بالرغم من مرور أكثر من عقدين على “التجربة الديمقراطية” في العراق، إلا أن الزيادة المطردة في أعداد الأحزاب السياسية باتت ظاهرة مقلقة للمراقبين، فقبيل كل انتخابات تشريعية تسجل المفوضية العليا مزيدا من الأحزاب الجديدة التي يشبهها بعضهم بـ”الدكاكين”، لأنها تغلق بعد ظهور النتائج وإطلاق التحالفات، فيما يعزو المراقبون تلك الظاهرة لجملة أسباب، منها التغير المستمر قي قوانين الانتخابات، وإقدام الكتل الكبيرة على إنشاء أحزاب ظل تستفيد من أصواتها.
ويقول رئيس الفريق الإعلامي للمفوضية العليا للانتخابات عماد جميل، في حديث لـ”العالم الجديد”، إن “عدد الأحزاب المجازة، بانتهاء فترة التسجيل التي انتهت يوم الخميس الماضي، وصل إلى 343 حزبا، أبدى 118 منها رغبته بالمشاركة في الانتخابات النيابية، فيما يبلغ عدد الأحزاب قيد التأسيس 60 حزبا”.
ويضيف جميل، أن “تسجيل الأحزاب يتم بشكل قانوني، وأن جميع المعايير متحققة في الأحزاب المسجلة، ويحق لجميعها تقديم قوائم مرشحيها اعتبارا من (يوم غد) 25 أيار مايو الحالي، ولغاية 24 حزيران يونيو المقبل”.
وبشأن تأثير كثرة عدد الأحزاب المشاركة في الانتخابات على صعوبة عمل المفوضية، يشير رئيس الفريق الإعلامي، إلى أن “المفوضية جاهزة لجميع التحديات وأن موضوع عدد الأحزاب متوقع وطبيعي في العراق، ولن تكون هناك أية صعوبة في التعامل مع هذه القضية، سواء في تسجيلها أو في الاقتراع العام”.
وكانت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، قررت يوم الاثنين الماضي، تمديد فترة تسجيل التحالفات والأحزاب والقوائم المنفردة للمقاعد العامة ومقاعد المكونات للراغبين بالمشاركة في انتخابات مجلس النواب 2025 لغاية نهاية الدوام الرسمي ليوم الخميس.
ومع نهاية الفترة، أعلنت دائرة شؤون الأحزاب والتنظيمات السياسية، الموقف النهائي لعملية تسجيل التحالفات السياسية، وذلك ضمن المهلة الزمنية المقررة لتقديم طلبات التسجيل، وقالت إن عدد التحالفات السابقة بلغ 66 تحالفا، وعدد التحالفات التي حصلت على شهادة المصادقة من قبل مجلس المفوضين 5 تحالفات، وعدد التحالفات بانتظار المصادقة من قبل مجلس المفوضين بلغت 11 تحالفا، وعدد التحالفات التي أبدت رغبتها بالمشاركة في الانتخابات 25 تحالفا، وعدد القوائم المنفردة التي قدمت طلب إبداء الرغبة بالمشاركة 16 قائمة.
من جانبه، يرى الخبير الانتخابي، والعضو السابق لمجلس المفوضية، عادل اللامي، في حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الأعداد الكبيرة للأحزاب المسجلة التي تمتلك الحق في ممارسة العمل السياسي، حالة تظهر مع كل بداية تجربة، لكنها سرعان ما تأتلف مع أحزاب كبيرة، وتتناقص بمرور الزمن، أما في العراق فيحدث العكس، إذ تتزايد الأحزاب مع كل انتخابات بما يشبه الدكاكين، وتتكاثر دائما”.
ويرجع اللامي سبب ذلك، إلى أن “قانون الانتخابات في العراق متغير وغير ثابت، ولا يمكن أن تقاس عليه إمكانات الحزب بالفوز والخسارة، كما أن كل حزب لا يعرف حجمه الانتخابي، لذا تتكاثر هذه الأحزاب، ومن ثم تدخل في ائتلافات”.
