لا تزال الأرقام المتعلقة بظاهرة العنف الأسري في العراق في تصاعد مستمر، حتى أصبح تداول الأخبار التي تتحدث عن هذه الظاهرة الخطيرة أمرا طبيعيا بالنسبة للعراقيين والتي تعكس وجود تفكك في أوضاع الأسرة العراقية، وسط إحباط من ضعف إجراءات الحكومة والمجتمع لمواجهة هذه الكارثة، في حين يبقى الأطفال الضحية الأولى من تلك الصراعات الأسرية.
وفي أرقام مرعبة، أفاد رئيس المركز الاستراتيجي لحقوق الانسان في العراق فاضل الغراوي، اليوم الأحد، بأن العام 2024، شهد العالم استمرارًا مقلقًا في ظاهرة العنف ضد الأطفال، مع تسجيل أرقام قياسية في عدد الضحايا والانتهاكات.
وتؤدي حالات العنف الأسري، في كثير من الأحيان إلى زج الأطفال في الشارع للعمل وترك دراستهم، ما يفقدهم براءتهم في سن مبكرة وجعلهم عرضة للتحرش أو الاستغلال، أو ضحية لعمليات الاتجار بالبشر.
ووفقًا لتقرير صادر عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، يعيش ما يقرب من واحد من كل خمسة أطفال في مناطق نزاعات، أي أكثر من 473 مليون طفل، وهو أعلى رقم منذ الحرب العالمية الثانية.
وقد تضاعفت نسبة الأطفال الذين يعيشون في مناطق النزاعات من 10% في التسعينيات إلى 19% في عام 2024. في عام 2023، تحقق الأمم المتحدة من 32,990 انتهاكًا جسيمًا أثرت على 22,557 طفلًا، مع توقع زيادة هذه الأرقام في عام 2025.
وبحسب الغراوي، فإن “ظاهرة العنف ضد الأطفال في العراق ارتفعت في عام 2024-2025، ووفقا لإحصائيات وزارة الداخلية في عام 2024 فقد سجل 14 الف دعوى عنف أسري وكانت غالبية هذه الحالات تتعلق بالعنف البدني”.
ومن بين هذه الحالات، كانت نسبة الضحايا من الإناث 73%، بينما كانت نسبة الذكور 27%، بالإضافة إلى ذلك، أظهرت دراسة أجرتها الوزارة على مدى خمس سنوات (2019-2023) ارتفاعًا في ظاهرة العنف الأسري، مع تسجيل أعلى نسبة من هذه الجرائم في العاصمة بغداد بنسبة 31%.
وأضاف الغراوي، أن “نسبة الاعتداءات على الأطفال في عام 2024 قد ارتفعت وأن الاعتداءات المسجلة من قبل الوالدين تشكل حوالي 6% من إجمالي حالات العنف الأسري في البلاد”.
وبالمقارنة مع الأعوام السابقة، يتضح أن ظاهرة العنف ضد الأطفال في تصاعد مستمر، ففي عام 2020، أعلنت وزارة الداخلية العراقية عن وقوع 12 ألف حالة عنف منزلي، وفي النصف الأول من عام 2022، تم معالجة 55 حالة تعنيف للأطفال، بالإضافة إلى إعادة 62 فتاة هاربة ورصد 22 طفلًا هاربًا.
وأشار الغراوي، إلى أن “هذه النسبة من الأرقام قد لا تعكس الواقع بالكامل، نظرًا لعدم الإبلاغ عن العديد من حالات العنف ضد الأطفال بسبب الوصمة الاجتماعية أو الخوف من الانتقام”.
وطالب الغراوي، الحكومة والمؤسسات المعنية بـ”اتخاذ تدابير عاجلة وشاملة لحماية الأطفال من جميع أشكال العنف، بما في ذلك تعزيز التشريعات الوطنية، وتوفير الدعم النفسي والاجتماعي للضحايا، وزيادة الوعي المجتمعي حول مخاطر العنف وآثاره السلبية على الأجيال القادمة”.
وأعلنت مديرية حماية الأسرة والطفل، أمس السبت، القبض على جد عنف حفيدته بشدة في كربلاء، وذلك بعد أن تناولت مواقع التواصل الاجتماعي فيديو تتعرض فيه طفله الى التعنيف الشديد، حيث تم اعتقاله بمذكرة قبض وفق (مادة 396، محاولة لواط وتعنيف)”.
