نشطت في العقد الأخير جهود منظمات مدنية في تسليط الضوء على ظاهرة غاية في الحساسية ألا وهي \”ختان الإناث\” المستفحلة في إقليم كردستان. وصبت هذه المساعي في التوعية بخطورة هذه الممارسة التي تعد جريمة بحق الأنثى وعنفا متوارثا ضدها.
وكان برلمان كردستان أقر تجريم هذه الممارسة في المادة 6 من قانون العنف الأسري لسنة 2011. وفي مجتمع محافظ كالمجتمع الكردي كان صعبا التحدث علانية في خصوصيات المرأة وجسدها حتى أن البرلمان عندما طرح عليه قانون تجريم ختان البنات لمناقشته جرى تأجيل الموضوع عدة مرات لحساسيته، فاستمر السجال حوله من 2006 وحتى 2011. اثر ذلك كله انخفض ختان الإناث إلى النصف بحسب تقرير صدر عن اليونيسيف متناولا هذه الظاهرة بين 29 دولة تعد من أكثر البلدان ممارسا لها.
وأشار التقرير الجديد الصادر في واشنطن مؤخرا إلى أن 8٪ من نساء العراق في الفئة العمرية من 15-49 عاما تعرضن إلى شكل من أشكال التشويه وبتر الأعضاء التناسلية الأنثوية عندما كن صغيرات تتركز غالبيتهن العظمى في محافظات أربيل والسليمانية وكركوك.
لا موقف موحدا من المسلمين لتجريم ختان الإناث حتى الآن
البعد الديني (هل أجريتِ \”سُنت\” لابنتك) هكذا تسأل الجارة جارتها الأخرى في بعض المناطق الكردية، ومعنى السؤال \”أقمتِ بختان ابنتك\” والمصطلح \”سنة\” يعني الأفعال التي قام بها الرسول محمد دون إلزام، أي أنه من المستحب تنفيذها لكن ليست واجبة إسلاميا. ويُفهم من هذا أن ختان البنات يستند إلى أُسس دينية في كردستان، جنبا إلى جنب التقاليد العشائرية المغلقة المقاومة لأي محاولات تنويرية.
ويقول عدنان إبراهيم، أحد رجال الدين الرافضين لهذه الظاهرة رفضا قاطعا، لـ\”العالم الجديد\” إنه \”ثبت عن الرسول محمد عدم الأمر بختان أي من بناته الأربع\”، مؤكدا \”ليس هناك دليل واحد من القرآن أو السنة يقطع بمشروعية الختان أو يدعو إليه\”. بل يمضي الشيخ إبراهيم إلى أبعد من ذلك حين يصف ختان الإناث بـ\”عادة للجهلة والمهووسين\”. ويستشهد بقواعد فقهية منها \”الخراج بالضمان\”، و\”النعمة بقدر النقمة\” بما يعني أن المرأة هي التي تتحمل تبعات هذا اللقاء حملا وولادة فحقها مؤكد في الاستمتاع الجنسي المشروع، بعكس المفاهيم المستشرية في الثقافات الشرقية بأن المتعة حق الرجل وخاصة له.
على الجانب الآخر فإن الشيخ محمد حسان لا ينهى عن الأمر، متناقلا أحاديث تؤكد ختان البنات وهم فيما يبدو يدعون إلى \”الختان السُني\” الذي لا مضار له بخلاف الأنواع الأخرى التي يجب إدانتها بحسب تعبيرهم. فالمسلمون بمذاهبهم المتعددة لم يتوحدوا في موقفهم من ختان البنات، ولاسيما المذهب الشافعي الذي يتبنى الفكرة، وهو المذهب الذي يدين به الغالبية العظمى من مسلمي كردستان.
وفي هذا الخضم أخذت منظمة (وادي Wadi) وهي جمعية ألمانية غير حكومية على عاتقها بث التوعية والعمل على إيقاف ختان الإناث في كردستان، وشرعت في محاولات الحصول على فتوى من دار الإفتاء بالإقليم لكنها لم تفلح، بيد أن جهود المنظمة تكللت أخيرا بالحصول على داعم ديني في مصر (فتوى من الأزهر لتحريم الختان) فأرفقتها مع كتيبات التوعية التي تعمل على توزيعها في مختلف مناطق كردستان حيثما تنقل موفدوها بين بيوت القرى لتوعية الأهالي وتنبيههم بخطر ختان البنات.
الشرف خيار أخلاقي
ويقول إيهاب خراط، الأخصائي النفسي، إن الشرف لا يكون باقتطاع أجزاء وأطراف، بل هو نتاج خيار واع. ويبين أن الختان للإناث نتيجة خوف جاهلي من العار يشابه دفنها وهي حية، كما كان يمارس لدى العرب قبل الإسلام. ويسهب قائلا إن \”الختان جريمة تراثية تنتهك جسد البنت ارتكزت ممارستها قديما في بلاد حوض النيل وإفريقيا وتحت ستار الدين صارت تتسرب إلى بقية الدول، في هذه العملية يتم قطع جزء فعال بل جزء له وظيفة في جسم المرأة، وهي تختلف تماما عن عملية ختان الذكور، لأنه مع الأخير يتم بتر أجزاء ليست فعالة وبدون نهايات عصبية، أما مع الأنثى ففيها تتم إزالة أكثر الأجزاء حساسية، وبالتالي تفقد إمكانية حصولها على الاكتفاء الجنسي ولا تقل الرغبة الجنسية عندها\”.
