يحظى ملف اليمن بإهتمام بالغ في الأوساط الخليجية التي تراقب أولا بأول التطورات في الشأنين الداخلي والخارجي لليمن، لما لها من انعكاسات مباشرة على المنطقة، حيث يمثل اليمن البوابة الجنوبية لشبه الجزيرة العربية. ومن المؤكد أن الدول الخليجية تعتبر نفسها معنية بالدرجة الأولى بأي تطورات سلبية تحدث في هذا البلد، لأن من شأنها أن تؤثر في أمنها القومي بصورة مباشرة بحكم الجوار الجغرافي، ولاسيّما أن اليمن يمثل الحلقة الأضعف في السلسلة الأمنية لدول الخليج العربي. وفي إطار ذلك فإن السيطرة شبه الكاملة للحوثيين على العاصمة صنعاء وضعت اليمن في مفترق طرق وأثارت علامات استفهام خاصة إذا أصر الحوثيون على استمرار التصعيد ورفضهم ما تم الإتفاق عليه وعدم تسليمهم للأسلحة التي استولوا عليها من الجيش اليمني. والسؤال الذي يفرض نفسه هنا، هل سيفتح تعنت الحوثيين على حرب أهلية تحول اليمن إلى دولة فاشلة؟ وما تأثير ذلك في ترتيبات خارطة النفوذ الإقليمي بالمنطقة وخاصة الخليج العربي؟
الأزمة في اليمن ليست جديدة، وتقدم التيار الحوثي نحو صنعاء بعد استيلائه على محافظتي صعدة وعمران شمالاً ليس من الأسرار، ولكن ما هو مفاجئ فشل كل جهود التسوية ولجان المصالحة. ومن هذا المنطلق يسعى الحوثيون لـ\”تفجير الحقل السياسي بهدف إلغاء المبادرة الخليجية وخلق وضع جديد\”، وبالتالي فإن وصولهم إلى السلطة بهذه الطريقة \”القوة\”، سيقود البلاد إلى مرحلة الوصايات والتدخلات الخارجية.
وهنا لابد من القول إن اليمن يعاني من عدة مشكلات أساسية تتمثل في الحوثيين كجماعة أقوى من الدولة وتكاد تفرض سيطرتها على كل اليمن بقوة السلاح، بالإضافة الى الحراك الجنوبي الذي يريد الانفصال عن اليمن والعودة إلى ما قبل عهد الوحدة حيث أن هناك تياراً كبيراً من الجنوبيين يحاول استغلال الأوضاع الراهنة لتحقيق رغبته في الانفصال، فضلاً عن عدم القدرة على تحقيق الانتقال السلمي للسلطة والتحول الديمقراطي واكتمال بناء الدولة وعودة الأمن والاستقرار.
واليوم تلتف طوق الأخطار الأمنية حول الخليج من شماله حيث التمدد الداعشي والتحالف الدولي المحتشد ضده، ومن الجنوب اليمني برزت حركة الحوثيين لتقلب موازين المشهد الإقليمي وتربك الحسابات السياسية في المنطقة. هذه الأحداث المفصلية التي نشهدها اليوم وستتكشف تطوراتها الكبرى في الأيام المقبلة هي أحداث تمس الحدود والوجود لدول مجلس التعاون الخليجي، وبالأخص السعودية والبحرين والإمارات، حيث قد تشجع الأقليات الموجودة في تلك الدول، لأن تحذو حذو الحوثيين، وتخرج ضد الأنظمة الحاكمة، كما أن محاولة الحوثيين للسيطرة على العاصمة، واقترابهم من حكم اليمن، موجه بالأساس إلى السعودية كمحاولة لتطويقها من جهة الجنوب، فإذا تمكن الحوثيون من السيطرة على اليمن، فإن السعودية ستكون في مرمى نيرانهم فقد أصبحوا قوة عسكرية مؤثرة ومهددة لدول الخليج، لاسيما وأن الحوثيين يرتبطون بعلاقات قوية مع القوى الشعبية السعودية، وهناك اتصالات وتنسيق بينهم، ما يجعل أي انتصار أو تقدم يحققونه، عامل قوة لهذه القوى داخل السعودية، الأمر الذي يجعل السعودية شريكاً أساسياً في مواجهة الحوثيين بجانب الحكومة اليمنية.
