على شاطئ خليج فنلندا الذي يعتبر امتدادا لبحر البلطيق تقع العاصمة الاستونية \”تالّين\” تلك المدينة الصغيرة التي لا تتجاوز مساحتها 158 كيلو مترا مربعا، ويصل تعداد نفوسها لقرابة الاربعمائة الف نسمة اي ثلث سكان استونيا تقريبا. قبل ان يتقاسمها الاحتلالان الدانماركي والالماني في القرن الثالث عشر الميلادي. تعود البدايات الحقيقية للعاصمة تالين الى مطلع الالف الميلادي الثاني حينما بنيت فيها قلعة كبيرة.
تالّين المدينة الاستونية الاكبر هي مدينة في مدينتين، فهناك المدينة القديمة بابراجها التاريخية وبناياتها التي تمتد للقرون الوسطى وتؤرخ لفترة الاحتلالات المتعاقبة على استونيا من الاحتلال الدانماركي، الألماني، السويدي ثم السوفيتي، حيث ان كلاً من تلك الحقب ترك وراءه أثرا معماريا هناك. والجزء الاخر الاكثر معاصرة في تالين هي المدينة الجديدة التي ارسيت دعائمها منذ بداية التسعينات، واصبحت مبانيها الشاهقة متوهجة مضيئة بابراجها الزجاجية التي تتلألأ فيها ليلا ونهارا مياه البلطيق.
واذا ما كانت المدينة الجديدة تمثل شموخ تاّلين الحديث ووجهها المعاصر فإن المدينة القديمة بطرقاتها المرصوفة بالحجر، تمثل العمق التاريخي والجمالي لما تحتويه من معالم تاريخية يعود بعضها الى القرن الثالث عشر وبعضها الى ما قبل وبعد ذلك، تالّين لازالت تحتفظ بوجهها القديم ايضا، لا زالت القلعة القديمة موجودة، ولا زالت حتى الان منازل التجّار الالمان الذين ينتمون لرابطة \”الهانزيه\” موجودة، فالمدينة انضمت لتلك الرابطة منذ العام 1285.
في احدى الحقب التاريخية لهذه المدينة بني حولها سور كبير من اجل حمايتها وتخلل السور سلسلة من الابراج لا زال بعضها موجودا حتى اليوم، وكذلك الكثير من المعالم التاريخية الاخرى. منظمة العلوم والثقافة \”اليونيسكو\” ادرجت المدينة القديمة في تالّين ضمن قائمة مواقع التراث العالمي.
وتالين هي عاصمة جمهورية إستونيا، التي تقع في منطقة بحر البلطيق بشمال أوروبا. يحدها من الشمال خليج فنلندا، ومن الغرب بحر البلطيق، ومن الجنوب لاتفيا، وإلى الشرق من بحيرة بيبوس والاتحاد الروسي. وعبر بحر البلطيق تقع السويد في الغرب وفنلندا في الشمال.
اختيرت تالّين بالاضافة الى مدينة \”توركو\” الفنلندية لكي يكونا عاصمة للثقافة الاوروبية عام 2011، وهو ذات العام الذي انضمت فيه استونيا لمنطقة اليورو بعد قرابة سبعة اعوام من دخولها في منظومة الاتحاد الاوروبي وذلك في عام 2004. العاصمة الاستونية ولانها كانت تعاني كثيرا من إسقاطات واعباء المرحلة السوفيتية حتى مطلع التسعينات من القرن الماضي فإنها انتظرت هذه الفرصة التاريخية بفارغ الصبر، وارادت اظهار نفسها للعالم بثقافة وحلة مختلفة.
في سياق الفعاليات الثقافية بكونها العاصمة الثقافية للاتحاد الاوروبي افتتح قبل سنتين على ساحل البحر متحف جميل للاحياء المائية، والمشروع عموما يقع في اطار فكرة \”الكيلو متر الثقافي\” على شواطئ تالّين حيث تم تحويل بعض المباني القديمة هناك بما في ذلك بعض السجون الى مسارح موسيقية، وكذلك بنيت معالم فنية وثقافية وعلمية توفر للزائر متعة النزهة على شاطئ البحر والتزود بالثقافة في آن واحد. مضافا الى ذلك فإن الدولة الاستونية بشكل عام والعاصمة بشكل خاص اهتمت بشكل خاص جدا بتنمية \”المجتمع الالكتروني\” وهو مصطلح يتجاوز بكثير \”الحكومة الالكترونية\” لما هو اشمل واكثر من ذلك. ولهذا فليس اعتباطا ان يولد عام 2003 برنامج \”سكاي بي – Skype\” الشهير من رحم العاصمة تالّين. اذ ان اصحاب ذلك المشروع ثلاثة اشخاص هم: الاستوني تويفو انّوس، السويدي نيكلاس زينستروم، والدانماركي يانوس فريس. الثلاثة كانوا في تالّين فتعاونوا مع مجموعة من مطوري البرمجيات الاستونيين من اجل تطوير هذا البرنامج المختص في مجال المحادثات الصوتية، وهذا ما حصل اذ نجح البرنامج وبيع عام 2005 لاحدى الشركات بملياري ونصف المليار دولار ومنذ العام 2011 اشترته ماكروسوفت باكثر من ثمانية مليارات دولار. واعتزازا بذلك العطاء التكنولوجي افتتحت في العديد من مراكز التسوق والاماكن العامة في استونيا اكشاك لاستخدام برنامج سكاي بي.
مدينة تالّين وكما هي عادة معظم العواصم في شمال اوروبا يهجرها الليل معظم ايام الصيف، ويحل عليها ليل طويل جدا في فصل الشتاء.