تعد المثنى ثاني أكبر محافظة في العراق فيبعد الأنبار، حيث تزيد مساحتها على 51 ألف كيلومتر مربع، غير أن البادية تشكل 95 بالمئة من أراضيها، لكن هذه الأراضي الشاسعة وعلى الرغم من أنها جرداء في العديد من أشهر السنة، إلا أنها تعد مقصدا مهما للسياح من أهالي المثنى والمحافظات الأخرى ومن خارج العراق أيضا خلال فصلي الشتاء والربيع وأحيانا حتى في فصل الخريف عندما تهطل الأمطار وتنتشر الرقع الخضراء فيها.
وإلى جانب محبي سياحة الصحراء و”السفاري”، يحتوي باطن الأرض على موارد طبيعية معدنية متعددة بالإمكان استثمارها وجعلها موردا اقتصاديا مهما للمحافظة.
ويقول رئيس اتحاد رجال الأعمال العراقيين فرع المثنى، دريد الأعرجي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “بادية السماوة تدر بالكثير من العوائد المالية على أبناء المحافظة، ما يسهم برفع دخل الفرد السماوي، لا سيما أن مختلف المحافظات مثل بغداد وحتى الشمالية منها، بالإضافة إلى دول الخليج، تبدأ بالتوافد عليها خلال فصل الشتاء”.
ويضيف “لا توجد إحصائية دقيقة أو رقما تخمينيا للعائدات السياحية من بادية السماوة، لأن العائدات والواردات تعتمد على التسوق داخل أسواق المحافظة، كما أن هذه البادية تفتقر إلى أي مشاريع سياحي يمكن من خلالها حصر أعداد السياح والاستفادة من عائداتهم”.
وفيما يتعلق بالحفاظ على حيوية بادية السماوة في فصل الصيف، يشير الأعرجي إلى أن المسؤولية تقع على الفرد والحكومة في آن واحد، وإنعاشها يكون عن طريق “قيام الحكومة المحلية في المثنى باستنساخ تجربة العتبة الحسينية في محافظة كربلاء، حيث قامت بزراعة الصحراء بأشجار النخيل وحفر الآبار لتأمين زراعة ديمية اقتصادية بواسطة استخدام المرشات أو السقي بالتنقيط”.
ويؤكد على أن “توفير الحماية اللازمة للبادية وسياحها على غرار المملكة العربية السعودية، حيث توجد هناك قوانين صارمة للحفاظ على المواقع السياحية، مثل عدم رمي النفايات في المناطق الخضراء، ومحاسبة مدمري الأشجار والنباتات الطبيعية، وكذلك نشر المفارز الأمنية، لضبط الاستقرار في المنطقة”.
جدير بالذكر أن بادية السماوة تتمتع بالكثير من الثروات المعدنية والطبيعية النفطية، إضافة إلى المواقع الأثرية، وحجر الكلس الذي يدخل في صناعة السيراميك والمواد المعدنية الأخرى التي يمكن الاستفادة منها إذا ما تم استغلالها بالشكل الصحيح، لتكون نقطة جذب استثمارية، لاسيما إذا ما تم فتح منفذ الجميمة الحدودي مع السعودية، خاصة وأنها تشهد استقرارا أمنيا وسياسيا.
وبهذا الصدد، يلفت رئيس غرفة تجارة المثنى، كريم محمد، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إلى أن “بادية السماوة تعتبر ثاني أكبر بادية في العراق بعد بادية الأنبار من حيث المساحة، حيث تمتد من الأنبار وصولا إلى البصرة وبمحاذاة الحدود السعودية، وفيها الكثير من الآبار النفطية، منها منقب وأخرى ما زالت في طور الاستكشاف، بالإضافة إلى حقل (البطحة) ويقع على الحدود بين المثنى وجارتها ذي قار، والآخر بين النجف والمثنى، واللذان يحتويان على بئرين لكل منهما”.
ويبين أن “هناك أكثر من 15 بئرا نفطي في بادية السماوة منقب ومغلق بحسب شركة نفط الجنوب، لأن الكميات النفطية الموجودة فيها قليلة وغير كافية، بالإضافة إلى 9 آبار قديمة ومتروكة مثل، دهيسة، وباكور، وزبدة”.
