جاء صدور المرسوم الجمهوري القاضي بالعفو عن نجل محافظ النجف السابق، المدان بـ”تجارة المخدرات”، ليجدد المخاوف بشأن إمكانية شمول محكومين آخرين ولاسيما بالإعدام في قرارات وقوانين مشابهة، وسط إصرار رئيس الجمهورية على “الامتناع” عن التوقيع على آلاف الأحكام القطعية، في ظل تشكيك واسع بعدالة المحاكمات القائمة على “انتزاع الاعترافات بالقوة”.
فمنذ تدهور الأمن الداخلي في العراق بعد سقوط نظام حزب البعث في نيسان 2003، وملف تطبيق أحكام الإعدام الصادرة عن القضاء العراقي يثير جدلاً وخلافاً كبيرين بين قوى سياسية رافضة وأخرى داعية إلى تنفيذها، فضلاً عما تثيرها الأحكام ذاتها من تشكيك في الأسس القانونية التي صدرت بموجبها، إذ يرى المدافعون عن حقوق الإنسان أن كثيراً منها غير عادل ويتهمون السلطات الأمنية بانتزاع اعترافات المتهمين بالإكراه.
الخلافات السياسية وتباين الرؤى بشأن تطبيق أحكام الإعدام أدت فعليا الى تعطيل تنفيذ آلاف من أحكام الإعدام، بوجود فريق يؤيد تعليق تلك الأحكام ويثير الشكوك بشأن الضمانات القانونية التي كان يجب أن تتوفر للمدانين، وفريق آخر يراها تحقيقا للعدالة واحتراما لحقوق ضحايا أعمال العنف وردعاً للإرهاب المنظم الذي يعاني منه العراق.
يتطلب تنفيذ تلك الأحكام وفقا للدستور العراقي النافذ، مصادقة رئيس الجمهورية عليها حتى تكتسب الصفة القانونية ووجوب التنفيذ، على أن تتولى وزارة العدل تنفيذها بعد استلام المراسيم الخاصة من الرئاسة، لكن رئاسة الجمهورية نادرا ما تقوم باصدار المراسيم الجمهورية وهو ما جعل ملفات الغالبية العظمى من أحكام الإعدام الصادرة خلال السنوات الست الأخيرة تركن على رفوف الدوائر الإصلاحية التابعة لوزارة العدل.
أعداد المحكومين
نادراً ما تعلن وزارة العدل العراقية عن إحصائيات رسمية بشأن عمليات الإعدام في سجونها الإصلاحية أو الآلية التي نفذت وفقاً لها. وهي لا تفصح عن هويات الأشخاص الذين تم إعدامهم أو أعدادهم وجنسياتهم ولا التهم التي وجهت إليهم أو الأدلة التي أدانتهم، باستثناء بعض الحالات التي يتم إعلانها والتي يشار عادة الى أنها تمت وفقاً لما تنص عليه المادة الرابعة من قانون مكافحة الإرهاب رقم 13 للعام 2005 “مشاركة في تنفيذ اغتيالات وتفجيرات وهجمات إرهابية“.
ورغم الكتمان الشديد الذي تحيط به الحكومات العراقية المتعاقبة بخصوص أعداد من صدرت بحقهم أحكام الإعدام، إلا أن مصدراً في وزارة العدل كشف عن العدد الكلي للمتهمين الذين صدرت بحقهم تلك الأحكام استناداً إلى أحكام قانون مكافحة الإرهاب، وذكر أنها بلغت “7935 محكوماً، سواءً بموجب قانون مكافحة الإرهاب لسنة 2005 أو وفقاً لقانون العقوبات العراقي 111 لسنة 1969، تمت المصادقة رئاسيا فقط على أحكام 316 منهم“.
ذات الأمر يحدث في إقليم كردستان الذي يتمتع بإدارة فيدرالية مستقلة قضائيا، فحكومة الإقليم علقت بدورها ومنذ سنوات تنفيذ أحكام الإعدام، إلا في حالات نادرة.
المصدر الذي فضل عدم ذكر اسمه أو وظيفته، أشار في حديث لـ”العالم الجديد”، إلى أن المنفذة بحقهم الأحكام هم من أصل 1012 متهماً صادقت محكمة التمييز (أعلى سلطة قضائية في العراق)على أحكامهم. بينما هنالك 6607 محكومين بالإعدام لم تتم المصادقة على أحكامهم تمييزياً لغاية الآن.
