريب”، وأكد تقديمه بلاغا إلى الادعاء العام عن منصات في وسائل التواصل الاجتماعي قال بأنها:”تدار من قبل عصابات التهريب”.
وكانت الحكومة العراقية قد أعلنت في الثاني من تشرين الثاني/نوفمبر 2022 عن تفكيك أكبر شبكة لتهريب النفط في محافظة البصرة، في الوقت الذي كشف جهاز أمني عراقي عن تورط ضباط وموظفين كبار ومديرين في شرطة الطاقة وعدد من المنتسبين في محافظة البصرة، وعن مصادرة 49 خزاناً مع عجلات معدة للتهريب، الى جانب العثور على 93 وكراً و496 خزاناً مخالفاً للضوابط، فضلاً عن غلق 11 محطة مخالفة للضوابط أيضاً. وقدرت الكميات المهربة بـ75 مليون برميل شهرياً”.
وكان أعضاء في الكونغرس الأمريكي قد اتهموا في رسالة وجهوها إلى الرئيس الأمريكي جو بايدن في 4 أيلول/سبتمبر 2024، أطرافاً عراقية بعضها في وزارات النفط والنقل والصناعة وشركة سومو وغيرها، وأيضاً ميليشيات عراقية، “باستغلال النفط العراقي وتهريبه لصالح الخزينة الإيرانية والحرس الثوري الإيراني”.
تحرك حكومي للحد من التهريب
وزير الداخلية الفريق عبد الأمير الشمري، أمر في 25 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، بنقل مهمة التحقيق بجرائم تهريب النفط ومشتقاته إلى مديرية مكافحة الجريمة المنظمة ضمن ملاك وكالة الوزارة لشؤون الاستخبارات والتحقيقات الاتحادية.
وبعد كشف اللجنة العليا لمكافحة الفساد عن وجود معامل صناعية وانشائية وهمية لتهريب النفط الأسود، اصدر المجلس الوزاري للاقتصاد خلال جلسته الثانية والعشرين المنعقدة في 22 تموز 2024 عدة توصيات لمواجهة المشكلة، تضمنت “ايقاف منح الموافقات لإنشاء معامل جديدة تستخدم منتجات وزارة النفط -النفط الأسود- كمدخلات انتاج ولمدة 5 سنوات عدا معامل هدرجة وتحسين البنزين”.
وحدد المجلس وفق تقرير لجنة الأمر الديواني رقم 24573 لسنة 2024 مسؤولية وزارة النفط في تجهيز المعامل بحصتها من المشتقات النفطية ومتابعة ايصالها اليها بالتنسيق مع المديرية العامة للتنمية الصناعية.
كما حدد تقرير لجنة الأمر الديواني، مسؤولية وزارة الصناعة والمعادن/ المديرية العامة للتنمية الصناعية في متابعة المعامل والسيطرة عليها ومتابعة انتاجها والتأكد من مطابقته للكميات المستلمة من وزارة النفط.
وكذلك القيام بتحديد مخرجات المعامل الرئيسية كمعامل الاسفلت المؤكسد أو الصفوة البيضاء ووضع آلية استخدام هذه المنتجات كمدخلات تستخدم في صناعات أخرى، لتحقيق دورة اقتصادية متكاملة تعود بالفائدة على الصالح العام.
وأن تقوم اللجنة العليا لمكافحة الفساد بزيارة المعامل كافة “وبنحو مفاجئ وتقييمها وتصنيفها وفق مطابقتها للمواصفات الفنية والاقتصادية والبيئية واحتساب الطاقة الانتاجية الفعلية لتلك المعامل وتقديم تقرير مفصل بذلك الى المجلس الوزراء للاقتصاد للنظر فيه خلال 90 يوما من تاريخ تأليف اللجنة”.
وصنفت اللجنة المعامل إلى ثلاثة اصناف وهي (A) تشمل المعامل التي تعمل بشكل رسمي وقانوني، وصنف (B) تشمل المعامل التي يؤشر عليها ملاحظات ومخالفات بسيطة فيصار الى استمرار تجهيزها مع منحها مهلة 6 أشهر لإزالة المخالفات.
وصنف (C) تشمل المعامل التي يؤشر بحقها مخالفات جسيمة والتي لم تتبع المعايير المعتمدة والموافقات البيئية في انشاء المعمل من بنى تحتية وغيرها فيصار الى ايقاف منحها الحصة وايقافها عن العمل فورا لحين تكييف وضعها بما يضمن تحقيقها كافة الشروط والمعايير المعتمدة لإنشاء معامل الاسفلت المؤكسد ومن ثم يتم اجراء الكشف لاحقا لتقييم جاهزية المعمل من قبل اللجنة لإعادة تجهيزها .
كما الزمت اللجنة وفق تقريرها معامل الطابوق بالتحول الى استخدام الغاز بدلا من النفط الأسود خلال 18 شهرا من تاريخ صدور هذا القرار وبخلافه يصار الى قطع الحصة الوقودية عنها وتعديل قرار مجلس الوزراء رقم 24252 لسنة 2024 ليتوافق مع هذا النص.
