كثيرة هي القصص المأساوية التي تروى باستمرار من داخل السجون العراقية، لكن التحقق من صحتها أمر متعذر كما تقول المفوضية العليا لحقوق الإنسان، فالقانون لا يوفر عنصر المباغتة لفرق الرصد والمتابعة.
إذ كشف مرصد “أفاد” المتخصص بحقوق الإنسان، اليوم السبت، عن إعدامات جماعية وبشعة لنزلاء اعترفوا تحت التعذيب في سجن الناصرية، محملا رئيس الجمهورية عبد اللطيف رشيد المسؤولية.
يشار إلى أن هناك الكثير من عمليات التعذيب تحصل لبعض المعتقلين لدى الجهات الأمنية لانتزاع الاعترافات منهم مما يضطر بعضهم أحيانا إلى الاعتراف بجرائم لم يرتكبوها، في حين أن سجناء آخرين لا يتعرضون لذلك في حال كان لديهم علاقات مع أشخاص أو جهات متنفذة سياسيا أو اجتماعيا أو من الطبقة الثرية، كما أن هناك تمييزا في مدد أحكام السجن تختلف من سجين إلى آخر وفقا لمكانته وتأثيره السياسي والاجتماعي، ووصل الأمر إلى أن مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي يحصلون على أحكام مخففة في حال مخالفتهم للقوانين في حين يتم تطبيق القانون بشدة على غيرهم حتى وإن ارتكبوا نفس المخالفة.
وقال المرصد في تقرير له تلقت “العالم الجديد” نسخة منه، إن “السلطات العراقية أقدمت على تنفيذ واحدة من أوسع عمليات الإعدام في البلاد منذ عام 2003، حيث تم تسليم ما لا يقل عن 50 معتقلًا لذويهم خلال شهر سبتمبر/ ايلول الماضي، بعد إعدامهم شنقًا في سجن الناصرية المركزي جنوبي البلاد.
وأظهرت التحقيقات التي أجراها مرصد “أفاد” وفق البيان، عن “تنفيذ إدارة سجن الناصرية أربع عمليات إعدام جماعية على مدار شهر سبتمبر، كان أبرزها في الرابع والعشرين من الشهر، حيث تم سحب 21 معتقلًا من قاعات السجن فجراً وتنفيذ أحكام الإعدام بحقهم، مبينا أن إدارة السجن نفذت عمليات الإعدام بالمعتقلين بملابس النوم، ودون السماح لهم بالصلاة أو كتابة وصايا ورسائل لذويهم، حيث تم سحبهم بشكل مفاجئ إلى الوحدة الخاصة التي تقع بها منصات الإعدام. وتم رفع ستة معتقلين في كل مرة وشنقهم، مع تعليقات تنكيل طائفية في بعض الأحيان”.
ونقل المرصد، عن موظف في سجن الناصرية تحدث عبر الهاتف، أن “المعتقلين الذين تم إعدامهم جرى تسليمهم لذويهم في اليوم التالي من دائرة الطب العدلي، وتم إبلاغ ذويهم بجلب بطانية معهم، إلى جانب دفع رسوم مالية لاستخراج شهادة الوفاة”.
كما أظهرت التحقيقات، وفق التقرير، أن “رئيس الجمهورية عبد اللطيف رشيد وقع على إعدام المعتقلين بناءً على توصيات وضغوطات سياسية من جهات طائفية داخل بغداد، وبعضها من فصائل مسلحة، رغم وجود أدلة وعرائض قدمها المعتقلون تؤكد تعرضهم للتعذيب وانتزاع المعلومات تحت الإكراه، وتوقيعهم على أوراق مكتوبة مسبقًا”.
وأشار المرصد إلى أن “غالبية الضحايا من محافظات صلاح الدين وديالى والأنبار وبغداد ونينوى وبابل، كما أن قسمًا من الذين تم إعدامهم تعود الأحكام الصادرة بحقهم إلى حقبة حكومة نوري المالكي التي عُرفت بطابعها الانتقامي والطائفي آنذاك”.
وتشير معلومات مرصد “أفاد” إلى أن “من بين الذين تم إعدامهم معتقلًا في سن 68 عامًا يدعى محسن عذاب عجيل من أهالي تكريت، ولديه خمس بنات. قدم ذوو المعتقل تقارير طبية وإفادات تؤكد تعرضه لأنواع مختلفة من التعذيب، وتوقيعه على أوراق ومحضر تحقيق دون قراءتها، لكن رئيس الجمهورية وقع على تنفيذ حكم الإعدام الصادر بحقه، كما تؤكد تقاريرنا الخاصة أن معتقلًا تعرض لتعذيب مروع قبل إعدامه، حيث تم رفعه ووضع الحبل حول عنقه بشكل غير صحيح، مما أدى إلى تعلقه لبضع دقائق قبل أن يلفظ أنفاسه، وظهرت جثته التي تسلمها ذووها صحية ذلك لاحقًا”.
إضافة إلى ذلك، يقول التقرير، يواصل “موظفون في السجن أسلوب التعذيب النفسي من خلال سحب بعض المعتقلين وإبلاغهم بأنهم ذاهبون للإعدام، ثم يتم تركهم لبعض الوقت قبل إعادتهم إلى القاعات، مما سجل حالات إغماء وانقطاع عن الطعام للكثير منهم في تصرف غير إنساني لم يُسجل في أي دولة بالعالم. وقد كان شهر سبتمبر شهراً أسود جديداً في ملف حقوق الإنسان والاستهتار بحياة المواطنين، والتنكيل والتمييز على أساس طائفي”.