ويؤكد المصدر، أن سبب التأخر في تنفيذ أحكام الإعدام بحق المحكومين يرجع إلى عدم صدور مرسوم جمهوري بتنفيذ العقوبة “فذلك من الصلاحيات المخولة لرئيس الجمهورية وفقاً للمادة 73 من الدستور العراقي النافذ“.
وفي تقريرها العالمي لسنة 2022 ذكرت منظمة هيومن رايتس ووتش، أن 19 إعداما نفذ في العراق لغاية أيلول سبتمبر2021، وهذا ما ترفض الجهات الرسمية العراقية التعليق عليه إيجاباً أو نفياً.
هل يستحقون تلك الأحكام
يعبّر ثامر الشمري عضو مفوضية حقوق الإنسان، عن مخاوفه من شمول بعض السجناء بأحكام الإعدام دون جناية مستحقة، مشيراً إلى وجود أكثر من تسعة آلاف سجين صدرت بحقهم أحكام بالإعدام منذ العام 2004 ولغاية الآن.
وهو رقم يزيد عما أورده مصدرنا في وزارة العدل، لكنه يبقى أقل بكثير من الأرقام التي يتحدث عنه ناشطون حقوقيون، قال بعضهم أنها تبلغ أكثر من ضعف الرقم المعلن خلال 18 سنة.
قال ناشط رفض الإشارة الى اسمه، إن بعض الأحكام صدرت بغياب الضمانات القانونية وفي ظل أجواء الحرب والإرهاب، مبينا أن بعض أحكام الإعدام نفذت خارج أسوار وزارة العدل وبخلاف القانون لاسيما خلال الفترة التي شهدت البلاد فيها حربا طائفية بين 2006 -2007 وأيضاً خلال فترة سيطرة تنظيم داعش على نحو ثلثي مساحة البلاد بين 2014-2017 وحرب التحرير التي انتهت بطرد التنظيم منتصف 2017.
وبالعودة إلى الشمري، فهو يقول لـ”العالم الجديد”، بأن عدد السجناء الذين نفذت بحقهم أحكام الإعدام منذ العام 2015 ولغاية النصف الأول من العام 2021، بلغ 327 محكوما.
وأوضح عضو المفوضية، أن “العام 2020 شهد صدور ما يقرب من 2000 حكم بالإعدام نحو 1900 منها متهمون بالإرهاب”. ويطالب الشمري بتدقيق أحكام الإعدام وقصرها على الأشخاص الذين يثبت تورطهم في عمليات إرهابية بالاستناد إلى أدلة لا تقبل الشك، وفقاً لتعبيره.
وتنص المادة 4 من قانون الإرهاب رقم 13 لسنة 2005 على إعدام من ارتكب بصفته فاعلاً أصلياً أو شريك عمل، أياً من الأعمال التي يصفها القانون بالإرهابية (وردت تفاصيلها في 2 و3 من ذات القانون) على أن يعاقب المحرض والمخطط والممول وكل من مكن من يصفهم القانون بالإرهابيين من القيام بالجرائم الواردة في هذا القانون بعقوبة الفاعل الأصلي.
وأن يعاقب بالسجن المؤبّد من “أخفى عن عمد أي معلومات عن أي عمل إرهابي أو آوى شخصاً إرهابياً بهدف التستر“.
كيف يتم تنفيذ أحكام الإعدام
يحدد وزير شؤون المحافظات الأسبق القاضي وائل عبد اللطيف، مراحل إصدار أحكام الإعدام ويقول بأنها تبدأ “بعرض المتهم على قاضي التحقيق وصدور قرار الحكم من قبل محكمة الجنايات ومصادقة محكمة التمييز الاتحادية واكتساب القرار الدرجة القطعية“.
ويضيف إلى ذلك “إرسال ملف الحكم إلى رئاسة الجمهورية للمصادقة على قرار الإعدام، ومن ثم وزارة العدل لتنفيذ الحكم القضائي بحضور قاضٍ ونائب مدعي عام وشخص يقرأ المرسوم الجمهوري على المتهم“.
وبعيد اجتياح العراق من قبل القوات الأمريكية في نيسان 2003 أوقف الحاكم المدني الأمريكي للعراق بول بريمر عقوبة الإعدام، لكن بعد تشكيل الحكومة المؤقتة برئاسة إياد علاوي عامي 2004-2005 عملت الحكومة على رفع ذلك الحظر وإعادة تطبيق العقوبة.
