أن نحيا افتراضيا بملء إرادتنا المغيبّة وبكل ما تحمله هذه المفردة من معنى، وأن نتمرد على منظومة تجعل من تكبير الأشياء وتصغيرها هوية لها، ولأن التكبير والتصغير ما كانا ممكنين لولا وجودنا الواقعي، هذا يعني أن نسرع باتخاذ قرار يعجّل لنا حضورا افتراضيا لئلا يلفظنا زمن قالوا: إن لا عيب له سوانا، قرار يتخذ على عجل، وقديما قالوا أيضا: في العجلة الندامة، لكن لا ضير فالندم رفيق خطواتنا منذ زلتها الأولى.
نعود لهوية التكبير والتصغير، ربما تتماهى الفكرة مع مشرط الجراح الذي تضيق به سبل الحياة وتلفظه هو الآخر لولا عمليات التكبير والتصغير التي أبدعها مشرطه ليختال شمالا ويمينا، ففي كل حدب وصوب ثمة تمديد وتشذيب لا تستقر الأمور دونهما، وسنقف هنا وقفة سريعة لواحدة من ظواهر منظومتنا الكونية وهويتها عاشقة الأحجام لاسيما وأن مسرحها عالما تمنيناه ملاذا يحتوينا إن ضاقت بنا السبل، ليصكّ أسماعنا ضجيج يحتفي بميلاد قصيدة شعرية ابتدعها لهاث زمن لا تلجمه إلا عقلانية غائبة، ولأن الأمر واقع ضمن دائرة الضوء المنطفئ إياها، فالشاعر كبير وما على الذائقة الشعرية إلا أن تستسيغ حماقات تذلق من بين شدقيه التعبين حد الثمالة دون أن نعلم أهي لحظة يمارس بها الوفاء لأبوة هضمت حقوق أبنائها استلابا وغطرسة تفرض نفسها وبقسوة؟ أم ان عالما يلفّه الصمم مآل الشعرية الكونية؟ هذه الأسباب مجتمعة يضاف إليها ما استهلَّ به القول عن هوية التكبير والتصغير تصدم البصيرة قبل البصر وإلا من يفسِّر لنا هذا التغاضي عن تلك الأخطاء المتعمّدة بحق الشعر والشعراء؟ عبارات ركيكة تترفع عن ابتذالها لغة لصبية مقاه يبددون بها قسوة الراهن الملتهم لحقوقهم الإنسانية، هو حال تلك المهاترات اللفظية التي ينعتها بعض الحمقى بأنها قصائد شعرية تتحدى دورانيّة الإبداع الزمني، ازدواجية عجيبة قوامها الفوضى وغياب المعيار الأخلاقي الذي يضع الأمور في نصابها هو من يتحكم براهن ازدرانا مذ تلك اللحظة التي آلينا فيها إلا السباحة في مستنقع رذائلنا الطوفاني، آه… سيدي المعري ليت طوفانك يأتي كما تمنيت ليغسلها من أدرانها أرضنا الولود خطايا تلو الخطايا ليستحيل بعدها كوننا المتهاوي على رؤوسنا خطيئة كبرى مذ حملها جاهلا بشرائطها، فما من بقعة تطأها قدماه إلا وكان له صولات وجولات تتخذ من المكر العابث سبيلا لها، بهلوان بألوان قاتمة يجيد اللعب على أسلاك تخلط الأسود بالأبيض ليغيب عن باله وهنها خيوط العنكبوت التي أوهمته أنها أسلاك تجعل من الشاعر الأبيض أسود.
ختاما في عالمينا الواقعي والافتراضي أثمّة اتفاق يوحد رؤانا نحن المندهشون حيال هوية الأحجام هذه؟ وهل سنرفعها راية استسلام عالية، أم أنّ الدهشة لمّا تزل تدحرج خياراتنا تخليصا لها من سقوط مشين في فخِّ هوية مزعومة؟ وهل أنّ رحلة البحث عن عالم يحتوي علاماتنا الاستفهامية نحن المندهشون حدَّ الخيبة هي المآل؟ وهل ثمّة مدّخر يعين عليها تلك الرحلة الأمل؟ إليك أيها الكون نطلقها صرخة متسائلة، مندهشة، مستغيثة، أتراك تردّها صفعة بوجوهنا أم أنك من المغيثين؟!
* كاتبة عراقية