رحبت أوساط عراقية كردية بتصويت مجلس النواب، أمس الاثنين، على استحداث محافظة حلبجة شمالي البلاد، وفيما رأت أن تحويل قضاء حلبجة إلى محافظة هو أقل استحقاق للمدينة التي نكبت بالسلاح الكيمياوي عام 1988، تصاعدت المخاوف من احتمالية انتقال عدوى تقسيم المحافظات مناطقيا ومكوناتيا في عموم العراق، وسط حديث عن مدى قدرة الدولة على تحمل نفقات جديدة.
وتأمل المحافظة 19 والرابعة في كردستان العراق، أن تتمتع باستقلال إدارية وميزانية مالية، بعد أن صوت مجلس النواب أمس الاثنين، بأغلبية الحضور، على استحداثها كمحافظة.
ويقول القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني وفاء محمد كريم، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “التصويت على مدينة حلبجة كمحافظة، خطوة مهمة، وهو أقل ما يمكن أن تستحقه هذه المدينة التي قدمت تضحيات كبيرة ونالت تعاطف شعوب العالم بعد أن استخدم النظام الدكتاتوري السابق الأسلحة الكيمياوية ضدها وساهم بقتل أكثر من 6 آلاف طفل وامرأة بأسلحة محرمة”.
ويضيف كريم، أن “مجلس وزراء إقليم كردستان قرر منذ عام 2014 أن تصبح حلبجة محافظة، لكن هذا القرار كان يحتاج إلى موافقة بغداد، وفي كثير من المناسبات لم تنجح التوافقات السياسية في البرلمان الاتحادي بإتمام هذا الأمر، خاصة وأن مطالبات مماثلة انطلقت من بعض الكتل لجعل مناطق أخرى محافظات”.
وباعتبار أن حلبجة أصبحت محافظة، يشير القيادي في الحزب الديمقراطي، إلى أنها “ستتمتع بحوافز وامتيازات مالية ومعنوية وخدمات في هذه المدينة المنكوبة، كما سترتفع أسعار الأراضي والعقارات فيها وستكون هناك مشاريع ضخمة للبنى التحتية والعمران”.
ويتابع أن “إقليم كردستان أصبح بعد استحداث حلبجة يتكون من أربع محافظات، وهذا شيء مهم للكرد”، مشيرا إلى أن “أهالي حلبجة رحبوا بتصويت البرلمان الذي وصفوه بالتاريخي وثمنوا هذا الموقف الوطني والإنساني الذي حدث بمساعدة بعض الكتل والأحزاب في بغداد، متمنين أن تتكرر المواقف الإنسانية تجاه أي منطقة متضررة ومنكوبة”.
وأشعل قرار مجلس النواب بالتصويت على استحداث محافظة جديدة موجة واسعة من الجدل السياسي، وسط اتهامات بوجود خلل في النصاب القانوني وآلية التصويت، وحذر سياسيون، أمس الاثنين، من تبعاته، ملوحين باللجوء إلى المحكمة الاتحادية العليا للطعن بجلسة التصويت.
وقال النائب أمير المعموري، في تصريح صحفي، إن “ما يثير الاستغراب هو أن مجلس النواب قام باستحداث محافظة حلبجة دون النظر إلى محافظات أخرى، ولا نعلم ما هي المعايير التي تم اعتمادها في هذه الخطوة، كما أن منح البرلمان صلاحية لمجلس الوزراء في هذا الشأن يمثل تطورا خطيرا، وقد يؤدي مستقبلا إلى تقسيم المحافظة إلى أربع أو خمس محافظات”.
كما أعلنت كتلة “الصادقون” النيابية، عزمها التحرك لإقالة رئاسة مجلس النواب بسبب “الإدارة المخالفة لجلسة أمس”، فيما دعت كتلة بدر النيابية، إلى استحداث محافظة جديدة تضم تلعفر وسنجار وسهل نينوى، بهدف “إنقاذ المكونات العراقية من التهميش”، تعقيبا على استحداث حلبجة.
في الأثناء، انتقد عضو مجلس النواب، احمد الجبوري، في تغريدة على حسابه في “أكس” وتابعتها “العالم الجديد”، ما أسماه محاولات تقسيم نينوى إلى عدة محافظات على اساس طائفي وديني وقومي، محذرا من أن نجاحها سيكون “بداية لتقسيم العراق على اساس طائفي وديني وسيكون لقمة سائغة لابتلاعه من الدول الطامعة به وعلى الجميع التصدي لمشاريع التقسيم والتجزئة”.
من جهته، يعتبر المحلل السياسي المقرب من رئيس الحكومة، عائد الهلالي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “قضية تحويل حلبجة إلى محافظة تحمل بالفعل أبعادا أوسع من مجرد ترقية إدارية، وأولها البعد الرمزي والسياسي، فهذا التصويت يحمل طابعاً رمزيا كبيرا، خصوصا لما تمثله المدينة من مأساة إنسانية بعد قصفها بالكيماوي في 1988”.
ومن هذا المنطلق، “ينظر للقرار كاعتراف معنوي وتكريم للضحايا”، بحسب الهلالي الذي يرى في الوقت نفسه، أن “القرار قد يُقرأ من جهة أخرى خطوة ذات خلفية سياسية، سواء باتجاه تعزيز خصوصية مكونات معينة أو تقديم تنازلات لحكومات محلية”.