لكن خبراء ومسؤولين اداريين، يرون أن تنفيذ تلك التوصيات الحكومية يحتاج الى آليات تنسيق معقدة والى سلطة دولة أقوى من سلطة وامتيازات الجماعات السياسية والمسلحة المستفيدة بشكل او آخر من عمليات التهريب.
في حين يقول عضو لجنة النفط والغاز النيابية علي سعدون، إن قرار ايقاف منح اجازات التأسيس لإنشاء معامل تعتمد على النفط الأسود ومنها معامل الأسفلت والطابوق، هي “مخالفة للبرنامج الحكومي الذي صوت عليه مجلس النواب والذي تضمن دعم الصناعة المحلية”.
ويوضح بأن “منح اجازة تأسيس لمعامل الاسفلت والجص والطابوق لا ضرر منها على الاقتصاد العراقي، وانما إيقاف هذه الإجازات سيسبب مشاكل اقتصادية كبيرة يتحمل تبعاتها المواطن”، مشيراً إلى أن قرار المجلس الاقتصادي بإيقاف الإجازات جاء بناءً على توصية من وزير النفط حيان عبد الغني الذي طلب من المجلس ايقاف منح هذه الاجازات “وادعى بأن الوزارة لا تملك كميات كافية من النفط الأسود بينما المصافي تمتلئ بهذا المنتج”.
ويتساءل عضو لجنة الطاقة عن سبب منح إجازات تأسيس لمعامل الأسفلت في محافظة كركوك بمقدار 15 معملا، والأنبار بواقع 5 معامل وكذلك صلاح الدين، بينما يتم التشديد على منح هذه الإجازات في مدن الجنوب حيث “يوجد معملان فقط للإسفلت في ميسان”، ويؤكد بأن “هذا الملف لا يخلو من شبهات فساد وقد أبلغنا رئيس مجلس الوزراء بهذا الأمر”.
في 4 تموز/يوليو 2024، اصدرت مديرية هيأة التجهيز في شركة توزيع المنتجات النفطية، قرارا يتضمن إيقاف حركة مخرجات معامل الأسفلت المؤكسد باتجاه محافظة البصرة وتبليغ السيطرات الأمنية بالقرار، والغاء موافقة حركة الصهاريج الصادرة باتجاه محافظة البصرة وهو سارٍ لغاية الان.
حصص بموافقات رسمية
في 31 تموز/يوليو 2024 أوصى مدير هيأة التجهيز في شركة توزيع المنتجات النفطية هيآت توزيع بغداد والجنوب والفرات الأوسط والغربية وكركوك، باعتماد توصيات المجلس الوزاري للاقتصاد، والمتضمنة تعديل نسبة التجهيز إلى (60%) من الكمية المثبتة في موافقة وزارة النفط أو الطاقة الفعلية المؤشرة من قبل لجان الكشف، على أن يكون سعر بيع منتوج زيت الوقود لمعامل الأسفلت المؤكسد قياساً بـ(سعر النشرة العالمية -25%).
وتضمنت الوثيقة تجهيز الحصة المخصصة لمعامل انتاج الأسفلت المؤكسد والتي تبدأ بالتسلسل (1) معمل “دار بغداد” ولغاية التسلسل (29) شركة “طيف الغسق” (البركة سابقاً) بحصتها المخصصة اليومية من منتوج زيت الوقود وحسب الكميات والمنافذ التوزيعية المبينة إزاء كل معمل ولشهر تموز 2024 فقط.
كما طالبت هيأة التجهيز وفقا للوثيقة بقطع الحصص المخصصة من زيت الوقود لمعامل انتاج الاسفلت المؤكسد والتي تبدأ بالتسلسل (30) معمل “الرواسي” ولغاية التسلسل (55) معمل “الزيدان” لإنتاج الاسفلت المؤكسد ولشهر تموز فقط ولا يتم تجهيزهم الا بعد اعلامكم من قبلنا بإطلاق التجهيز عند تزويدنا بكتب تقدير حاجة والكشوفات الموقعية والموافقات الأصولية .
تضمنت الوثيقة أيضا، الاستمرار بأخذ التعهدات اللازمة من أصحاب المعامل وإجراء الكشف الموقعي اثناء فترة التجهيز وبعد استلام المنتوج دوريا كل ثلاثة اشهر على المعامل الواقعة ضمن الرقعة الجغرافية لتلك الفروع، والتأكد من استخدام المنتوج للغرض المخصص له، وتزويد الهيأة بنسخة من محضر الكشف معززا ذلك بقرص (CD).
كما أوصت بعدم التجهيز الا بعد التأكد من استيفاء ومطابقة فقرات وبنود التعهد الخطي المعممة بموجب البرقية المرقمة 8486 في 16 تموز 2022.