ويصطف القاضي عبد اللطيف إلى جانب المطالبين بضرورة تنفيذ أحكام الإعدام ويندد بمطالبات إعادة التأهيل بدلاً من إيقاع العقوبة، مبيناً أن “مطالبات إِعادة تأهيل الإرهابيين تمثل كارثة مجتمعية، كون المحكومين قتلة وجناة ويشكلون خطراً دائماً على المجتمع”. ويرى أن عدم التنفيذ ربما يعطي إشارات خاطئة للمجرمين بأنهم أصبحوا بأمان.
وتدخل أحكام الإعدام بعد صدورها بحق المتهمين، سواءً (الإرهابيين أو غير الإرهابيين) حسب توصيف القانون العراقي، في عدد من مراحل الطعن بدءاً من صدور الحكم من محكمة الجنايات، وبعدها الطعن تمييزاً أمام محكمة التمييز.
وفي هذا السياق، يقول الخبير القانوني أحمد العبادي، إنه “حتى في حال لم يتم الطعن أمام محكمة التمييز، فإن تمييز مثل هكذا قرارات أو أحكام هو تمييز وجوبي“.
ووفقاً للعبادي، فإن إضبارة المتهم في قضايا أحكام تستحق الإعدام والمؤبد ترسل إلى الادعاء العام، ويتم تدقيقها هناك ومن ثم يرفع الادعاء رأيه إلى محكمة التمييز، وبعد صدور قرار المحكمة العليا بالمصادقة على قرار محكمة الجنايات يتم الطعن تصحيحاً، وتعرض مرة أخرى أمام الهيئة الموسعة“.
وبعدها يتم إرسال الإضبارة إلى رئيس الجمهورية للمصادقة على قرار الإعدام، منبها الى أن “تأخر المصادقة يؤدي إلى تراكم الأحكام بصرف النظر عن أي جدل سياسي أو قانوني بشأنها“.
ويعد العراق من أكثر دول العالم التي تصدر فيها أحكام الإعدام، بحسب مراقبين، إذ تواجه أجهزة الدولة الأمنية كما المدنيين مستويات مرتفعة من العنف بواسطة جماعات مسلحة، وهنالك آلاف منهم في السجون حالياً.
ويأتي العراق في المرتبة الثالثة بين أكثر الدول التي ُتنفذ فيها أحكام بالإعدام، بعد الصين وإيران وفقاً لمنظمات حقوقية عالمية .
الخلاف حول الأحكام.. سياسي
مع كل جريمة مروعة تحدث في العراق تتعالى أصوات سياسية وشعبية تطالب بإعدام الجناة، تقابلها انتقادات سياسية معارضة لبعض الأحكام القضائية بزعم اعتمادها على المخبر السري (دعاوى كيدية) وانتزاع الاعترافات بالإكراه من المتهمين .
“دماء الأبرياء تواجه بالتسويف والمماطلة” اتهاما يطلقه عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية مهدي آمرلي ضد جهات لم يسمها، قال بأنها تؤخر دون سبب مقنع تنفيذ أحكام إعدام مدانين مضت ست سنوات على صدور الأحكام ضدهم.
ويعتقد آمرلي بأن الهدف النهائي من التأخير هو “محاولات تهريب بعض المحكومين مثلما حصل في سجن التاجي وأبو غريب وبادوش قبل 2014 أو تأخير إعدامهم بانتظار شمولهم بأحكام قانون عفو جديد“.
ويكشف عن عدم امتلاك مجلس النواب العراقي، أية إحصائيات ومعلومات بشأن أعداد المحكومين ولا الأعداد الحقيقية بالمراسيم الجمهورية التي صدرت بحقهم.
بينما يحذر النائب السابق عبد الكريم عبطان من أن الشروع بتنفيذ أحكام الإعدام بحق ما يقرب من تسعة آلاف مدان قد يعود بالبلاد الى المربع الأول. ويقصد تدهور الأمن. ودعا الى “إِعادة تدقيق ملفات المحكومين كون بعضهم “من ضحايا المخبر السري” وفقاً لتعبيره.
وبحسب العبطان الذي ينتمي إلى ائتلاف العراقية بزعامة إياد علاوي، فان “عشرات المدانين ممن صدرت بحقهم أحكام بالإعدام تبين لاحقا بأنهم أبرياء وأن جهات سياسية تمارس ضغوطاً سياسية لتنفيذ أحكام الإعدام من منطلقات عدائية وطائفية“.