وتتزايد حالات العنف الأسري في العراق بصورة مقلقة ومضطردة، دون أن تلوح في الأفق بوادر انفراج في ظل عدم وجود قانون يحد منها ويحمي ضحايا هذا العنف، وهم في غالبهم من النساء و الأطفال.
وتناقل ناشطون على مواقع التواصل الإجتماعي، في تشرين الثاني نوفمبر 2024، مقطع فيديو لأب وهو يقوم بضرب طفله الرضيع حتى الموت، الأمر الذي أثار سخط العراقيين حول غياب قانون مناهضة العنف الأسري في العراق.
وينتظر مشروع قانون مناهضة العنف الأسري في العراق المصادقة عليه في مجلس النواب منذ أكثر من 4 سنوات على إقراره من قبل الحكومة، بينما تشهد البلاد ارتفاعا ملحوظا في نسب الجرائم الناجمة عن العنف الأسري.
ويتعامل القضاء العراقي مع حالات العنف الأسري وفق المادة (41- 1) من قانون العقوبات رقم (111 لسنة 1969)، الذي ينص، على أنه “لا جريمة إذا وقع الفعل استعمالا لحقٍ مقرر بمقتضى القانون، ويعتبر استعمالا للحق: 1–تأديب الزوج لزوجته وتأديب الآباء والمعلمين ومن في حكمهم الأولاد القصر في حدود ما هو مقرر شرعاً أو قانوناً أو عُرفاً”.
كانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) قد حذرت من تبعات العنف المتمادي ضد الأطفال العراقيين، والذي يبلغ مستويات خطيرة، حيث ذكرت المنظمة في تقاريرها أن أربعة من بين كل خمسة أطفال في العراق يتعرضون للعنف والضرب.
وأثار مشروع تعديل المادة 57 من قانون الأحوال الشخصية العراقي الذي أقر مؤخرا، جدلاً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي وتحت قبة البرلمان، ويأتي هذا الجدل كون تعديل هذه المادة سيقضي بحضانة الطفل للأب، وهو ما يدفع إلى استغلال الأطفال في الخلافات الأسرية، ويزيد من حالات الطلاق في البلاد، وفق مشرعين.
وكان المحامي احمد الأعرجي، أكد في تقرير سابق لـ”العالم الجديد”، أن “ضعف تطبيق القانون له الدور الأكبر في زيادة نسبة الجريمة، ما يؤدي الى حالة من الانفلات الأمني، وبالتالي تعكس نتائج سلبية، بالإضافة الى أن المجتمع العراقي يعاني من ضعف الثقافة القانونية، ونحن بحاجة الى إضافة مادة الثقافة القانونية لإحدى المراحل الدراسية لتوعية الشارع”.
وفيما يخص قانون مناهضة العنف الأسري، يشير الأعرجي، الى أن “القانون موجود بالنسبة للعنف الأسري ومراكز شرطة الأسرة قائمة بأدوارها، لكن ليس بالمستوى المطلوب، ونحتاج الى تعديلات بما يتلاءم وتطور الاوضاع”.
وكشفت احصائية رسمية صادرة عن وزارة الداخلية العراقية في العام 2023 عن تنامي العنف الأُسري بأشكاله كافة في العراق، وقد وصلت إلى 100 حالة في العاصمة بغداد فقط.
وقد بلغت حالات القتل والتعنيف بناء على احصائية وزارة الداخلية خمسة آلاف حالة عنف أسري في النصف الأول من العام الماضي، حيث كشف مؤخرا مجلس القضاء الأعلى عن 17 ألف حالة عنف أسري خلال عام واحد”.
وأقرت الحكومة في عام 2020، مشروع قانون مناهضة العنف الأسري داخل مجلس الوزراء، وأرسلته إلى مجلس النواب الذي لم يتمكن من إقراره وسط تجاذبات ومخاوف وعراقيل من قبل الكتل السياسية المتنفذة التي تنطلق من أيديولوجيات دينية، بحجة أن القانون تقليد لقوانين غربية، ويمنح المرأة حق الحصول على رعاية حكومية، وهو ما تراه تلك الأحزاب يشجع النساء على التمرد.
وتتيح المادة 41 من قانون العقوبات للزوج والآباء والمعلمين حق التأديب في حدود الشرع والقانون، بحسب الخبير القانوني علي التميمي، منبهاً إلى أن “نص المادة المذكورة فضفاض يُساء استخدامه ويجعل المحكمة مُقيّدة في المساءلة، وتم الطعن في هذه المادة أمام المحكمة الاتحادية لمخالفتها المواد 14 و29 و30 من الدستور لكنها ردت”.