تعديل قانون «الأحوال الشخصية»..بين «إصرار الإطار» و«رفض السنة»

يستمر الشد والجذب حول تمرير التعديلات على قانون الأحوال الشخصية، وسط تفاوت في الآراء حياله بين الرفض من قبل النواب السنة وإصرار الإطار (الشيعي) على تمريره، ليبقى هذا القانون حبيسا لقرار البرلمان الفاصل بتمريره من عدمه.

وتعوّل أحزاب “الإطار التنسيقي” الشيعي على أغلبيتها البرلمانية في إقرار تلك التعديلات المقترحة على قانون الأحوال الشخصية الذي يحظى بدعم مرجعيات دينية في النجف، وتأمين مساندة الكتل السنية التي تطالب في المقابل بإصدار قانون العفو العام عن آلاف السجناء ضمن ما توصف بأنها صفقة سياسية لتمرير القانونين معا.

ويأتي ذلك في وقت تلقى فيه العراق تهديدًا من الاتحاد الأوروبي، بفرض عقوبات، وخفض مستوى العلاقات في حال المضي بالقانون.

إذا قال القيادي في تحالف الفتح عدي عبد الهادي، في حديث تابعته “العالم الجديد”، إن “الهجمة الاعلامية والتضليل التي تم ممارسته لأشهر عدة من قبل منصات على تعديلات قانون الأحوال الشخصية كشف زيفها من خلال الحقائق التي بدأت تغير قناعة الكثيرين من خلال الفهم الحقيقي لبنود واتضاح كذب وزيف ما جرى ترويجه من قبل البعض بقصد”.

 واضاف ان” 75% من النواب يدعمون التصويت على تعديلات الاحوال الشخصية ونرفض في نفس الوقت أي محاولة لربط تمرير بقوانين أخرى تتضمن بنود خلافية لا يمكن التصويت عليه دون توافق حقيقي”.

واشار الى ان” من يعرقل الاحوال الشخصية يريد بقاء المشاكل المعقدة التي سببتها بعض بنود القانون الحالي خاصة في ملف الطلاق وحضانة الأطفال وغيرها”.

وبعد القراءة الأولى والثانية لمجلس النواب لمشروع تعديل قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لعام 1959، في 4 آب و 12 أيلول الماضيين ، تصاعدت ردود الفعل المنددة والرافضة لقرار التعديل، والتي أدت لتأجيل الجلسة الثالثة بسبب المخاوف المترتبة على عقدها بسبب رفض التعديل من قبل مختلف فئات المجتمع.

فيما تقول النائبة ابتسام الهلالي في تصريح تابعته “العالم الجديد”، إن “التحالفات السنية تعرقل عملية التصويت على قانون الأحوال الشخصية وتشترط التصويت على قانون العفو العام بسلة واحدة وأثار هذا الطلب معارضة كبيرة من قبل التحالفات السياسية الاخرى لعدم تطابق الآراء فيما يخص قانون العفو وعدم ربطه مع اقرار القوانين الاخرى لوجود فقرات في قانون العفو العام لا يمكن التصويت عليها بصيغتها الحالية “.

وأضافت أن” الإصرار على ربط القانونين بسلة واحدة من قبل التحالفات السنية أثر بشكل سلبي على التصويت على قانون الاحوال الشخصية الى اجل غير مسمى لحين ايجاد توافقات سياسية تنهي الجدل حول إقرار القانون بصيغته الحالية “.

وتابعت الهلالي أن” التحالفات السياسية مصرة على اقرار قانون الأحوال الشخصية خلال الجلسة المقبلة فضلا عن التصويت على قوانين معطلة اخرى”.

وقد أثار التعديل المقترح لقانون الأحوال الشخصية العراقي جدلاً كبيراً داخل العراق وخارجه، وتركز الجدل حول التعديلات التي اقترحها برلمانيون حول سِنّ الزواج، وتسجيل الزواج في المحاكم، والمرجعية القانونية والشرعية للزواج المختلط، وحضانة الأطفال، وحقوق المطلقة.

كما تضمن المقترح الذي تقدم به النائب رائد المالكي تعديل (3) مواد بشكل أساسي: إضافة فقرة تتيح للمواطنين اختيار المذهب السنّي أو الشيعي في قضايا الأحوال الشخصية، وإلغاء المادة التي تُجرّم عقد الزواج خارج المحكمة، وتصديق المحكمة على عقود زواج البالغين بتخويل من الوقف السنّي أو الشيعي.

وقد ناقش البرلمان العراقي في جلسة الأخيرة تعديل قانون الأحوال الشخصية للسماح بزواج الفتيات دون سن التاسعة، ممّا دفع قوى سياسية ومنظمات حقوقية لإعلان رفضها القاطع.

وقالت “هيومن رايتس ووتش” في بيان نشرته مؤخرا عبر موقعها الإلكتروني، إن “البرلمان العراقي يعمل على تعديل قانون الأحوال الشخصية في البلاد بحيث يسمح للمرجعيات الدينية العراقية، بدلاً من قانون الدولة، بتنظيم شؤون الزواج والميراث على حساب الحقوق الأساسية”.

