لا تزال مشاهد الخراب والدمار تتصدر المشهد في بعض أحياء الأنبار، التي دُمرت بالكامل نتيجة العمليات العسكرية لتحريرها من سيطرة داعش في العام 2015، لكن المتضررين من أبنائها ينتظرون حتى اللحظة، التعويضات التي وعدتهم بها الحكومات، باستثناء المتنفذين والمسؤولين ممن تصدرت أسماؤهم قوائم المستحقين.
ويقول قائممقام قضاء الرمادي إبراهيم العوسج، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “وتيرة العمل بملف التعويضات كانت وما زالت بطيئة جداً، ومستوى التعويض طيلة السنوات الست التي مضت لم يتجاوز إلى الآن 10 بالمئة من مجمل المعاملات المرسلة إلى بغداد، وإن استمرت المصادقة بهذهِ النسب البسيطة، سيكون من الممكن بعد 35 عاماً من الآن إعلان انتهاء معضلة ملف التعويضات”.
ويضيف العوسج: “نحتاج من لجنة التعويضات زيادة أعدادها أو زيادة المصادقة على إجراءاتها، وزيادة التخصيص المالي للجنة من قبل مجلس النواب لكي يتم على أساسها زيادة عدد المصادقة”.
ويبين، أن “تأخر صرف مستحقات المتضررين له أسباب كثيرة، منها أن تخصيصات مجلس النواب للجنة التعويضات لا تتناسب مع حاجة المواطن، ومدينة الرمادي تحتاج لوحدها 6 ترليونات دينار لأجل إكمال كافة تعويضاتها، بينما مجمل التخصيص لعموم العراق يبلغ 400 مليار دينار”، مبينا أن “لجان التعويضات تتأخر في عملية المصادقة، فخلال سنة واحدة لجنة التعويضات المركزية في بغداد لديها تقريباً مليون معاملة، يتم المصادقة على 1000 أو 2000”.
وتؤكد الإحصائيات الرسمية إلى أن نسبة الضرر الذي تعرضت له مدن محافظة الأنبار تصل إلى 85 بالمئة، فقد قدرت الحكومة المحلية وفق الكشوفات الأولية مبالغ تعويض الأضرار بـ40 مليار دولار، وأن عدد الوحدات السكنية المتضررة يصل إلى أكثر من 250 ألف وحدة سكنية، توزعت النسب الأكبر منها بين مدينة الرمادي مركز محافظة الأنبار، ومدن الفلوجة والرطبة وهيت.
يذكر أن مجلس القضاء الأعلى أعلن بداية العام الحالي، أن رئاسة محكمة استئناف الأنبار أنجزت 4231 معاملة خاصة بتعويض المتضررين جراء العمليات الحربية والأخطاء العسكرية والعمليات الإرهابية في المحافظة، إذ وصلت نسبة الإنجاز في اللجنة الفرعية لتعويض المتضررين إلى 100 بالمئة، حسب البيان.
وفي ما يخص قانون تعويض المتضررين جراء العمليات الحربية والأخطاء العسكرية والعمليات الإرهابية رقم 57 لعام 2015، الذي ينص على منح المتضررين نصف القيمة المقدرة للتعويض، يوضح العوسج ، أن “المواطن لا يحصل حتى على نصف المبلغ الذي أجازه له القانون، وأن كل قرارات اللجنة التعويضية هي مخالفة للقانون، فبالأصل يحصل المواطن على كامل المبلغ، لكن أعطوه 50 بالمئة من المبلغ”.
ويلفت إلى أن “الكارثة أن المبلغ يذهب مقدراً 50 بالمئة إلى بغداد ويأتي مصادقاً عليه بـ 5 بالمئة، والمواطن لا يحصل إلا على 2.5 بالمئة في النهاية من أصل المبلغ، وأن أعلى مبلغ تم صرفه لهذه اللحظة في مدينة الرمادي التي هدمت دور المواطنين فيها لا يتجاوز 150 مليون دينار، رغم أن الكثير من الدور يتجاوز مبلغ تعويضها 10 مليار دينار فهي عمارات سكنية ضخمة”.
وبحسب تصريحات صحفية سابقة لمحافظ الأنبار علي فرحان الدليمي، فقد تم إنهاء تكليف لجنة تعويض المتضررين جراء العمليات الإرهابية في مدينة الفلوجة واستبدالها بلجنة جديدة على خلفية وجود حالات فساد مالي وإداري في آلية عمل اللجنة دون إحالة أي عضو فيها إلى القضاء كونهم ينتمون إلى أحد الأحزاب المتنفذة في الأنبار.
السياسي المستقل مهند الراوي، يبين خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “موضوع التعويضات موضوع شائك وما زال يحظى بمشاكل كبيرة في محافظة الأنبار، ولا سيما أن هناك معوقات عديدة وواحدة من أهم تلك المعوقات التي أدت إلى تأخير عمليات صرف مستحقات المتضررين هي وجود حالات التلاعب والتزوير”.
ويؤكد أن “هناك تقصيرا واضحا وصريحا في العمل بجدية حول هذا الملف، فقد تم ضبط الكثير من المعاملات المزورة، وهذا يقع على عاتق الحكومة المحلية، وهناك أحياء مهدمة بالكامل إلى الآن في الأنبار”.
وفي وقتٍ سابق، كشف السفير الكويتي لدى العراق سالم الزمانان، أن الكويت بمؤتمر المانحين بعام 2018 كانت لها مساهمات من خلال منحة 100 مليون دولار، والتي خصصت للمحافظات المنكوبة من بينها محافظة الأنبار، إذ بلغت تعهدات الدول المشاركة في مؤتمر الكويت لإعادة إعمار العراق إلى 30 مليار دولار، وقدمت هذه المساعدات للعراق على شكل قروض وتسهيلات ائتمانية واستثمارات من أجل إعادة بناء ما دمرته الحرب.
من جانبه، يبين محمد ناظم، وهو أحد المتضررين في المحافظة خلال حديث لـ”العالم الحديد”، أنه “في البداية وعندما عاد الأهالي إلى مناطقهم المحررة، بدأوا برفع أنقاض البيوت المتضررة، وبعد فترة قصيرة جاءت لجان التعويضات تتفقد الأضرار، فمنها الذي تعرض لضررٍ شامل ومنها لضررٍ جزئي”.
ويضيف “أكملت اللجان إحصاء المفقودات، وكان هناك أشخاص تابعون للجان نفسها لقاء مبلغ مادي يرفعون نسبة الضرر أكثر مما هي على أرضِ الواقع، وهذا كان في بداية سنة 2017 وحتى هذه اللحظة لم أتسلم شيئاً منذ 6 سنوات”.
ويتابع أن “من استلم التعويض فقط المتضررين الذين لديهم علاقات مع السياسيين والأشخاص المنتسبين في الوزارات، وكان هناك متنفذين يعرضون أخذ نصف مبلغ التعويض مقابل تسهيل المعاملة والمصادقة عليها من قبل اللجان،
يشار إلى أن صندوق إعادة إعمار المناطق المحررة تأسس وفقًا للمادة 28 من قانون الموازنة لعام 2015، ليكون جهازًا ينسق بين المنظمات الدولية والوزارات العراقية في عمليات إعادة الإعمار، إلا أنه لم يتمكن إلى الآن من تحقيق أي خطوة إيجابية، بل اعتبر حلقة زائدة تشوبها المحاصصة، وفقًا لمراقبين.