ما بين الدعاوى السابقة التي حركها مكتب رئيس الوزراء السوداني بحق أطراف مختلفة، عُرف عنهم بالحديث عن أزمات البلاد وأحداثها، عاود مرة أخرى ليرفع دعوى قضائية ثانية بحق الباحث السياسي محمد نعناع بتهمة “القذف”.
وحينما نقول أن هنالك دعوى قضائية جديدة مرفوعة من قبل مكتب السوداني، لا يكون الأمر مفاجئاُ، فقد سبق وان قام مكتبه برفع دعاوى مختلفة بتهمة “القذف”، فيما اعتبرها آخرون محاولة ليس إلا يراد منها تكميم الأفواه.
وكشف مركز النخيل للحقوق والحريات الصحفية اليوم الاثنين 29 أيار 2023، عن قيام مكتب رئيس الوزراء محمد شياع السوداني برفع دعوى قضائية ثانية بحق الباحث السياسي محمد نعناع.
ويقول المركز إن “نعناع أبلغ مركز النخيل، إنه امتثل أمام محكمة تحقيق الكرخ بعد تدوين أقواله، اليوم الاثنين، بعد تلقيه بدعوى تبليغا يوم أمس الأحد، بالحضور بناءً على دعوى رفعها ضده مكتب رئيس مجلس الوزراء بجريمة القذف وفق أحكام المادة 433، مبينا ان المحكمة قررت اطلاق سراحه بكفالة مالية”.
ويعرب عن “شكره البالغ وتقديره للقضاء العراقي لتعاونه الكبير معه على مستوى الإجراءات”، مشيرا الى ان “تعامل القضاء كان اكثر من رائع”.
من جهته؛ “أبدى مركز النخيل للحقوق والحريات الصحفية استغرابه الشديد من استمرار هذه الدعاوى من قبل مكتب السيد رئيس مجلس الوزراء في وقت ينبغي أن يكون انموذجا في دعم حرية والصحافة والإعلام وحرية الرأي والتعبير، لافتا إلى ان هذه الدعوى تأتي في ظل إغلاق وتقييد عدد من حسابات وصفحات الإعلاميين والناشطين والمدونين على موقع الفيسبوك، وفقا للبيان”.
وفي وقت سابق، شهدت محافظة النجف، اعتقال ناشط ومدون بارز، بسبب انتقاده لتردي الواقع الخدمي بالمحافظة، في خطوة مكملة لسلسلة “تكميم الأفواه” التي تنتهجها السلطات في البلد، بحسب مراقبين، في ظل اعتقال ناشطين ومدونين في محافظات أخرى بينها واسط للسبب ذاته، لتضاف هذه الاعتقالات إلى التوجه الحكومي لمنع وصول المعلومة للصحفيين عبر معاقبة مسؤولين سربوا بعض الكتب الرسمية.
“العالم الجديد”، تواصلت مع الناشط أبو زين العابدين الحسناوي، من محافظة النجف، عقب إطلاق سراحه بكفالة، حيث يقول، إن “الهدف من انتقاد بعض المشاريع الخدمية، لم يكن التسقيط، بل تقويم العمل وتقديم ملاحظات مجانية إلى الأشخاص والجهات المسؤولة، لكن ونحن نقدم تلك المعلومات، نلاقي تهديدا وملاحقة لنا بسبب التعبير عن الرأي”.
ويبين الحسناوي “نواجه ضغوطات من خلال تفعيل مذكرات قبض بحقنا، بسبب الانتقاد للفشل والفساد للمشاريع الخدمية، دون المساس بأي شخصية، ورغم ذلك تتم ملاحقتنا من أجل إسكاتنا، وأنا حاليا أمام أكثر من دعوى قضائية، والبعض صدرت ضده مذكرات قبض لكن تم الإفراج عن بكفالة موظف بـ50 مليونا، وهذا كله من أجل ترهيبنا وإسكات صوتنا”.
