صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

تحية الى العربية

مرة اخرى يمر الثامن عشر من كانون الاول، ومرة اخرى يعود الحديث عن اللغة العربية المحتفى بها دوليا في مثل ذلك اليوم، ومن باب اضعف الايمان على الاقل لابد من تحية واجلال للغتنا العربية. ان الثامن عشر من كانون الأول يشير الى اعتماد اللغة العربية لغة رسمية في الامم المتحدة منذ عام 1973. وبالإضافة الى المناسبة المشار اليها هناك ايضا مناسبتان سنويتان على الاقل يحتفى فيهما باللغة العربية ايضا، المناسبة الاولى تصادف الحادي والعشرين من شباط \”اليوم العالمي للغة الام\” ذلك ما اقرّته الامم المتحدة منذ عام 1999، فيه يحتفل العرب بلغتهم الام العربية، والمناسبة الثانية هي امتداد للمناسبة الأولى حيث تصادف الأول من آذار بحيث يكون ذلك اليوم تتويجا لنهاية نشاط \”اسبوع اللغة العربية\” الذي يبدأ في الحادي والعشرين من شباط وينتهي في الأول من آذار.. كما اقرّت ذلك المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم \”ألكسو\”. 

تلك المناسبات الثلاث وربما غيرها تمثل محطات سنوية مهمة للاحتفاء والاعتزاز بالعربية، التي تعتبر أحد اهم اللغات الحيّة وربما أقدمها على الاطلاق. مضافا الى ذلك ما تتمتع به اللغة العربية من خصوصية التصاقها في فهم وقراءة تراث ديني وأدبي يستحق الاهتمام في جميع الاحوال.

ان العربية وديعة وموروث جميل من الاسلاف الذين نجحوا في تطويرها وجعلها لغة جاهزة وطيّعة لاستيعاب العلوم والمعارف والآداب وهذا ما شهد به غير العرب ممن فضّل الكتابة في العربية على لغته الام، فيما تكاسلنا نحن عن اتمام تلك المهمة وفوق كل ذلك نتهم اللغة بالعقم والجمود!

ما يدعو للأسف انه ورغم الانتشار الهائل لوسائل الاعلام المتحدثة باللغة العربية اكثر مما سبق ورغم ان المتحدثين بها يصلون لقرابة النصف مليار نسمة يضاف لهم ايضا اكثر من نصف مليار مسلم لهم علاقة بالعربية بشكل او بآخر رغم كل ذلك الا انها تعاني هذه الايام حالة من الضعف والهوان. هناك الكثير من الاسباب مما يقف وراء ضعف العربية، ابتداء من المجامع اللغوية، مرورا بمناهج التعليم البائسة وليس انتهاء بزخم وسائل الاعلام التي تدخل بيوت الجميع وتمزّق جسد العربية على يد القائمين عليها بشكل غريب!  

الكثير ممن فسح لهم المجال كي يتعلموا لغات اخرى يعرفون جيدا بأن شيئا من التعقيد بعض الاحيان في تركيبة اللغة وقواعدها ليس سبّة، ولا تنفرد فيه اللغة العربية، بل هو ظاهرة في معظم اللغات الاخرى، لكن المبالغة في التعقيد هو الخطأ الفاحش الذي يقع فيه القائمون على العربية. يكفي للمتعاملين مع اللغة العربية ان يعرفوا الامور الاساسية والمهمة التي تمكّنهم من الحديث بعربية سلسلة وسليمة، ويتركوا الخلافات والحسابات المعقدة لـ\”الفراء\” و\”سيبويه\” واهل الاختصاص.

ان لغات المحيط غير العربي الذي يجاورنا من الشرق والغرب قد تأثرت كثيرا في البنية اللغوية للعربية باعتبارها لغة ناضجة ومتكاملة وهناك لغات تكاد تنسخ القواعد والاسس التي تتبناها العربية، فيما يتكاسل العرب انفسهم عن تعلم ايّ نوع من الضوابط اللغوية لذريعة او لأخرى. ذلك يحصل وسط تراجع ملحوظ في نشاط مجامع اللغة التي فضلت ان تقف مكتوفة الايدي امام هذا الزخم العولمي الهائل للمفردات اللغوية.

gamalksn@hotmail.com

إقرأ أيضا