إرباك كبير رافق إعلان نتائج الانتخابات التشريعية في العراق، أدى الى “ارتفاع وهبوط” عدد مقاعد القوى السياسية بشكل سريع، ولا يزال الأمر معلقا لغاية الآن دون حسم نهائي، في وقت توالت الاتهامات بوجود تلاعب كبير في النتائج، وخاصة من قوى شيعية مقربة من إيران ربطت الأمر بـ”مؤامرة” لإسقاط الحشد الشعبي، إلا أن خبيرا عزا الأمر الى قانون الانتخابات الذي ألزم المفوضية باعلان النتائج خلال 24 ساعة، مؤكدا أن هذا الوقت غير كاف، فيما قللت قوى “سنية” فائزة من الأمر، واعتبرته طبيعيا بقدر تعلقه بالعد والفرز اليدوي.
ويقول القيادي في حركة عصائب أهل الحق سالم العبادي خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “عمليات التخبط واضحة بإعلان نتائج هذه الانتخابات، بدءا من الاعلان المربك والمشبوه بطريقة عجيبة من قبل مفوضية الانتخابات، الى عملية الادعاء بأنها نتائج أولية”.
ويضيف العبادي، أن “المفوضية لم تكن بمستوى الحدث، وأن النتائج غير دقيقة ولا تطابق الواقع، وهناك مؤامرة حقيقية دبرت في رسم ملامح المرحلة المقبلة، وهي تعرية الحشد الشعبي وإبعاد تأثيره السياسي المتمثل بكتلة الفتح”، متابعا أن “النتائج التي أعلنت كانت غير مطابقة لأوراق البيانات التي سلمت الى مراقبي الكيانات السياسية، ولم تطابق الإعلان الأولي للمفوضية، فضلا عن توقف أجهزة الانتخابات في الكثير من المراكز الانتخابية لساعات طويلة، رغم أن المفوضية ادعت أنها عملت أربع عمليات محاكاة للعملية الانتخابية قبيل موعد الانتخابات”.
ويستطرد “سنستعمل جميع الطرق المتاحة من أجل استرداد حقوق الحشد، بجميع الطرق المتاحة قانونيا ودستوريا”، متابعا أن “ما جرى داخل المفوضية أشبه بالمهزلة”.
وفي ليلة الاثنين الماضي، أعلنت مفوضية الانتخابات النتائج الأولية وبنسبة 94 بالمائة، لكن موجة غضب كبيرة رافقت هذا الاعلان، خاصة من تحالف الفتح، المشكل من قبل كتل سياسية مرتبطة بالحشد الشعبي، وذلك لحصوله على 14 مقعدا نيابيا فقط، في حين حصلت الكتلة الصدرية المرتبطة بالتيار الصدري على 73 مقعدا، إضافة الى أن تحالف الدولة المدنية، المكون من تيار الحكمة بزعامة عمار الحكيم وائتلاف النصر بزعامة حيدر العبادي، حصل على 4 مقاعد فقط.
هذه النتائج رفعت حدة خطاب الفصائل المسلحة والقوى الشيعية، حيث أصدرت أغلبها بيانات شككت بالنتائج، وأكدت وجود تلاعب كبير هدفه إسقاط هذه القوى وإبعادها عن العملية السياسية، متهمين أحد مستشاري رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي بالوقوف خلف التلاعب بالنتائج، حسب بيان تحالف الفتح.
وبعد سلسلة من البيانات والوعيد، عمدت مفوضية الانتخابات الى حذف النتائج من موقعها الالكتروني، ما أثار جدلا وتهكما، لكن سرعان ما أصدرت فجر أمس الأربعاء، النتائج بشكل جديد، بعد عد وفرز يدوي للمحطات التي حدثت فيها مشاكل تقنية كما تقول، وهنا ظهرت نتائج مغايرة، حيث ارتفع عدد مقاعد الفتح الى نحو 20 مقعدا، فيما فقدت الكتلة الصدرية مقعدا واحدا فقط، وارتفع عدد مقاعد ائتلاف دولة القانون أيضا الى نحو 39 مقعدا.
يشار الى أن صحيفة الصباح الرسمية، نقلت عن مفوضية الانتخابات قولها ان النتائج النهائية لن تعلن قبل 20 يوما من الان.
وحول ما جرى، يوضح الخبير بشؤون الانتخابات عادل اللامي في حديث لـ”العالم الجديد”، أن “سبب الإرباك الذي واجهته مفوضية الانتخابات بإعلان النتائج ومن ثم حذفها، يعود الى ان قانون الانتخابات ألزم المفوضية باعلان النتائج خلال 24 ساعة، في حين أن هذا الوقت غير كاف، حتى بوجود الأجهزة الإلكترونية التي تقوم بقراءة النتائج، فهي معرضة للعطل او معرقلات بالوسط الناقل لعدم معرفة بعض الموظفين كيفية تشغيلها”.