ويؤكد الناشط البارز في النجف أن “تلك المحاولات لن تثنينا عن الدفاع عن مناطقنا وكشف المشاريع التي فيها إخفاق وفساد، ونحن نعمل على النقد البناء وليست لدينا أي نية من خلال هذا النقد الدخول بعالم السياسة، ونحن نستحق مكافأة، لما نقدم من معلومات للجهات المسؤولة لتقويم العمل، وليس الملاحقة والتهديد والوعيد”.
وشهد الشهر الماضي، حالات ملاحقة لمحللين سياسيين وناشطين، وأبرزها صدور أمر إلقاء القبض بحق المحلل السياسي، ليث شبر، وفق المادة 433 من قانون العقوبات العراقي، بناءً على دعوى رفعها مكتب رئيس الوزراء، وأساسها أن شبر تهجّم على رئيس الحكومة في أحد اللقاءات المتلفزة.
كما جرى اعتقال المحلل السياسي محمد نعناع، بناء على دعوى رفعها السوداني ضده عندما كان مرشحا لرئاسة الحكومة، بتهمة التهجم عليه ووصفه بأن السوداني شخصية “غير وطنية”، بالإضافة إلى تحريك السوداني، دعوى قضائية ضد محامية، بسبب تغريدة لها، انتقدت فيها أدائه الحكومي، وجرى استقدامها من قبل القضاء، ثم أطلق سراحها بكفالة.
وفي واسط، جرى اعتقال ناشطين بارزين الأسبوع الماضي، وحاول مراسل “العالم الجديد” التواصل معهم، لكنهم رفضوا الإدلاء بأي تصريح لوسائل الإعلام، وحسب قولهم “حتى لا يتم تعقيد القضايا المرفوعة ضدهم”.
وأكدوا في حيدث مقتضب، أن “هناك وعودا تلقوها من الجهات التي رفعت دعاوى ضدهم، بغلقها مقابل استمرارهم بالصمت وعدم التحدث لوسائل الإعلام”.
وكانت منظمة اليونسكو، حذرت يوم أمس الخميس، بمناسبة بدء اعمال القمة الدولية للفن والثقافة، من تعرض الصحفيين والفنانين الى استهداف في مناطق واسعة وخصوصا العراق، موصية الأمم المتحدة باتخاذ ثلاث خطوات لحمايتهم، أولها اعلان الفنانين في إطار التعبير الحر عن الفن جماعة ضعيفة معرضة للخطر وبحاجة الى اهتمام خاص، وإطلاق برنامج دعم واسع للصحفيين والفنانين يهدف لحماية أعمالهم والمساحات الفنية والثقافية التي يعملون بها، وأخيرا إطلاق برامج لاعادة بناء النظم القضائية والعوامل القانونية لحمايتهم خلال التحقيقات والمحاكمات.
يشار إلى أن المادة 38 من الدستور تنص على أن: تكفل الدولة، بما لا يخل بالنظام العام والآداب: أولاً:- حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل. ثانياً:- حرية الصحافة والطباعة والإعلان والإعلام والنشر. ثالثاً:- حرية الاجتماع والتظاهر السلمي، وتنظم بقانون.
جدير بالذكر، أن جميع هذه القوانين والقرارات الحالية ما زالت تستند إلى مواد في قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969، وفي الفترة الأخيرة جرى الاستناد إلى المادة 403 من القانون الخاصة بخدش الحياء.
يذكر أن المواد في قانون العقوبات العراقي، والخاصة بإهانة السلطات، كانت تستخدم بشكل واسع خلال فترة النظام السابق، وسبق أن أصدر الحاكم المدني للعراق بول بريمر في 10 حزيران يونيو 2003، أمرا بإيقاف استخدامها، لكن أمر بريمر ألغي في ما بعد من قبل الدولة العراقية.
ومنذ فترة حاول البرلمان تمرير قانون حرية التعبير عن الرأي والتظاهر السلمي، حيث أدرجه على جدول أعماله قبل أن يرفع منها بضغط من بعض الكتل السياسية، ويأتي ذلك بعد طرح قانون جرائم المعلوماتية، الذي رفع من جدول الأعمال بضغط أيضا.