رحب مواطنون واقتصاديون بخطوة إعادة افتتاح الأسواق المركزية في بغداد والمحافظات، وفيما أكدوا أن هذه الأسواق تعزز القدرة الشرائية وتمنع تضخم الأسعار، لفتوا إلى أنها توفر المئات من فرص العمل للعاطلين وتضاعف إيرادات الدولة.
ومنذ أيار مايو الماضي، أعلنت وزارة التجارة عزمها إعادة إحياء الأسواق المركزية “أورزدي باك” المنتشرة في عموم المحافظات، بواقع 19 سوقا مركزيا تنتشر 9 منها في العاصمة بغداد، وذلك بعد الدمار الذي لحقها عام 2003.
وتأتي خطوة إعادة عمل الأسواق بعد تعطيل دام عقدين من الزمن بهدف ضبط الأسعار والتخفيض من التضخم، والمساهمة بتوفير متطلبات العيش للمواطنين خصوصاً الطبقة الفقيرة بعد الجشع الكبير الذي مارسه التجار، فضلاً عن خلق فرص عمل لآلاف العاطلين.
وتبدو الحماسة واضحة على محيا علي حسين (37 عاماً)، الذي يسكن في منطقة حي العامل ببغداد، حيث توضع اللمسات الأخيرة لإعادة افتتاح الأسواق المركزية هناك.
ويقول حسين، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “الأسواق المركزية تلعب دورا مهما في تخفيف العبء الاقتصادي على الفرد، فهي توفر السلع الأساسية بأسعار تنافسية مقارنة بالأسواق المحلية الصغيرة، مما يساعد العائلات ذات الدخل المحدود على تلبية احتياجاتها اليومية”.
ويردف، أن “التنظيم الجيد للأسواق المركزية يضمن استقرار الأسعار وتوفر السلع بشكل مستمر، مما يمنح المواطنين خيارات أكثر تنوعًا وبجودة أفضل”.
ويتابع أنه “على المستوى الاجتماعي، توفر الأسواق المركزية فرص عمل مباشرة وغير مباشرة لآلاف العاملين، بدءاً من التجار وأصحاب المحال، وصولاً إلى العاملين في مجال النقل والخدمات اللوجستية، كما أنها تعزز الأمن الغذائي من خلال ضمان وجود مخزون كافٍ من السلع الأساسية”.
وقبل ثلاثة أعوام، عاد الحديث حول تفعيل الأسواق المركزية في العراق نظرا للارتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية الأخرى، بعد تغيير سعر صرف الدينار أمام الدولار، وذلك كخطوة لدعم الطبقات المتوسطة والفقيرة في المجتمع.
وتأسست الأسواق المركزية في العراق عام 1981، وحملت تسمية “الاورزدي باك”، وضمت بضاعة في حينها من مختلف المناشئ العالمية، وتنوعت بين المواد الغذائية والأثاث والساعات والمواد الاستهلاكية الأخرى.
وتعرضت مباني الأسواق المركزية إلى التدمير في عام 2003، نتيجة لأسباب عديدة منها السرقة والقصف الذي تعرضت له من قبل قوات التحالف الدولي آنذاك.
وشهدت السوق العراقية ارتفاعا كبيرا بأسعار المواد الغذائية منذ ثلاثة أعوام، المرة الأولى بعد تغيير سعر صرف الدينار أمام الدولار، وهو ما تسبب برفع الأسعار نظرا لأنها جميعها مستوردة، وحتى المحلية منها فإن موادها الأولية مستوردة، والموجة الثانية للارتفاع جرت بعد الحرب الروسية-الأوكرانية، التي تسببت برفع الأسعار بشكل عالمي، خاصة بعد توجه العديد من الدول لمنع تصدير المواد الغذائية.
من جهته، يرى الباحث في الشأن الاقتصادي، طه الجنابي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الأسواق المركزية تمثل أداة لتعزيز القدرة الشرائية للمواطن ودعم استقرار الاقتصاد الوطني، ووجودها في العاصمة بغداد يشكل ركيزة أساسية لتحسين الوضع الاقتصادي للفرد والبلد على حد سواء”.
ويوضح أن “هذه الأسواق تساهم في تخفيف العبء المعيشي عن كاهل المواطنين من خلال توفير السلع الأساسية بأسعار مدروسة بعيداً عن تقلبات السوق واحتكار التجار”، مشيراً إلى أن “إعادة تنشيط هذه الأسواق يمكن أن يعزز القدرة الشرائية، لا سيما لذوي الدخل المحدود، عبر توفير بدائل اقتصادية للسلع المستوردة والمحلية، كما يمكن أن تلعب دوراً محورياً في ضبط الأسعار وتنظيم حركة السوق، مما يسهم في كبح معدلات التضخم”.
ويضيف الجنابي، أنه “على المستوى الوطني، تُعد الأسواق المركزية وسيلة لتعزيز الإيرادات غير النفطية عبر تحفيز التجارة الداخلية وخلق فرص عمل مباشرة وغير مباشرة”، مؤكدا أن “تطويرها سيعزز من كفاءة سلسلة التوريد، ما يضمن توفير السلع بكميات كافية وأسعار مستقرة، وهو ما يدعم الأمن الغذائي للعراق”.
ويخلص الجنابي إلى أن “الاستثمار في البنية التحتية للأسواق المركزية وتحسين إدارتها سيشكلان خطوة محورية نحو تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة والاستقرار الاجتماعي”.
وكان اقتصاديون كشفوا في تقرير سابق لـ”العالم الجديد”، عن وقوف جهات متنفذة وراء عدم عودة الأسواق المركزية، كونها تسيطر على التجارة ومراكز التسوق الخاصة “المولات” المنتشرة بعموم البلاد، في ظل دعوتهم لإعادة العمل بالأسواق المركزية لأنها ستكون مفيدة جدا للطبقات الهشة والفقيرة.