ويتابع أن “عدد المحطات بلغ أكثر من 55 ألف محطة انتخابية، وهذا رقم كبير جدا، وقد كان من المفترض أن يترك تقدير الوقت الكافي لإعلان النتائج للمفوضية، فهذا عمل تنفيذي وليس تشريعا لكي يتم تحديده من قبل جهات تفتقر الى الخبرة بالعمليات اللوجستية الانتخابية والتقنية”، مؤكدا أن “المفوضية، ورغم ما جرى، فانها تعمل وتسارع لإعلان النتائج تباعا، خصوصا في المحطات التي لم تصل نتائجها عبر الوسط الناقل، والتي بلغت أكثر من 3 آلاف محطة”.
ويؤكد أن “القانون ألزم المفوضية بإجراء العد والفرز اليدوي بالقرعة لمحطة واحدة من كل مركز انتخابي، أي ما يقارب 8276 صندوق اقتراع، من أجل أن تتطابق نتائجها مع النتائج التي أرسلها الوسط الناقل أو المخزونة على عصا الذاكرة، وهذا العدد من الصناديق من الصعب إكمال عدها يدويا في نفس اليوم المخصص لإعلان النتائج”.
يشار الى أن زعيم التيار الصدري، وعقب اللغط حول نتائج الانتخابات وقبل إعلان النتائج المحدثة من قبل المفوضية، نشر تغريدة في حسابه بموقع تويتر، قال فيها إن الخلافات السياسية على صناديق الاقتراع وتأخير إعلان النتائج والضغط على مفوضية الانتخابات سيكون أول نتائجها السلبية هو تضرر الشعب لا تضرر الكتل السياسية، من ناحية الخدمات واستفحال الإرهاب وغيرها، ولاسيما أن كل هذه الأساليب قد تنتج زيادة في مقاعد الكتلة الأكبر، بل وأن تراجعها لا يضر الكتلة الأكبر فهي لا تريد إلا نفع العراق وشعبه ولا يهمها المصالح الخاصة على الإطلاق، داعيا الجميع الى ضبط النفس والتحلي بالروح الوطنية.
وبعد يوم من تغريدة الصدر، علق رئيس حركة وعي صلاح العرباوي، على تغريدة الصدر عبر رسالة، قال فيها “من بعد المباركة لك بالفوز الذكي الذي كسر كل التوقعات، أقول: أحذر من الفوز أكثر من حذرك من الخسارة واعلم ان ثمن حكم العراق باهض جدا، أرنا الدولة في فعلك لا في خطابك، انما هلك الذين قبلك لأن فعلهم عاكس قولهم، ادمج سراياك ثم ادعُ الآخرين لدمج سراياهم وفصائلهم، فالقادة يبدأون بأنفسهم قبل غيرهم، وقم بحل التشكيلات شبه العسكرية التي تحت جناحك، فالدولة لا تبنى الا بالجيش الوطني”.
وكان الصدر قد دعا الى حصر السلاح بيد الدولة، خلال كلمته بعد إعلان نتائج الانتخابات.
الى ذلك، يبين القيادي في تحالف تقدم سعود المشهداني في حديث لـ”العالم الجديد”، أن “سبب التغيير في المقاعد النيابية التي أعلنته مفوضية الانتخابات، هو بسبب جمع أصوات جديدة في مراكز اقتراع جديدة، خاصة وأن هناك بعض المرشحين متقاربون بالنتائج، ولا يفصل بينهم سوى 50 صوتا أو أقل”.
ويلفت الى أن “المفوضية قالت منذ البداية أن هذه النتائج أولية، أي أنها قابلة للتغيير بشيء نسبي وبسيط، والمرشحون المتقاربون يعرفون أنهم في خطر ويمكن أن يصعد بديل عنهم”، متابعا أن “النسبة الآن قد حسمت بشكل تقريبي، ولن نشهد صعود شخصيات جديدة، وحتى لو حدث فعددهم قليل جدا”.
الجدير بالذكر أن تحالف تقدم الذي يتزعمه رئيس البرلمان المنتهية ولايته محمد الحلبوسي، حصل على 41 مقعدا وفق النائج الأولية، فيما حصل منافسه خميس الخنجر، زعيم تحالف عزم على 15 مقعدا.
يشار الى أن نتائج هذه الانتخابات، لم تكن مفاجئة للكتل السياسية فقط، بل شملت العديد من الوجوه السياسية المعروفة والتي تسلمت مناصب عليا عديدة منذ سنوات طويلة، ومنيت بالخسارة الان، وأبرزها: عبد الحسين عبطان، وعدنان الزرفي، وهيثم الجبوري، وسليم الجبوري، وأسامة النجيفي، ومحمد الكربولي، ومحمد صاحب الدراجي، وآلا طالباني، وبهاء الأعرجي، ومزاحم التميمي، وخالد العبيدي، وكاطع نجمان الركابي، واراس حبيب، وخلف عبد الصمد، وظافر العاني، وسلمان الجميلي، وصلاح الجبوري، ووزير الشباب والرياضة عدنان درجال، وعبد الأمير التعيبان، وسارة أياد علاوي.