وبالإضافة إلى ذلك، يشير إلى أن “الأحزاب الكبيرة ترحب دائما بانضمام الأحزاب الصغيرة، لأن الأخيرة تجمع لها الأصوات، حتى وإن لم تصل إلى مقعد، لكنها تستفيد منها في قائمة الائتلاف”.
كما يذكر عضو المفوضية الأسبق، أن “العراق لا يمتلك نضجا سياسيا حزبيا، إذ لا يدخل الحزب معارك انتخابية ويفوز فيها بحكمة، لذا ترى أن أعداد الأحزاب كبيرة والأصوات مشتتة، وتذهب إلى الكتل الكبيرة”، لافتا إلى أن “القانون يبيح تشكيل الأحزاب، والكتل الكبيرة تشجع على هذا حتى تستفيد من أصواتها”.
وكان النائب السابق محمد سلمان، أكد أن كثرة الأحزاب في العراق يعكس حالة من التشظي والانفلات السياسي، داعيا إلى تعديل قانون الأحزاب في العراق أسوة بدول العالم، من خلال عدد الأصوات الحاصل لها الحزب في الانتخابات السابقة، من أجل التسجيل، والمشاركة في الانتخابات.
وأكدت مفوضية الانتخابات العراقية من جانبها، أن القانون الحالي لا يربط عدد الأحزاب بعدد المقاعد البرلمانية، وأن لكل حزب الحق بترشيح عدد من الأفراد يعادل ضعف عدد المقاعد، ما يعني أن وفرة الأحزاب لا تتناقض مع الإطار القانوني، لكنها تثير قلقا سياسيا واسعا.
واستند الرد على هذه الظاهرة، إلى دعوات متكررة من خبراء قانونيين وسياسيين بضرورة تعديل قانون الأحزاب رقم 36 لسنة 2015، خصوصا بعد مرور عشر سنوات على إقراره.
واشتدت المخاوف من أن يتحول المشهد الحزبي في العراق، إلى مساحة لتسجيل الكيانات الورقية أو المتاجرة بالمشاركة الانتخابية، خصوصا في ظل تزايد التحالفات الجديدة التي بلغ عددها 66 تحالفا حتى أيار مايو الجاري.
من جهته، يرجع المحلل السياسي غالب الدعمي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، هذه الزيادة الملحوظة في أعداد الأحزاب إلى “عدم وجود مانع قانوني من أن يكون هناك عدد كبير من الأحزاب”.
لكن “الأحزاب الكبيرة هي من أسست أحزاب ظل صغيرة لها” وفقا للدعمي، الذي يشير أيضا إلى أن “نحو نصف هذه الأحزاب المسجلة هي أصلا كيانات متفرعة ومنشطرة من الأحزاب الكبيرة التي تعمل لها وتمول من قبلها”.
فضلا عن ذلك، يعتقد أن “هذه الأحزاب بالنتيجة ستأتلف قبيل الانتخابات، وسيكون عددها أقل بكثير، ومع هذا لا يوجد بلد كالعراق قياسا بكثافته السكانية لديه هذا العدد المسجل من الأحزاب، إذ يرغب نحو 120 حزبا منها بخوض الانتخابات”، لكنه يرجح “فوز نحو 15 حزبا على أكثر تقدير في النهاية”.
وكان المحلل السياسي، محمد علي الحكيم، رأى في تقرير سابق لـ”العالم الجديد”، أن “كثرة الأحزاب السياسية في العراق سببه القوى السياسية المتنفذة التي عملت على تأسيس قوى ناشئة رديفة لها، وهذه القوى بالتأكيد تعمل على تشتيت أي أصوات تريد منافسة حقيقية لهذه القوى التقليدية في أي انتخابات تجري”.
وأشار إلى أن “نسبة كبيرة تقدر بـ70 بالمئة من الأحزاب الناشئة والجديدة هي واجهات لجهات وشخصيات سياسية متنفذة، وهذا الأمر أصبح مكشوفا لدى الجميع، ولهذا نرى أن هناك تزايدا كبيرا في أعداد الأحزاب المسجلة بشكل رسمي لدى دائرة الأحزاب، وأكيد هذه الأحزاب لها أجندات تنفذها لصالح تلك القوى والشخصيات الداعمة لها”.