وتبلغ الأموال التي تصرف على السجناء في العراق بين المأكل والملبس والخدمات الصحية بحدود 100 ألف دينار يوميا (68 دولار)، ما يعني أن الحكومة تصرف 3 ملايين دينار شهريا (2000 دولار)، وبواقع 36 مليون دينار سنويا (12000 دولار)، وفقاً للقيادي في التيار الصدري حاكم الزاملي.
وهذه التكلفة واحدة من الأسباب التي تدفع البعض للمطالبة بتنفيذ أحكام إلإعدام، ومنهم الباحث في الشأن السياسي مقدام تحسين، إذ يعتقد بأن لا معنى لتأجيل تنفيذ تلك الأحكام مادامت قد صدرت قرارات قطعية بشأنها من محكمة التمييز ويقول “إنه هدر كبير في المال“.
اتهام لرئيس الجمهورية بتعطيل أحكام القانون
يحمل النائب السابق عن كتلة صادقون النيابية أحمد الكناني، رؤساء الجمهورية المتعاقبين بعد 2003 بالتعمد في تأخير تطبيق قرارات أحكام الإعدام، ويلفت إلى أن بعضاً ممن أسماهم (فرقاء سياسيين) يعدون أحكام الإعدام طائفية وسياسية وموجهة ضد طائفة بعينها “العرب السنة“.
ويؤكد الكناني في حديث لـ”العالم الجديد”، أن “كل من صدرت بحقهم أحكام الإعدام وفقا لقانون مكافحة الإرهاب كانوا يعملون مع داعش“.
قناعة الكناني تذهب أيضاً باتجاه أن أطرافاً داخل الأجهزة الأمنية تتقاضى أموالاً طائلة لقاء تغيير الإفادات ليتحول “القاتل إلى ضحية“.
ويقول بأنه مُطلع على معلومات موثقة تتضمن قيام بعض عناصر الخلايا الإرهابية المحكومين بالإعدام بتوجيه العمليات الإرهابية في البلاد من داخل السجون التي هم فيها “مقابل مبالغ مالية كبيرة تدفع للفاسدين في السجون“.
ويجد النائب السابق، بأن “تطبيق أحكام الإعدام سيكون رادعاً للجماعات المسلحة لعدم تنفيذ العمليات الإرهابية لأنها ستزيد الخوف في نفوسهم، وبالتالي يتراجع الإرهاب“.
وعبر عن مخاوفه من محاولات يعتقد بأنها تجري في الدوائر الأمنية لتهريب عدد من المحكومين بالإعدام من العرب والجنسيات الأجنبية الأخرى “هم سيحرقون العراق إذا تمكنوا من ذلك” وفقاً لتوصيفه.
إلى ذلك، اتهمت عضو مجلس النواب ندى شاكر جودت، سياسيين لم تسمهم باستخدام ورقة المحكومين سياسياً لتحقيق مكاسب حزبية وانتخابية، وأوضحت بأن “القانون لا يسمح بتأخر تنفيذ الحكم لأكثر من 30 يوما، ومماطلة رئاسة الجمهورية في تنفيذ الأحكام تعد مخالفة قانونية وتكلف العراق كثيرا“.
وأضافت “لدينا أكثر من 8 آلاف محكوم بالإعدام في السجون العراقية، وبعضهم أمضى أكثر من 15 سنة، وهم يكلفون ميزانية الدولة مبالغ طائلة، لكن هناك ضغوطات سياسية تجاه عدم تنفيذ أحكام الاعدام“.
من جهته، فإن عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية مهدي آمرلي، يعد تأخر مصادقة رئيس الجمهورية على أحكام الإعدام مخالفة كبيرة للدستور والقانون، واتهم رئاسة الجمهورية بعرقلة تنفيذ أحكام الإعدام بحق الإرهابيين الذين قال بأنهم يكلفون الدولة قرابة 600 مليار دينار شهرياً (411 مليون دولار).
وأنهم “يتمتعون بامتيازات أكثر من تلك التي يحصل عليها الضباط والمنتسبون في الجيش والشرطة العراقيين”. دون أن يبين من اين أتى بذلك الرقم وطبيعة الامتيازات التي يحصل عليها المحكومين، ودعا رئاسة الجمهورية إلى تنفيذ قرارات القضاء دون تأخير وعدم الرضوخ لضغوط منظمات حقوقية يدار حولها الكثير من الشبهات، حسب قوله.