وبشأن مخاوف انتقال العدوى والرفض الذي ظهر من بعض الجهات، يعتقد أنه “ينبع من هاجس (السابقة)، فإذا تحوّلت حلبجة لمحافظة، فلا شيء سيمنع الأقضية الأخرى مثل تلعفر، سنجار، الشرقاط، أو الفاو من المطالبة بالاستقلال الإداري، وهنا الخوف من تفتيت المحافظات الحالية وتكريس الانقسام على أساس قومي أو طائفي أو مناطقي”.
وعن التداعيات الاجتماعية والاقتصادية لهذه القرار، يوضح الهلالي، أن “تقسيم المدن إلى محافظات جديدة قد يخلق تحديات مثل توزيع الموارد والميزانيات، ومدى قدرة الدولة على دعم محافظات أكثر، والجهوزية الإدارية لهذه المدن من خلال البنية التحتية والمؤسسات”، مضيفا أن “قرارات كهذي يمكن أن تؤدي اجتماعيا إلى خلق حساسيات بين مكونات داخل المحافظة الواحدة، خاصة إذا شعر البعض بالتهميش”.
أما عن التأثير السياسي، فيشرح المحلل السياسي المقرب من رئيس الحكومة، بالقول إن “محافظات جديدة تعني توازنات سياسية جديدة، مقاعد برلمانية، نفوذ حزبي محلي، وسلطة تنفيذية محلية، وهنا يبدأ الصراع على من يسيطر ومن يقرر”.
ويخلص الهلالي، إلى أن “القرار في ظاهره إنساني وسياسي موجه لحلبجة، لكنه يفتح بابا على نقاش أوسع وأخطر حول استعداد العراق لهيكلة إدارية جديدة من دون أن يكرّس الانقسام أو يضعف المركز، والجواب يعتمد على وجود رؤية شاملة، لا قرارات مجتزأة”.
وتسنمت نوخشه ناصح منصب محافظ حلبچة بالوكالة رسميا، مؤكدة على مواصلة التزامها بخدمة الشعب وأهالي المحافظة، إذ سلم وزير داخلية إقليم كردستان ريبر أحمد، ناصح مهام عملها رسميا بأمر من رئيس وزراء الإقليم مسرور بارزاني.
ويعد تسنم ناصح، لهذا المنصب أمرا يشهده العراق لأول مرة في تاريخه، حيث لم تتسنم هذا المنصب امرأة منذ تأسيس الدولة العراقية.
قانونيا، يشير الباحث علي التميمي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إلى أن “الدستور العراقي لم ينص على إجراءات التحول من الأقضية إلى محافظات ولا القانون 21 لسنة 2008 الذي ألغى بدوره القانون 159 لسنة 1969 الذي كان يتيح ذلك، وقيام بعض الأقضية بتقديم الطلبات يصطدم بعقبة عدم وجود النص القانوني الذي ينظم ذلك من حيث عدد السكان والمساحة والشروط الأخرى التي تعتمد في التحول”.
ويضيف التميمي، أنه “لا يمكن الاكتفاء بموافقة مجلس الوزراء على تحويل القضاء إلى محافظة، ولا بد من موافقة البرلمان وهو السلطة والقناة التشريعية الأولى، فهو من يقرر على ذلك بالتصويت بالأغلبية المطلقة على القبول، وقضية حلبجة مشروع قانون جاء من مجلس الوزراء إلى البرلمان وتم التصويت عليه”.
ويشير إلى أن “حلبجة مدينة مهيأ لها كل شيء لتكون محافظة من حيث الجغرافية والاقتصاد والسكان والموقع الجغرافي وحتى في إنتاج البضائع والسلع المختلفة والتطور الزراعي اللافت، كما أن عدد سكانها يتجاوز 125 ألف نسمة وتتكون من قضاء وأربع نواح، وبعد ما تعرضت له من تدمير من النظام السابق وإبادة جماعية موثقة، فهي مدعومة دوليا ومحليا”.
أما في بغداد والمحافظات، يوضح أنه “فلا يمكن تحويل أقضيتها إلى محافظات بوجود المادة 124 التي رسمت حدودها وأي تحويل للأقضية فيها إلى محافظات يحتاج إلى تعديل دستوري”، مشيرا إلى أن “البرلمان بحاجة أن يشرع قانونا خاصا بتحويل الأقضية إلى محافظات حتى نكون أمام حالة عامة للأقضية التي تروم التحول إلى محافظات وفق سياقات ثابتة وإجراءات محددة”.
وتقع مدينة حلبجة عند سفح منطقة هورامان الجبلية التي تمتد على الحدود الإيرانية العراقية، يحدها من الغرب نهر سيروان، ومن الشمال الشرقي سلاسل هورامان وشنروه، ومن الجنوب سلسلة بالامبو.
ووقعت المجزرة الشهيرة فيها في 16 آذار مارس 1988، عندما قصف نظام صدام حسين المدينة بالأسلحة الكيمياوية، ما أسفر عن مقتل أكثر من خمسة آلاف مدني، معظمهم من النساء والأطفال، وإصابة آلاف آخرين بجروح خطيرة، ما يزال العديد منهم يعانون من تبعاتها الصحية حتى اليوم.