ميدانياً يبلغ أن طول الشريط الحدودي بين اليمن والسعودية (1500 كيلومتر) يسمح بعمليات التسلل بشكل تصعب السيطرة عليه، وعبر هذا الشريط يتم تهريب الأفراد والأسلحة والذخائر والممنوعات إلى داخل المملكة، ومن شأن مثل هذه العمليات أن تثير قلقاً لدى السعوديين في مختلف مناطق المملكة، وهذا بالطبع ما سوف يوسّع العمليات الحربية، ويهدد الأمن الداخلي للمملكة. فتبدل خريطة التحالفات الخليجية واستمرارها جاء في لحظة سياسية إقليمية ودولية حساسة لم تغب عنها البصمات الإيرانية، فهي تحمل رسائل متعددة الاتجاهات مفادها أن أذرع إيران المنتشرة في الخليج قادرة على الحراك عند اللحظات السياسية الحاسمة، وأكثر من ذلك فهي قادرة على خربطة اللعبة برمتها على غرار ما حصل في غزة وفي بعض المحافظات السورية، فضلاً عن لبنان وغالبية دول الخليج التي تضم مواطنين شيعة كالبحرين والكويت في مشهد يؤكد أن الاختلاف والتوتر بين إيران والسعودية لم ينته بعد.
ومن هذا المنطلق تسعى دول الخليج إلى الحلول الدبلوماسية كي لا تتصادم مع إيران، وتحويل المنطقة إلى ساحة حرب إقليمية، فأي خلل أمني تتعرض له إحدى دول مجلس التعاون، يمكن أن ينتقل إلى بقية دول المجلس، ولا أعتقد أن ثمة في الخليج اليوم من يعوّل على القوات الأميركية، ذلك أن واشنطن سوف تفكر أكثر من مرة حتى لا تعيد تجربتي أفغانستان أو العراق في جبهة أخرى.
لا أعتقد أن الوصول الى أي تسوية تحقن الدماء سيكون سهلاً، فالبلاد مقدمة على المزيد من الانهيار والحرب الأهلية الدموية، وهنا ألقي اللوم على الدول الخليجية التي تحركت في كل الاتجاهات إلا نحو اليمن وتنميتها، فقد قدمت أكثر من 25 مليارا لمصر، ودخلت في الحلف الأميركي لمحاربة تنظيم \”الدولة الإسلامية\”، ومولت المعارضة السورية ودربتها، ولكنها لم تفعل شيئاً بالنسبة إلى اليمن وشعبه وثورته السلمية، بمعنى أن الحرب الأهلية في اليمن تشكل خطرا أكبر على السعودية ودول الخليج الأخرى من تنظيم الدولة الإسلامية سواء في سورية أو العراق.
أمام دول الخليج خياران بالنسبة للتعامل مع الحوثيين في شمال اليمن، إما المهادنة معهم، وهذا قد تتضرر منه دول الخليج، أو الدخول في مشاكل باليمن الشمالي وخلق واقع غير مستقر. وفي العموم فان مستقبل الأحداث في اليمن مرهون بما سيقوله مجلس الأمن خلال جلسته المقبلة بخصوص الأزمة اليمينة.
يجب على جميع الأطراف المتصارعة في اليمن تغليب المصلحة الوطنية وتجنب الإثارة والتحريض والتمسك بنهج سياسي يجنب اليمن الانزلاق إلى حالة من الفوضى والعنف التي تهدد أمن اليمن واستقراره ووحدته والعمل على استكمال تنفيذ مخرجات الحوار الوطني وتعزيز العملية السياسية التي جعلت اليمن نموذجا يشار إليه لحل الخلافات سلميا في المنطقة.
* د. خيام الزعبي: باحث سوري متخصص في العلاقات الدولية، Khaym1979@yahoo.com