وكان عضو لجنة النفط النيابية السابق صادق السليطي، قد حذر من أن معامل الأسفلت المؤكسد التي تزودها شركة توزيع المنتجات النفطية بالنفط الأسود، باتت “إحدى بوابات هدر المال العام والفساد عبر تهريب حصصها الى خارج البلاد” وأن صاحب المعمل يربح يومياً 400 الف دولار جراء عمليات التهريب، على حد قوله.
من جانبه، يقر رئيس اتحاد الصناعات العراقية، عادل عكاب، بوجود عمليات تهريب للنفط الأسود داخل البلاد عبر المعامل الصناعية والإنشائية، دون ان يوضح ان كانوا قد قاموا بإجراءات لمنع تلك العمليات التي تضر بالثروة الوطنية وتهدد الصناعة العراقية.
لكن عكاب أشار الى أن “حكومة السوداني عملت على تخفيض وتوحيد سعر طن النفط الأسود المدعوم لمعامل الجص والثرمستون والطابوق للحد من عمليات تهريب هذا المنتج بين المحافظات.
إحصائيات وضوابط
تمنح المديرية العامة للتنمية الصناعية التابعة لوزارة الصناعة والمعادن، إجازات تحت التأسيس للمشاريع الصناعية والإنشائية وفق قانون الاستثمار الصناعي رقم 20 لسنة 1998 على أن يقدم المشروع الصناعي موافقة الجهات القطاعية خلال فترة إكمال التأسيس الممنوحة له وفق القانون وبخلافه تلغى الإجازة، حسبما تقول المتحدثة باسم وزارة الصناعة ضحى الجبوري.
وتشير الجبوري إلى أن “مديرية التنمية الصناعية تقوم بالتنسيق مع وزارة النفط والقوات الأمنية لمتابعة المعامل التي لا تستخدم النفط الأسود في التشغيل وتقوم ببيعه في السوق السوداء لتحقيق الربح السريع”.
وتقول بأن مديرية التنمية منحت إجازة تحت التأسيس وكامل التأسيس لـ(834) معملا للطابوق، و (544) معملاً للجص، و(350) معملاً لإسفلت التبليط، و(71) معملاً للأسفلت المؤكس”.
وبالسؤال عن أعداد المعامل الوهمية المتهمة بتهريب النفط الأسود التي كشفتها المديرية، رفضت المتحدثة باسم الوزارة الرد وتحديد أي رقم او نسبة من تلك المعامل مقارنة بمجموعها الكلي.
مع عدم وجود أرقام رسمية، من وزارة الصناعة، بشأن عدد المعامل المتورطة في عمليات التهريب والكميات التقديرية للوقود المهرب، يقول مصدر أمني في وزارة الداخلية فضل عدم الكشف عن هويته لحساسية الملف، معلقا على الكميات التي تم ضبطها، ان الأجهزة الأمنية “ضبطت خلال العام 2023 أكثر من 33 مليون لتر من المشتقات النفطية المعدة للتهريب من بينها زيت الوقود، وقامت باعتقال 948 مهرباً، كما احبطت في النصف الأول من العام 2024، تهريب 21 مليون لتر من المشتقات النفطية، واعتقال 426 مهرباً الى جانب ضبط 406 عجلة (صهريج) كانت تستخدم في نقل النفط المهرب”.
ويكشف المصدر عن ضبط 6 معامل للأسفلت المؤكسد في محافظات البصرة والنجف والسماوة ما بين عامي 2022-2023، متهمة بتهريب النفط الأسود فضلا عن ضبط معمل لتكرير النفط الأسود بمحافظة البصرة “غير مجاز”.
ويضيف المصدر الأمني أن “المهربين يستخدمون أختام وبوجرات نقل (مزورة) لغرض تسهيل مهمة عبور السيطرات بدون لفت الانتباه، مشيرا الى ان عمليات التهريب عادة تجري خلال ساعات الليل وباتجاه قضائي كلار أو كفري على حدود السليمانية”.
وقدرت وزارة النفط في بيان لها عام 2022، حجم الخسائر المالية التي تتكبدها موازنة الدولة بحدود (خمسة آلاف مليار دينار) سنويا جراء عدم تصدير جميع الكميات المنتجة من زيت الوقود (النفط الأسود) أو بيعه وفقا لأسعار النشرة العالمية، فضلا عن تخصيص جزء منه لتجهيز التجار وأصحاب المعامل بسعر مدعوم.
يقول الناشط المدني دلوفان أحمد، أن تلك الأموال تكفي لبناء عشرات المدارس والمستشفيات التخصصية في البلاد التي تعاني من ضعف كبير في الخدمات التعليمية والصحية العلاجية، أو هي تكفي لتنفيذ الجزء الأول من مشروع ميترو بغداد، العالق في دوامة الفشل الاداري منذ 20 عاماً فيما يقضي سكان العاصمة أربع ساعات يوميا في الزحامات.
- أنجز التحقيق بإشراف شبكة نيريج للتحقيقات الإستقصائية ضمن مشروع بدعم من CFI.