عادت مخاوف خنق العراق بحرياً الى الواجهة، بعد تأكيد رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، قرب الانتهاء من مفاوضات الربط السككي بين محافظة البصرة الساحلية وايران، في خطوة قد تجهض مساعي الحكومة نفسها بإنشاء “ميناء الفاو الكبير”، المعول عليه في تغيير خريطة الملاحة البحرية، ففيما رفضت منظمات محلية أي شكل من أشكال الربط السككي مع دول الجوار، كونه سيتسبب بـ”تعطيل” الموانئ، قلل خبير اقتصادي، من تأثير ذلك على نشاط الموانئ، شريطة أن تتحكم بغداد بحركته دون العواصم المجاورة.
ويقول عضو لوبي الضغط لانشاء ميناء الفاو وائل عبداللطيف وهو نائب ووزير سابق، في حديث لـ”العالم الجديد”، إن “أي ربط سككي في البصرة مرفوض، سواء مع ايران او الكويت، لأنه سوف يعطل الموانئ العراقية، كون البضائع ستدخل الى العراق عن طريق دول الجوار وليس بشكل مباشر، خصوصا ايران التي عقدت اتفاقية مع الصين بعد تراجع العراق عن كل مذكرات التفاهم التي عقدها، في ظل تراجع الحكومات المتعاقبة عن بناء ميناء الفاو“.
وكان رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، قد أعلن الخميس الماضي، وخلال تهنئته بمناسبة عيد الفطر، عن وصول المفاوضات مع إيران لبناء خط سكة حديد بين البصرة والشلامجة لمراحلها النهائية، فيما وضع هو حجر الاساس لانشاء ميناء الفاو الكبير في 11 نيسان أبريل الماضي.
ويضيف عبداللطيف “لغاية الان لا يوجد شيء بخصوص الميناء من الناحية الفعلية”، موضحا أن “كاسر الأمواج أنفق عليه مليار دولار، ولو أنفق هذا المبلغ على بناء أرصفة الميناء لكان افضل بكثير من هذا الوضع“.
ويوضح “من المفترض ان يقتصر الربط السككي مع ايران على نقل المسافرين، لكن في حال حولت ايران الربط الى تجاري، وربطته مع الصين التي ستنفق اكثر من 400 مليار دولار لديها، فهو سيؤثر بشكل كبير على موانئ العراق، وبجميع الاحوال فان الحكومة العراقية لا تمتلك الرغبة الحقيقية في بناء هذا الميناء الذي قدم منذ 2003″، لافتا الى ان “هناك دولتين مؤثرتين بالقرار العراقي، وهما ايران والكويت، وبالتالي للاسف حقوق البلد واقتصاده بعيدة عن أفق السياسيين، والاهم لديهم التقرب من هذه الدول“.
يذكر أن كلا من إيران والكويت، تحاولان ربط خطوط سكك حديد مع محافظة البصرة للاستفادة من موقع العراق المهم على مستوى التجارة الدولية، ولتكون بديلا عن ميناء الفاو من خلال استقبال البواخر والسفن التجارية في موانئ الدولتين، فيما يتحول العراق الى مستقبل للبضائع وممر بري لها فقط، في وقت سيتيح ميناء الفاو الفرصة للعراق أن يكون المستقبل للسفن والبضائع مباشرة، ويتحول الى قوة اقتصادية كبرى في المنطقة.
وبدأ مشروع الربط السككي بين البصرة وايران، يأخذ صداه في العام 2014، خلال تولي حيدر العبادي رئاسة الحكومة العراقية، حيث طرحت طهران مشروع ربط سككي بين البصرة وميناء الامام الخميني جنوبي ايران على الخليج العربي، وصولا الى ميناء اللاذقية في سوريا، بطول 32.5 كليومترا، لنقل المسافرين والبضائع.
وبحسب تقرير مفصل نشرته “العالم الجديد” في 25 تموز يوليو 2020، فان ميناء الفاو سيكون نقطة الربط بين شرق اسيا وبين اوروبا، وسيحول العراق الى ممر للبضائع، تبدأ من ميناء الفاو وتمر بريا عبر خطوط حديثة الى تركيا ومنها الى اوروبا، ما يختصر الفترة الزمنية لنقل البضائع الى ساعات، بدلا من 20 يوما تقريبا عبر قناة السويس، وهي الممر الحالي الرابط بين شرق اسيا وأوروبا.
لكن، الخبير الاقتصادي باسم انطوان، يبدي وجهة نظر مغايرة، قائلا “لا يوجد تناقض بين خطوة الحكومة في بناء ميناء الفاو والربط السككي مع ايران والكويت“.
ويوضح انطوان في حديثه لـ”العالم الجديد”، أن “العراق يحتاج الى ما لا يقل عن مليون طن من البضائع والسلع سنويا ومن كل دول العالم، وهذا يحتاج ليس الى ميناء بحري فقط، بل الى ربط جميع مدنه عبر شبكة من السكك الداخلية والخارجية، ومنها خط مع ايران، التي لدينا معها حدود طويلة، على ان تكون ادارة العملية من داخل العراق وليس من جيرانه“.
ويلفت الى ان “كل مشروع فيه فوائد وسلبيات، ويجب دراسة الجدوى الاقتصادية من قبل الخبراء والمختصين وهذا يحتاج إلى اكثر من شهر”، مبينا ان “ميناء الفاو لا يتأثر في حال تفعيل الربط السككي مع إيران، لكونه مخصصا لنقل البضائع الى العراق، وسيكون المنفذ الوحيد للبلد وبالكاد سيسد حاجته، إذ أن العراق تصله بضائع من العقبة ومن تركيا، وكلها بالكاد تسد حاجته“.
وكانت “العالم الجديد” قد كشفت في وقت سابق عن التفاصيل الكاملة للقناة الجافة، التي تربط البصرة بنينوى، وصولا الى تركيا، خاصة مع قرب بدء شركات تركية بانشاء طرق سريعة وسكك حديد مع الموصل، بعد إعلان محافظ نينوى نجم الجبوري، في 20 أيلول سبتمبر الماضي، عن قرب تنفيذ خط حديث للسكك الحديد يربط بين مدينة الموصل وتركيا.