ويشرح الدكتور أنه من الواجب التفريق بين فكرة العفة ومفهوم الشرف والرغبة الجنسية، إذ أن الختان كعملية لا يلغي الرغبة الجنسية التي تكمن في التفكير والعقل إنما هو يحرمها الاكتفاء حتى أنه قد يدفعها لممارسات منحرفة لأجل إشباع هذا النقص النفسي والجسدي. ويختم كلامه متوجها للمختونات من النسوة بقوله إن \”معاناتكم ليست سهلة، لكن يتحتم عليكن التعايش مع (الإعاقة) شأنها شأن أي إعاقة أخرى\”.
تبعات الختان
التبعات الصحية التي تتعرض لها الفتاة المختونة على المدى البعيد لا تنتهي عند المشاكل النفسية. وبحسب الطبيبة النسائية، نور سليمان، فان غالبية النسوة اللاتي خضعن للختان يعانين من مشاكل صحية مزمنة. وتشير إلى أن بداية المأساة هي عمليات الختان البدائية التي عادة ما تجريها عجوز القرية ولا يراعى غالبا مهارتها أو مدى القطع أو نظافة الآلات المستعملة. والحالة الصحية العامة للبنت وجميع أنواع البتر يحدث فيها مضاعفات أخطرها النزيف الذي قد يؤدي إلى الوفاة. وتجمل الطبيبة المشاكل الصحية التي تواجه المختونة \”الصدمة العصبية، الإضرار بالأعضاء المجاورة، التهابات، تشويه العضو، العقم، تعسر عملية الوضع عند الإنجاب، عسر الطمث، المخاطر العامة للجروح، إصابة غدتي بارولين\”. هذه المضاعفات تستدعي مراجعات مستمرة إلى العيادات الطبية النسائية التي تعد من أكثر العيادات ازدحاما وهي ظاهرة ملفتة قد تكون مترتبة على المشاكل الصحية والنفسية التي يتسبب بها الختان بل إن الحصول على حجز فيها قد يتطلب أسابيعا علاوة على أن تكاليفها مرتفعة. وتلفت الطبيبة إلى أن عمليات الختان بالمجمل تقام في البيوت وبإشراف داية (قابلة) عجوز بدون توافر أبسط شروط السلامة والصحة إلى جانب الحوادث التي تقع عرضيا في أثناء القيام بأعمال بدائية بهذا الأسلوب.
وتحدث فلاح مراد خان، منسق المشاريع في منظمة وادي الألمانية التي تهتم بحقوق الإنسان والأسرة وتعمل منذ ١٨ عاما في كردستان، لـ\”العالم الجديد\” قائلا \”نعمل منذ 9 سنوات في حملات توعية لإدانة ختان البنات عن طريق التغطية الإعلامية وفرقنا الـجوالة، وتتوزع جهودنا بين التنبيه لمضار ومساوئ هذه الممارسة وأيضا تقديم المساعدة الأولية للمختونات، نقابل الخاتنات ورجال الدين ونحاول إفهامهم بخطورة الموضوع علنا نردعهم عما يقومون به، وزعنا ٨٠ ألف مطبوع توعية في مختلف قرى ومدن كردستان ولمنظمتنا جريدتها الخاصة (حقوق المرأة)\”.
ويذكر مراد خان نتائج المسح الميداني الذي أجرته \”وادي: سنة ٢٠١٢ في كركوك كنموذج عن بقية مناطق العراق. وبلغ معدل ختان الإناث وفقا للمسح 38.2 من عدد نفوس الإناث في سن 14، وكبار السن 65% منهن كرديات، و26% عربيات، و12% تركمانيات. وينوه أيضا بأن للمنظمة اتصالا بطبيبة في الديوانية لها دلائل على وجود حالات ختان جنوب العراق.
ويبين مراد خان \”نعمل على حملة أوقفوا ختان الإناث في الشرق الأوسط في دول العراق وإيران واليمن والسعودية والإمارات (Stop FGM)، إضافة إلى أننا سننشر بيانات مسوح جديدة قمنا بها مؤخرا\”. ويروي العديد من القصص التي شهدها في أثناء عمله \”أتذكر أبا تقدم مني وعيناه دامعتان متألما على انه أجرى الختان لابنته قبل شهر من الآن وانه كان سيمتنع عنه لو أن الفرقة التوعوية وصلت القرية قبل شهر فهو أدرك الآن مضار ومخاطر هذه العملية\”, ويتابع \”لا يوجد دعم مادي لقضيتنا. نبذل جهودا جبارة بمبالغ زهيدة ولا نتلقى الدعم المادي الحقيقي لا من الحكومة ولا من اليونيسيف. إن أبسط وأكثر الطرق فعالية هي عبر بث فقرات توعية عن ختان البنات على التلفزيونات الحكومية وتوفير تسهيلات لتصوير كليبات تدعمها وزارة الصحة\”.
ويستطرد مراد خان قائلا إن \”للختان مشاكل لا يمكن حصرها فإننا نلاحظ عادة ما يفضل الرجل الكردي الزواج من فتيات لقوميات أخرى، إذ تسود فكرة برود النساء الكرديات. وهناك حالات كثيرة عن شباب ارتبطوا ولما اكتشفوا أن الزوجة مختونة تم الانفصال. مشاكل البرود بين الزوجين والاكتئاب تؤدي إلى الأمراض والانتحار\”.
وكان تقرير آخر صدر عن هيومن رايتس ووتس ذكر أن ختان الإناث يمارس بشكل رئيس في كردستان العراق.
وخصصت الأمم المتحدة منذ العام 2003 يوم 6 شباط من كل عام ليكون يوما عالميا لمناهضة ختان الإناث.