وحمل مرصد “أفاد”، رئيس الجمهورية عبد اللطيف رشيد مسؤولية ما وصفها بالمجزرة التي أدت إلى مقتل ما لا يقل عن 50 معتقلاً، متجاهلاً طلبات التحقيق في الاعترافات التي أدلى بها المعتقلون تحت التعذيب، أو في أجواء محاكمة محتقنة وطائفية، أو أحكام مبالغ فيها. لقد كانت فترة رئاسة رشيد حافلة بإعدام العشرات الذين وقع على تنفيذ الحكم بحقهم، متجاهلاً الدعوات في هذا الصدد من منظمات دولية حقوقية وإنسانية وأخرى محلية متخصصة أكدت وجود عشرات الأبرياء الذين يُوقع رشيد على إعدامهم منذ تسلمه المنصب قبل أكثر من عامين”.
وطالب مرصد أفاد المنظمات والهيئات الدولية بـ”الوقوف بوجه عمليات الإعدام السرية التي تنفذها السلطات العراقية، مستغلة الأحداث الدولية والإقليمية لتنفيذ الإعدامات التي صدرت بحق المعتقلين، والتي لم تكتسب الدرجة القطعية أو تحصل على الأدلة الحقيقية”.
ويبلغ عدد السجون في عموم البلاد يبلغ 30 سجنا، تضم نحو 60 ألف سجين بين محكوم وموقوف بجرائم جنائية أو بقضايا “الإرهاب”، ومن بين السجناء 1500 امرأة و1500 سجين عربي، إضافة إلى سجن آخر فدرالي يعرف بسجن “سوسة” في محافظة السليمانية ضمن إقليم كردستان العراق المرتبط بوزارة العدل الاتحادية.
وكشف رئيس لجنة حقوق الانسانية النيابية ارشد الصالحي، في 12 يوليو تموز الماضي، عن انتشار الأمراض والأوبئة داخل السجون العراقية، لافتا إلى مساعي لجنته لتشريع قانون العقوبات البديل لتقليل من اكتظاظ السجون.
وتسعى قوى سياسية سنية – ضمن تحالف إدارة الدولة – لتشريع قانون العفو العام في إطار الاتفاق السياسي الذي أفضى لتشكيل حكومة محمد شياع السوداني ولكن هذا الاتفاق لم يتحقق لوجود اعتراض على القانون.
وما من إحصائية رسمية عن عدد السجناء في العراق، لكن أرقاماً متضاربة تؤكد أنها تقارب المائة ألف سجين يتوزعون على سجون وزارات العدل والداخلية والدفاع، بالإضافة إلى سجون تمتلكها أجهزة أمنية مثل جهاز المخابرات والأمن الوطني ومكافحة الإرهاب والحشد الشعبي، وسط استمرار الحديث عن سجون سرية غير معلنة تنتشر في البلاد وتضم آلاف المعتقلين، وفق مراقبين.
وكان المركز العراقي لتوثيق جرائم الحرب قد كشف في تقرير له، نهاية العام الماضي، وفاة نحو 50 معتقلاً نتيجة “عمليات التعذيب والإهمال الطبي في السجون التابعة لحكومة بغداد”، مبينا أنّه ما بين يناير كانون الثاني الماضي وأغسطس آب الماضي توفّي 49 معتقلاً، 39 منهم في سجن الناصرية المركزي، وثمانية في سجن التاجي (شمالي بغداد)، بالإضافة إلى توثيق حالة انتحار في مراكز شرطة إجرام الموصل في محافظة نينوى (شمال)، ووفاة واحدة في مركز تابع لمكافحة الإجرام في العاصمة بغداد.
وتعاني السجون العراقية من إهمال كبير ومن غياب للدور الرقابي المنوط بالجهات الحكومية وكذلك تلك المسؤولة عن حقوق الإنسان، في وقت يجري الحديث عن سيطرة بعض الجهات السياسية على السجون.
يشار إلى أن “العالم الجديد” قد كشفت في تقرير سابق لها عن الانتهاكات وإدخال الممنوعات لداخل السجون، حيث وصل سعر النقّال 3.5 ملايين دينار والرصيد بـ7 أضعاف، للإطلاع على التقرير أضغط هنا
وفي تموز يوليو 2023، اقرت وزارة العدل العراقية بانتشار أمراض في السجون، بسبب الاكتظاظ الكبير فيها، مبينة أنها تسعى إلى التنسيق مع وزارة الصحة لمتابعة أوضاع السجناء الصحية، وسط دعوات لإيجاد حلول للواقع المؤلم في داخل السجون.
يذكر أن وزارة العدل أعلنت في العام 2023 عن عزل أكثر من 20 موظفا في السجون نتيجة انتهاكاتهم وإدخالهم للممنوعات داخل السجون، وفيما اعتبرت أن هذا الملف يعد تحديا كبيرا كون السجون فيها اكتظاظ، وهناك تراكمات للأخطاء منذ عدة عقود، وبالتالي من الصعب معالجتها جميعا، أشارت إلى أن نسبة الاكتظاظ وصلت إلى 300 بالمئة، وأن الطاقة الاستيعابية تتجاوز الـ25 ألف سجين، وهناك أكثر من 60 ألف سجين داخل السجون ومن الصعب السيطرة على هذه الأعداد.