وأضافت أنه “إذا ما أقرّ التعديل، فستكون له آثار كارثية على حقوق النساء والفتيات المكفولة بموجب القانون الدولي، إذ سيسمح بزواج الفتيات اللاتي لا تتجاوز أعمارهن (9) أعوام، وتقويض مبدأ المساواة بموجب القانون العراقي، وإزالة أوجه حماية المرأة في الطلاق والميراث. ويعرّض زواج الأطفال والفتيات لتزايد خطر العنف الجنسي والجسدي، وعواقب وخيمة على الصحة البدنية والنفسية، والحرمان من التعليم والعمل.

وقالت هيومن رايتس ووتش، إن “مشروع التعديل يشرّع مشكلة زواج الأطفال الكبيرة والمتنامية في العراق بدل محاولة حلها”.

من جانبها قالت منظمة العفو الدولية في بيان عبر موقعها الإلكتروني، إنه “قبيل تصويت وشيك على تعديلات لقانون الأحوال الشخصية، يجب على المشرعين العراقيين إسقاط هذه التعديلات، التي من شأنها أن تنتهك حقوق النساء والفتيات، وتزيد من ترسيخ التمييز المجحف، وقد تسمح بزواج الفتيات في سن التاسعة”.

وأظهرت وثيقة صادرة عن مديرية الوقف السني في محافظة نينوى، حصلت عليها “العالم الجديد”، في 14 آب أغسطس الماضي، توجيها بمنع إبرام عقود الزواج خارج المحاكم حفاظا على الحقوق الزوجية.

وهناك أكثر من نقطة خلافية وجدلية في تعديلات قانون الأحوال الشخصية العراقية، أبرزها ما يتعلق بسن زواج الإناث، حيث يعدل القانون سن زواج الإناث إلى ما دون سن الـ (14) عاماً، ويسمح بزواج الفتيات بعمر التاسعة.

أما الخلاف الثاني يتعلق بتسجيل عقد الزواج، فالتعديلات سمحت بما يُسمّى زواج المأذون، والمأذون بالنسبة إلى السنة هو رجل دين، وبالنسبة إلى الشيعة يُسمّى السيد.

وهناك نقاط خلافية أخرى تتعلق بالزواج المختلط، أي الزواج بين طائفتين مختلفتين، فالتعديلات أقرت بأن يكون تسجيل عقد الزواج بموجب الانتماء الطائفي للزوج.

وأيضاً هناك نقاط خلافية تتعلق بحقوق المرأة المطلقة، وقد وصفت الإجراءات بالأكثر قسوة إذ تشمل منعها من الحصول على حقوقها كاملة، وبالتحديد ما يُسمّى بالنفقة، وأيضاً سمحت التعديلات بحضانة الرجل للأطفال، وفق وكالة “مونت كارلو”.

ومنذ العام 2017، عجزت قوى سياسية ذات خلفيات دينية عن إقرار القانون تحت ضغط الشارع العراقي، ومنظمات المجتمع المدني، التي عدّت القانون واحدًا من القوانين المجحفة بحق المرأة والطفولة.

وأثار توجه البرلمان لإجراء تعديل على قانون الأحوال الشخصية، ردود فعل غاضبة من قبل ناشطين ووسائل إعلام حذروا مما وصفوه تكريس الطائفية وتعظيم سلطة المذاهب على حساب القضاء، ومنح أحزاب السلطة نفوذاً أكبر، وسط انتقاد منظمات حقوقية وخبراء قانون أيضاً.

وكان قانون الأحوال الشخصية في العراق قد أُقّر عام 1959 خلال عهد رئيس الوزراء آنذاك عبد الكريم قاسم، وهو قانون يسري على جميع العراقيين دون تمييز مذهبي حتى الآن، لكن التعديلات الجديدة تشير في إحدى فقراتها على أنه “يحق للعراقي والعراقية عند إبرام عقد الزواج أن يختار المذهب الشيعي أو السني الذي تطبق عليه أحكامه في جميع مسائل الأحوال الشخصية، ويجوز لمن لم يسبق له اختيار تطبيق أحكام مذهب معين عند إبرام عقد الزواج، تقديم طلب إلى محكمة الأحوال الشخصية المختصة لتطبيق أحكام الشرع على الأحوال الشخصية، وفق المذهب الذي يختاره ويجب على المحكمة الاستجابة لطلبهم”.

وينص مشروع القانون على أنه “إذا اختلف أطراف القضية الواحدة في الأسرة بشأن تحديد مصدر الأحكام الواجب تطبيقها في طلبهم، فيعتمد الرأي الشرعي فيها”، كما يلزم التعديل الجديد “المجلس العلمي في ديوان الوقف الشيعي والمجلس العلمي والإفتائي في ديوان الوقف السني بالتنسيق مع مجلس الدولة بوضع مدونة الأحكام الشرعية في مسائل الأحوال الشخصية وتقديمها إلى مجلس النواب للموافقة عليها خلال 6 أشهر من تاريخ نفاذ هذا القانون”.

إقرأ أيضا