ويرى الناشط غيث همام من جهته، أن الأرقام التي يُعلن عنها على أنها تصرف على السجناء مبالغ بها وفقاً لما ذكره، وقال “حتى مع فرض أنها كانت قد خصصت مثل هذه المبالغ، لكنه عملياً لا يصرف منه إلا القليل، لذا فمن مصلحة الفاسدين تأخير الأحكام هنا، لأن كل يوم تأخير يعني حصولهم على المزيد من المكاسب”.
ويضيف لـ”العالم الجديد”، إن “التبرير بضرورة تنفيذ الأحكام لتقليل النفقات غير معقول أبداً وقد يطلقه أصحابه لإثارة الرأي العام للتعجيل بتنفيذها“.
في مقابل ذلك، عبر تحالف القوى العراقية في بيان أصدره يوم 25 كانون الثاني يناير 2021، عن تحفظه على دعوات سياسية وحزبية أطلقتها بعض القوى لتنفيذ “عقوبات الإعدام”، واصفاً إياها بالقتل الجماعي، بغية “تحقيق مكاسب سياسية زائفة“.
وأعرب التحالف في بيانه عن تحفظه على العديد من أحكام الإعدام التي نفذت خلال السنوات الأخيرة “لفقدان معظمها شروط المحاكمة العادلة ومبادئ حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني“.
كما أبدى البيان تحفظاً “على الدعوات السياسية والحزبية التي أطلقتها هنا وهناك بعض القوى السياسية محاولة توظيف مصاب وجراح الشهداء ودموع الثكالى وصرخات الأيتام لتحقيق مكاسب حزبية دنيوية زائفة“.
ودعا بيان التحالف، رئاسة الجمهورية إلى “عدم الانصياع للتهديدات وأهمية أن يكون العدل هو الأساس“.
لرئاسة الجمهورية موقف مغاير
الاتهامات السياسية التي توجه لرئاسة الجمهورية بتأخير أحكام الإعدام يردها مستشار رئيس الجمهورية إسماعيل الحديدي، إلى طبيعة الأحكام القضائية الصادرة، مشيراً إلى أن “بعض أحكام الإعدام لم تكن منصفة، وقد أعيدت محاكمة بعض المتهمين، فتبين بأنهم أبرياء ولم تثبت عليهم أدلة الاتهام، وبالتالي فالشكوك في بعض القرارات الصادرة بالإعدام منطقية وجميعها تحتاج إلى تدقيق“.
ويتابع الحديدي “لدينا ما بين 300- 400 قرار إعدام وصلت الى رئاسة الجمهورية، لكن الرئيس بانتظار الانتهاء من تدقيقها من قبل اللجان المتخصصة التي شكلت داخل رئاسة الجمهورية قبل المصادقة عليها وارسالها إلى وزارة العدل“.
ويشير الى أن رئيس الجمهورية لن يتهاون مع الإرهابيين والمجرمين الذين تثبت عليهم الجرائم، رغم تلقيه عشرات الطلبات من قبل المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان لإيقاف عمليات الإعدام، مبينا أن الرئيس “لم يخضع للضغوط الدولية بشأن تطبيق أحكام الإعدام“.
ويرى مستشار رئيس الجمهورية أن برهم صالح لم يخالف القانون والدستور رغم ادعاء بعض الجهات السياسية التي تحاول التدخل في هذا الملف وأنه منذ توليه المسؤولية وقع على عشرات القرارات الخاصة بتنفيذ الأحكام.
ونفذت السلطات العراقية في العام 2018 أحكام إعدام بلغ عددها 13 حكماً. وفي العام 2019 نفذ 100 حكم، وفي العام 2020 نفذ 45 حكما، وفي النصف الأول من العام 2021 اعدمت السلطات 17 محكومًا.
وتنتقد هيومن رايتس ووتش الزيادة الملفتة في عمليات الإعدام التي تجري في العراق، عازية ذلك إلى فشل منظومة العدالة العراقية في الوفاء بالمعايير الدولية المتعلقة بالمحاكمة العادلة.
تحايل على القانون
المحامي أحمد الحجامي، ذكر بأن عشرات من أحكام الإعدام تصدر في العراق سنوياً، لكن لا ينفذ منها إلا القليل بسبب ما قال إنه “تحايل على القانون وتدخلات سياسية“.
