أتاح الاتفاق بين مجموعة 5+1 وإيران هامشا اقتصاديا كبيرا ومطلوبا لايران رغم محدوديته في الوقت الحاضر، إلا ان التغيير في صورة النظام الايراني وصعود مرشح قريب للاصلاحيين كالسيد حسن روحاني أنتج أثره وكان رهان المرشد على خامنئي والمؤسسة الدينية في محله ما حدا بالمرشد بعث رسالة ارتياح لنتيجة ما سمي بالاتفاق، وهو فعل نادر من رأس المؤسسة الدينية والسياسية التي درجت على استعمال مصطلح \”الشيطان الأكبر\” و\”الموت لأمريكا\”. التسوية أولية وقد ضمنت فيها ايران مكاسب \”منعشة\” اقتصاديا، وهي التي عانت اقتصادا مأزوما طيلة الفترة السابقة (حكم المحافظين) رغم جهودها الحثيثة للتملص منها إلا أن آثارها كانت مؤلمة على الناتج القومي الإجمالي وانخفاض العملة وارتفاع معدلات البطالة، فمقابل خفض نسبة التخصيب الى مستوى دون المستوى اللازم لانتاج السلاح النووي والسماح لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بزيارة المفاعلات ونشر أجهزة المراقبة داخلها وتوقيف لبعض أجهزة الطرد المركزي، انتزعت ايران ضمنا حقا بقي مثار جدل بين الدول العظمى لفترة طويلة وهو \”حق التخصيب\” الذي سارع جواد ظريف وزير الخارجية الايراني لإعلان اعتراف المفاوضين به، التصريح الذي سرعان ما نفته الأطراف المفاوضة الأخرى، اضافة الى التخفيف من بعض العقوبات الاقتصادية وعدم فرض عقوبات جديدة لمدة ستة أشهر اذا راعت ايران التزاماتها، فتخفيف العقوبات على قطاعات الذهب والمعادن النفيسة والسيارات والصادرات البتروكيماوية يتيح لايران واردات تقارب المليار ونصف المليار دولار، والسماح بنقل 4.2 مليار دولار من حصيلة مبيعات النفط الايراني وتوقعات بارتفاع الناتج القومي الاجمالي ليبلغ مثيله في الدول الاقليمية ومكسب مهم آخر لما يحققه النظام داخليا من مصداقية لدى الشعب الإيراني.
لا يخفى أن ايران أنشأت مؤسسات اقتصادية بديلة، وحافظت على علاقات مع عدد من الدول، وأغرت أخرى ببيع النفط بسعر منخفض، فعلاقاتها الاقتصادية المتميزة ومستويات التبادل التجاري المرتفعة مع أصدقائها من دول المنطقة واستمرارية القطاع السياحي أسهمت في الحد من أزمة الاقتصاد ليأتي قرار تخفيف العقوبات الأولي كشريان يمد الاقتصاد والنظام الإيراني بمزيد من عوامل النهوض في المنطقة ويقوي فرص تعزيز النفوذ الإقليمي، فلم يمر الاتفاق على نسب التخصيب بعد أن انتزعت \”جوهر الحق\” دون تسوية مع الولايات المتحدة الطرف الأبرز في مفاوضي إيران تتعلق بفرض شروط ايرانية في نفوذها في العراق وسوريا ولبنان.
السعودية خصم ايران الأبرز في المنطقة بادرت الى استنكار الاتفاق حين قال رئيس مجلس الشورى لديها بان \”النوم سيجافي المنطقة\” فأزمعت بذلك السعودية التي تعيش أسوأ أيامها على دق ناقوس خطر دول مجلس التعاون الخليجي بعد ارتفاع العداء مع إيران لمدياته القصوى بقصف ميليشيا جيش المختار الموالية لإيران داخل العمق السعودي هذه المرة منذرا بانتقال صراع النيابة بينهما الى صراع مباشر يستهدف عمق البلدين مع بقاء صراع الساحات الاقليمية بينهما الآن، وكوابح هذا التصعيد ايرانية أكثر منها سعودية خشية العزلة المذهبية.
إسرائيل من جانب آخر اعتبرت التسوية خطأ تاريخيا، وهي لا تختلف عن السعودية بعد تزاوج سياستهما الخارجية في الاقليم، وتجاه ايران ترى ان الاتفاق جرى على حسابها وتضمن اعترافا واضحا بايران كقوة اقليمية بعد نجاحها الدبلوماسي اللافت بتغطية سياسية من روسيا والصين.
التسوية تتيح لايران المضي قدما في تقديم كل انواع المساندة لحليفها الاستراتيجي النظام السوري الذي يحقق جيشه النظامي تقدما ميدانيا لافتا في اهم مدينتين، حلب ودمشق، بمساعدة حزب الله والمقاتلين العراقيين والجميع يحبس أنفاسه في انتظار معركة الحسم في ريف دمشق \”معركة القلمون\” المؤجلة من النظام بانتظار فصل الشتاء و\”الجنرال ثلج\” في جبال القلمون معولاً على العوامل المناخية لتحقيق ظفر أكيد بعد تجمع أكثر من 20000 مقاتل من مختلف التنظيمات الأصولية ومقاتلين أجانب احكم عليهم الجيش الخناق تدريجيا في نوع من الحسم يختلف عما سبق في القصير وغيرها من المناطق باصرار ان لا يفلت احد هذه المرة، تلك المعركة القادمة تعول عليها ايران كثيرا وستغير من منحى الصراع وتقلب المعادلة الاقليمية وبرضا امريكي مضمر للتخلص من ارهابيين شديدي العداء لها.
إيران ستلتزم ببنود التسوية لحاجتها الى التعافي الاقتصادي وتغض النظر عن برنامجها مؤقتا والذي لم يعد بنية تحتية وإنما خبرة في عقول الخبراء والعلماء، والولايات المتحدة تسعى جاهدة لايجاد وضع مناسب بعد التغير الكبير في سياستها في المنطقة. والتغير والوصول الى اتفاقات في المنطقة والبرنامج النووي تتعلق بظروف الطرفين اقتصاديا لمعاناة ايران من العقوبات وما عانته امريكا ايضا من مشاكل داخلية تتعلق بالسياسات الاقتصادية للجمهوريين والديمقراطيين وتقاطعهما في الكونغرس ومجلس الشيوخ دون الوصول الى حل شامل والذي اثر لأول مرة على الميزانية الامريكية وسياسات الضمان الصحي للمواطنين وهي العمود الفقري لبرنامج أوباما.
ذوبان الجليد بين ايران وامريكا يبقى محكوما بالظروف التي رافقت العلاقة الحديثة بينهما وتسويتهما المؤقتة قد تأخذ شكلها الدائمي او تنقلب الى خلاف محكم يبدد كل آمال \”العلاقات الحسنة\” وتبقى مرهونة بمدى نجاح الاطراف الاقليمية الفاعلة كإسرائيل والسعودية في تقويضها وقدرتهما على اعادة ادارة اوباما الى التوتر المعهود في زمن أحمدي نجاد، لكن امريكا صافحت ايران عن قناعة بحل المشاركة بدل التفرد والتعويل على سياسة خصوم غير قادرين على \”لجم\” ايران وما تراه براغماتية واشنطن مناسبا لأمنها القومي وبقاء يدها على مصادر الطاقة، ومن الصعب حينها ان تقتنع بالعودة والتخبط في\” وحل\” قصور حلفائها.
* كاتب عراقي