يبدي عمال بنغاليون غير مهرة إصرارا كبيرا على البقاء في العراق، رغم انخفاض الأجور والظروف السياسية المتقلبة، والامن الهش، وقرارات وزارة العمل بمنع استقدامهم، وفي بعض الاوقات ترحيلهم كما حدث في تموز العام الماضي، في محاولة لاحتواء البطالة عراقيا.
ومع بدء خطة التنمية الانفجارية في منتصف سبعينيات القرن الماضي وفد الى العراق مئات الآلاف من العمال من مختلف البلدان الاسيوية ومن جنسيات اجنبية وعربية، لكن تلك العمالة ما لبثت أن غادرت العراق مع بدء الحرب العراقية الايرانية، وتحويل مسار الموازنات المالية الى تمويل الحرب التي امتدت لثماني سنوات.
وخلال النصف الاول من العقد الحالي عادت العمالة البنغالية غير الماهرة بالتدفق الى العراق بدءاً من العام 2003، عبر مكاتب متخصصة في العاصمة الاقتصادية للامارات العربية المتحدة دبي، لكن بعد انحسار فورة الاقتتال الطائفي والتحسن النسبي في الامن، فتحت مكاتب لاستقدام العمالة في بغداد والمدن الرئيسة كالبصرة والنجف وكربلاء، وسط معارضات خجولة لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية واتحاد نقابات العمال.
وفي أكثر من مناسبة، طالب الاتحاد العام لنقابات العمال في العراق بضرورة وقف عمليات استقدام العمالة البنغالية والاسيوية بشكل عام، دون ضوابط عبر مكاتب وشركات غير مرخصة.
وشهد تموز من العام الماضي، حملة ترحيل للعمالة الأجنبية في خطوة لخفض البطالة في البلاد، والتي وصلت بحسب احصائية لوزارة التخطيط إلى 33 بالمائة في العام 2012.
وقررت وزارة العمل طرد العمالة البنغالية من العراق لكونها \”عمالة غير ماهرة، ولا تحتاجها البلاد، فضلاً عن دخولها بصورة غير مشروعة للعمل مع الشركات التي كانت تقدم خدمات للقوات الأميركية\”.
وكانت شركة تتعامل مع القوات الأميركية قد تعاقدت مع الآلاف من العمال الآسيويين وغالبيتهم من بنغلادش، للعمل في القواعد الأميركية لكنها بدأت بالتخلي عنهم مع تقليص نشاطها مع القوات الأميركية حتى وصلوا إلى العمل لدى المواطنين العراقيين.
علي الشكري وزير التخطيط، لفت في اذار 2012، الى ان \”نسبة البطالة في العراق تصل إلى 33 بالمائة، وبالتالي لا يمكن القضاء على البطالة إلا من خلال القطاع الخاص والاستثمار\”.
وكشف الشكري حينها، أن \”القطاع الحكومي في حالة تضخم، فأصبح عدد الموظفين 6 ملايين موظف في بلد تجاوز عدد سكانه 30 مليونا\”.
وفي خطوة صريحة، أعلنت الفلبين، في 30 تموز الماضي، عن رفع الحظر الذي استمر 9 اعوام على إرسال عمال إلى العراق، معتبرة أن \”البلد أصبح آمنا بشكل كبير رغم موجة العنف الأسوأ التي يشهدها منذ سنوات\”، غير انها \”وضعت اربع محافظات عراقية على اللائحة السوداء بالنسبة لمواطنيها لعدم استقرارها أمنيا، وهي الأنبار ونينوى وكركوك وصلاح الدين\”.
وكانت الفلبين حظرت على مواطنيها التوجه إلى العراق للعمل بعد خطف سائق شاحنة فلبيني على يد مسلحين في العام 2004، لكن مراكز اقتصادية دولية تؤكد أن هناك 10 آلاف فلبيني لا زالوا يعملون في العراق بشكل غير شرعي، غير أن وزارة العمل الفلبينية تؤكد أن \”700 عامل فلبيني فقط يعملون في العراق الان\”.
ويقول فرج عبد الرحمن، وهو عامل فلبيني يشتغل كعامل نظافة في فندق من الدرجة الثانية ببغداد، لـ\”العالم الجديد\”، انه \”ترك العمل في السعودية، وقدم للعمل في العراق منذ 3 اشهر، لكون الاجور التي تدفع هنا أعلى\”.
ويلفت الى أن \”العديد من العمال الآسيويين والأفارقة يرغبون بالقدوم الى العراق، لكن تعتريهم الخشية بسبب أعمال العنف\”.
وبات أرباب العمل العراقيون يفضلون العمالة البنغالية على العمالة العراقية، لجهة \”الاخلاص في العمل\”، و\”انخفاض الأجور\”، إذ يجد ابو مرتضى المياحي، وهو صاحب مكتب لتشغيل العمالة الاجنبية في البصرة في حديث مع \”العالم الجديد\”، انه \”منذ ثلاث سنوات بدأت العمالة الأجنبية الوافدة الى العراق بالظهور من جديد وتحديدا من الجنسية البنغلادشية وبنسبة اقل من الهنود والفلبين بالاضافة الى عمال من جنسيات عربية غالبيتهم من المصريين والسودانيين\”.
ويرى أبو جعفر، وهو صاحب مطعم للأكلات الشعبية، في حديث لـ\”العالم الجديد\”، أن \”عملهم أفضل من العمال العراقيين، فهم ملتزمون، وأجورهم أقل، حيث تصل الى 200 دولار شهريا، وهم يعملون من الصباح الباكر الى الليل باخلاص\”.
محمد جانجي، عامل بنغالي يعمل في مطعم وجبات سريعة في الكرادة، يشدد في حديثه لـ\”العالم الجديد\” انه \”سعيد بالعمل في العراق، وعملي هو التنظيف والاقي معاملة حسنة من الزبائن ورب العمل، على عكس ما كنا نلاقيه في بعض دول الخليج التي كنت اعمل فيها سابقا، والأجور التي تدفع لنا للمعيشة جيدة مع توفير السكن والطعام\”.
غير ان هناك مخاوف جدية لدى العراقيين العاطلين عن العمل، بسبب الاعتماد على العمالة البنغالية، وسط ارتفاع نسبة البطالة، التي أعلنت وزارة التخطيط في 30 حزيران الماضي ان \”نسبتها انخفضت العام الحالي الى 11 بالمائة بالنسبة للبطالة التي لا تعمل أبدا\”.
ونبه الوزير علي الشكري في تصريح للمركز الخبري لشبكة الاعلام العراقي، أن \”نسبة النمو السكاني في العراق وصلت الى 2،9 هذا العام مع ملاحظة أن نسبة النمو السكاني في العراق العام الماضي كانت 2,3\”.
وبيّن ان \”نسبة النمو تعد جيدة وبها اصبح العراق أعلى ثالث دولة في العالم بالنمو السكاني الذي يحمل جانبين ايجابي باعتباره ثروة بشرية، وسلبي في حال العجز عن توفير فرص عمل لائقة لهذه الثروة، مع العلم ان العراق في العام 2020 سيدخل (الهبة الديمغرافية)، اذ سيكون ثالث دولة في العالم بنسبة السكان الشبابية الذين تتراوح أعمارهم بين 17 و 26 عاما\”.
ويقول أحمد علي، وهو عامل عراقي في مطعم للمشويات، لـ\”العالم الجديد\”، ان \”تدفق العمال البنغاليين وغيرهم، يهدد العمال العراقيين بالبطالة بسبب قلة الاجور التي يتلقونها\”.