ويتابع “البادية غنية بكل المعادن، مثل حجر الإسمنت والتربة المناسبة ما عزز كثرة المعامل في السماوة، حيث يوجد فيها حاليا 12 معمل إسمنت، ستة منها تعمل والأخرى في طور الإنشاء، إضافة إلى وفرة الزراعة لاسيما في العام الماضي، حيث تصدرت المثنى محافظات العراق في إنتاج محصول القمح (ثلاثة ملايين طن)، إلى جانب الخضروات بمختلف أنواعها وأشكالها”.
ويشدد محمد على أن “العراق بحاجة إلى التكونلوجيا الحديثة لاستخدامها في الزراعة، خصوصا بعد أزمة الجفاف التي ضربت البلاد خلال الأعوام الماضية، ما أجبر الحكومة على إدخال بعض وسائل الري المتطورة، كالمرشات والسقي بالتنقيط من أجل استغلال أكبر قدرا ممكنا من المياه الشحيحة”.
وإلى جانب هذه المميزات المهمة في بادية السماوة التي تعاني من إهمال واضح منذ سنوات طوال عبر الحكومات المتعاقبة، هناك بحيرة ساوة الفريدة من نوعها والتي عانت من جفاف أدى إلى اضمحلالها وكادت تختفي من الوجود بحسب صور للأقمار الاصطناعية نشرتها وسائل إعلام غربية ومنظمات دولية في حينها، وتعد هذه البحيرة من أهم المعالم المميزة في جنوب العراق.
وتتميز بحيرة ساوة بتكوينها الفريد والظواهر الطبيعية الغريبة التي صاحبتها؛ فهي تختلف عن البحيرات الأخرى بأمور عديدة، منها عدم وجود أنهار أو مجرى مائي سطحي يغذيها، بل تعتمد على العيون وما يتدفق من مياه جوفية من تحت البحيرة التي ترشح إليها من نهر الفرات القريب منها، وذلك عبر الصدوع والشقوق التي في أسفلها، كما أن مياهها مالحة ولا تصلح للزراعة، وكذلك ما أن يتم شق فتحة في ضفاف البحيرة لتدفق المياه خارجها سرعان ما تتحول إلى ملح.
وبدورها توضح مديرة مركز الأبحاث في بحيرة ساوة، صوفيا جبار، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “وجود معامل المملحة بالقرب من البحيرة، يشكل الخطر الأول على المياه الجوفية لساوة ولبقية المياه الجوفية في المحافظة، بالإضافة إلى الخطة غير المدروسة لزراعة البادية التي تؤدي إلى استنزاف المياه الجوفية”.
وتنبه “نحن نواجه شحا في سقوط الأمطار، ما دفعنا إلى تقديم دراسة لرئاسة الوزراء حول هذا الأمر، وما لم تتم معالجة هذه المشاكل فمن المستحيل عودة البحيرة إلى سابق عهدها نتيجة غياب الحلول الجذرية من قبل دائرة الأهوار والمياه الرطبة”.
وتشرح أن “الكائنات الحية التي تعتاش على مياه بحيرة ساوة تتمثل بـأسماك الكمبوزياء، والجوبي، والقاروص، والطحالب، ومختلف الحشرات القشرية، بالإضافة الطيور المهاجر مثل الغطاس الصغير، والبجع الأبيض، وأبو قردان، واللقلق الأبيض، وأبو منجل الأسود، وأبو ملعقة وغيرها، كما أن الكثير من أنواع الطيور انقرضت مثل، الطيور المائية في مواسم الهجرة، والأسماك الفريدة من نوعها”.
وعن استثمار البحيرة كمنتج سياحي، تعرب جبار عن استغرابها من “الإهمال الواضح لدى الحكومة المحلية حول هذا الأمر، رغم تشكيل لجنة لمتابعة سير حلول البحيرة بعد تحولها إلى أرض جرداء مستوية لا ماء فيها ولا حياة، والتي من المفترض استغلاها مسبقا لتحويلها إلى متنفس ترفيهي يستقطب المواطنين من مختلف مناطق البلاد ونحصل على مردود مالي أكثر من عائدات معامل المملحة والأراضي الزراعية التي تصل إلى آلاف الدونمات”.
العوامل البشرية التي حولت بحيرة ساوة إلى أرض جرداء، دفعت بمجلس محافظة المثنى الجديد إلى أن يدرس قرارا بشكل جاد ومن ضمن أولوياته المهمة، يقضي بمنع حفر الآبار قربها، وردم المتجاوزة على مياها، كحل رئيسي لمنع شح المياه وقلة مناسيبها، ما من شأنه أن يسهم برجوع سر الحياة اللازم لتغذية البحيرة.