ويؤكد الحجامي، أن تنفيذ الأحكام “كفيل بتخفيف معدلات الجريمة والهجمات الإرهابية”، مبينا أن تطبيق وزارة العدل أحكاماً قليلة بالإعدام كل سنة “لا يخدم ذلك”، ولهذا تكدست أعداد المحكومين بالإعدام في السجون حتى بلغت نحو 7900 في ظل عدم مصادقة رئيس الجمهورية عليها.
تأخير المصادقة على أحكام الإعدام يصفها الخبير القانوني مصدق عادل، انتهاكاً دستورياً، وحمل رئاسة الجمهورية مسؤولية ذلك، مبينا أن المادة 50 من الدستور العراقي تلزم رئيس الجمهورية بالمحافظة على ارواح العراقيين.
والمادة 73 بالفقرة ثامنا/ تلزمه بإصدار المرسوم الجمهوري الخاص بتنفيذ قرارات حكم الإعدام “والامتناع عن تنفيذها يعدُّ جريمة يرتكبها الرئيس تنطبق وأحكام المادة 329 من قانون العقوبات العراقي التي تنص على حبس كل من يمتنع عن تنفيذ القرارات الصادرة من القضاء العراقي“.
ويستدرك “ينبغي تنفيذ ذلك حتى وإن كان الممتنع رئيس الجمهورية”. ثم يضيف “قرارات الإعدام الصادرة وغالبيتها صودقت تمييزياً بلغت أكثر من 6 آلاف، وبالتالي على رئيس الجمهورية إصدار المراسيم الخاصة بها، وبخلاف ذلك فبإمكان أي مواطن عراقي تحريك شكوى ضد رئيس الجمهورية بتهمة تعطيل الأحكام الصادرة من القضاء“.
تعديل قانون أصول المحاكمات
ويدعو الخبير القانوني جبار الشويلي، إلى تعديل قانون أصول المحاكمات الجزائية وتحديد مدة شهر واحد لرئيس الجمهورية للمصادقة على أحكام الإعدام، وشهر آخر لوزير العدل للتنفيذ بعد صدور المرسوم الجمهوري.
وتخشى الأوساط القضائية، بحسب الشويلي، من مساعي بعض القوى السياسية لشمول الإرهابين بقوانين العفو العام على غرار ما جرى في العام 2016 عندما عمد مجلس النواب الى تعديل قانون العفو العام ليشمل العشرات من “الإرهابيين المحكومين بالإعدام“.
يأتي هذا في ظل لغط داخل الأوساط الرسمية والشعبية حول صدور مرسوم جمهوري يقضي بالعفو عن نجل محافظ النجف السابق، المدعو جواد لؤي الياسري، والمدان بتجارة المخدرات، من قبل محكمة جنايات الكرخ التي أصدرت بحقه في العام 2018 حكما بالسجن المؤبد.
يشار الى أن نسخة من المرسوم الجمهوري تسربت يوم أمس السبت، الى الأوساط الإعلامية، بينها “العالم الجديد”، وتبين أنها وقعت من قبل رئيس الجمهورية برهم صالح، في 10 كانون الثاني يناير 2022، استجابة لطلب رئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي المرسل في الخامس من ذات الشهر، وبعد يوم واحد من استقالة المحافظ المذكور.
ولا تخفي العديد من القوى الممثلة لـ”العرب السنة”، سعيها لإصدار قانون عفو أو إعادة محاكمة آلاف المتهمين بالإرهاب، بل إن بعضها يعتبر ذلك مطلبا أساسيا لإعادة بناء الثقة بين المكونات، وقلب صفحة الصراع الطائفي وإنهاء التشكيك بملفات المحكومين سابقاً.
عضو تحالف عزم إياد الجبوري، لم يخف محاولات كيانه السياسي تفعيل قانون العفو العام، معتبراً أن الكثير من المحكومين “أبرياء بسبب الوشاية والخلاف السياسي وأساليب الترهيب التي مورست بحقهم لانتزاع الاعترافات منهم، فضلاً عن مئات الأبرياء الذين زجوا في السجون لدوافع طائفية في عامي 2006-2007″، ويشير بذلك إلى الفترة التي عاش فيها العراق حرباً طائفية وشاع فيه القتلُ على الهوية.