زيارة وزير خارجية النمسا إلى بغداد، عزّزت سقف التفاؤل العراقي في ملف العلاقات الخارجية الذي شهد ارتفاعا ملحوظا خلال الفترة الأخيرة، وإذ تفسّر لجنة العلاقات الخارجية النيابية هذه الزيارات باستعادة العراق لدوره الريادي في المنطقة، تكشف عن قدوم ضيوف آخرين إلى بغداد في المستقبل القريب، فيما يؤشر باحث في الشأن السياسي والعلاقات الدولية إلى أن هذه الزيارات تؤكد نجاح العراق بملف العلاقات الخارجية لاسيما مع نأيه عن انتهاج سياسة المحاور والأقطاب.
وكان وزير الخارجية النمساوي ألكسندر شالنبرغ، وصل مساء أمس الأول الاثنين، إلى بغداد في زيارة رسمية، وأعلن إعادة فتح سفارة بلاده في العراق بعد مرور أكثر من 30 عاماً.
ويقول عضو لجنة العلاقات الخارجية البرلمانية عامر الفايز، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “العراق يشهد تحسناً في كافة علاقاته الدولية، ولذا نرى هناك زيارات أوروبية وعربية مختلفة إلى العاصمة بغداد، وإعادة فتح الكثير من سفارات الدول، وهذا ما يؤكد استعادة العراق لدوره الريادي والقيادي في المنطقة والعالم”.
ويبين الفايز، أن “توقيع مذكرات واتفاقات اقتصادية وأمنية مهمة للعراق خلال المرحلة المقبلة، يدعم عودة العراق لوضعه الطبيعي في العالم، فالعراق ما زال يحتاج الدعم الدولي بمختلف المجالات الاقتصادية والاستثمارية، وكذلك في مجال التعاون الأمني”.
ويضيف عضو لجنة العلاقات الخارجية البرلمانية، أن “العاصمة بغداد سوف تشهد في الفترة المقبلة زيارات لمسؤولين من مختلف دول العالم وسيتم افتتاح سفارات جديدة وهذا يعزز دور العراق في علاقاته الدولية، التي شهدت نوعاً من التراجع منذ سنين طويلة لأسباب أمنية وسياسية مختلفة”.
وأجرى الزائر النمساوي جولة مكوكية في العراق التقى خلالها رؤساء الجمهورية والوزراء ومجلس النواب، ووزيري الداخلية والخارجية، ثم زار إقليم كردستان مساء أمس الثلاثاء، وأكد شالنبرغ خلال جولته، أنه سيوقع اتفاقية في مجال الأمن الداخلي، مشيرا إلى أن العراق يلعب دوراً مهماً في استقرار المنطقة وأن زيارته تهدف إلى تعميق العلاقات في مجالات عدة.
وأغلقت النمسا سفارتها في بغداد منذ عام 1991 ولم يكن لها سوى بعثة تجارية في بغداد، وطلب العراق من فيينا مراراً عودة بعثتها الدبلوماسية إلى بغداد.
وفي أيلول سبتمبر 2021، دعا وزير الخارجية فؤاد حسين خلال لقائه بوزير الخارجية النمساوي شالنبرغ في فيينا، إلى إعادة فتح السفارة النمساوية في بغداد، التي تعمل في الأردن منذ أكثر من 30 عاماً، ثم قررت الحكومة النمساوية في آب أغسطس 2022، إعادة فتح سفارتها في بغداد والارتقاء بالعلاقات الدبلوماسية مع العراق إلى مستوى أعلى.
وعانى العراق من عزلة سياسية استمرت لعقود منذ حرب الخليج الثانية في بداية التسعينات بعدما أغلقت أغلب السفارات أبوابها في بغداد وتعرضت البلاد إلى عقوبات وحصار اقتصادي قاس، وبعد سقوط النظام السابق في 2003 بقي ملف العلاقات الخارجية يعاني ضعفا في الأداء وترددا دوليا من فتح السفارات في بغداد بسبب الوضع الأمني والنهج الذي انتهجته الحكومات السابقة في اتباعها سياسة المحاور، ليشهد هذا الملف انفراجة في عهد رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي الذي أكد، في حزيران يوليو 2022، أن البلاد تعاني من عزلة خارجية بسبب السياسات الخاطئة، لافتا إلى أن العراق ليس ضمن أي محور أو تحالف في المنطقة.
من جهته، يؤكد أستاذ العلاقات الدولية في جامعة بغداد علاء مصطفى، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “عودة العلاقات الخارجية للعراق مع دول المنطقة والعالم، يؤكد أن العراق يشهد نوعا كبيرا من الاستقرار السياسي والأمني، خصوصاً خلال الفترة الحالية، وهذا الاستقرار انعكس بشكل كبير على عودة العلاقات الخارجية”.
ويبين مصطفى، أن “الزيارات الأوروبية والعربية تبعث رسائل لكل دول العالم والمنطقة بأن العراق تعافى وعاد لدوره الطبيعي في علاقاته الخارجية، وفتح سفارات أوروبية وعربية في بغداد، وهذا يدفع كثير من دول العالم لفتح سفارات جديدة في بغداد، وسيترك هذا التطور بالتأكيد تبعات إيجابية كبيرة”.
ويضيف، أن “استمرار العراق في علاقاته المتوازنة مع كافة الأطراف الإقليمية والدولية يدل على نجاح تطور العلاقات الخارجية، فالعراق رفض أن يكون ضمن سياسة المحاور الإقليمية والدولية، والوقوف مع أي محور سيكون فيه ضرر كبير على مختلف المستويات”.
وشهدت بغداد خلال حقبة رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني زيارات عديدة من مسؤولين دوليين من أهمهم وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، والروسي سيرجي لافروف وآخرين غيرهم، كما أجرى السوداني زيارات إلى دول متعددة كفرنسا وألمانيا ومصر.
في الأثناء، وصل وزير الدولة الاماراتي، خليفة شاهين المرر، أمس الثلاثاء، الى العاصمة بغداد، والتقى وزير الخارجية فؤاد حسين.
وتحول العراق مؤخرا إلى وسيط ناجح لتطبيع العلاقات بين إيران والدول العربية، إذ أدى دور الوساطة بين إيران والسعودية، ثم قاد إلى وساطة أخرى بين إيران ومصر.