تشهد مجالس المحافظات تغييرات كبيرة، أسفرت حتى الآن عن الإطاحة برؤساء بعض المجالس، فيما تتجه العاصفة نحو مجلس العاصمة بغداد، في حين تحدثت مصادر حول نشوء تحالف جديد يقف وراء كل ما يجري بهدف تغيير خارطة المحافظات لصالحه بعيدا عن الكتل الأخرى، ويكون نواة لتحالفات مستقبلة لما بعد الانتخابات النيابية المقبلة.
التطور الأخير، وجده مراقبون عاملا سيؤثر على استقرار الحكومات المحلية، وحتى الاتحادية، التي يجب أن تحاط باستقرار سياسي، وسط تحذيرهم من أن تتسبب تلك التغييرات بتحريك الشارع عبر تظاهرات قد تتوسع إلى مناطق مختلفة بينها العاصمة.
وتقول مصادر سياسية مطلعة، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “هناك تغييرات كبيرة في خارطة التحالفات السياسية بمجالس المحافظات، وهذه التغييرات تمثلت بتغيير رؤساء مجالس محافظات ديالى وصلاح الدين وذي قار، إضافة الى تشكيل تحالف سياسي جديد في مجلس محافظة بغداد، لنفس الهدف”.
وتضيف المصادر، أن “التغييرات لن تقتصر على هذه المجالس فقط، بل سوف تشكل مجالس أخرى خلال المرحلة المقبلة”، عازيةً تلك التغييرات إلى “تحالفات جديدة تمهد لتحالفات مستقبلية كبيرة بعد الانتخابات التشريعية المقبلة”.
وتوضح أن “هناك تحالفا جديدا في مجالس المحافظات يضم كلا من دولة القانون وحركة عصائب أهل الحق، وحزب تقدم، وهذا يهدف إلى تغيير خارطة مجالس المحافظات، بعدما كانت لصالح كل من السيادة والعزم خاصة في ديالى وصلاح الدين وبغداد، كذلك هناك تحركات لتغيير خارطة التحالفات في المحافظات التي يتحكم فيها الإطار التنسيقي”.
وكان مجلس محافظة ديالى، صوت في 29 تشرين الأول أكتوبر الماضي، على إقالة رئيسه عمر الكروي، وذلك عقب جلسة استجواب طارئة، وانتخب بعد يومين نزار اللهيبي رئيسا جديدا للمجلس، لكن محكمة القضاء الأداري قررت في الثالث من الشهر الحالي قرارا يقضي بوقف قرار إقالة الكروي.
وجاء قرار الإقالة من المجلس، جاء بعد حراك سياسي لإزاحة الكروي من منصبه الذي تسنمه في الأول من آب أغسطس الماضي، وذلك بعد خلافات عصفت بالمجلس لتمرير مديري وحدات إدارية جدد، الأمر الذي أثار الجدل في المحافظة في جلسة أطلق عليها “جلسة الفجر”، نظرا لعقدها فجرا بهدف إجراء تغييرات في الوحدات الإدارية.
كما صوت مجلس محافظة صلاح الدين، في 30 تشرين الأول أكتوبر الماضين بأغلبية اعضائه على إقالة رئيسة عادل عبد السلام الصميدعي من منصبه، فيما أعرب الأخير عن رفضه القاطع لقرار الإقالة، معتبرا اياه إجراء غير قانوني وغير مستوف للشروط اللازمة.
من جهته، يبين الباحث في الشأن السياسي محمد علي الحكيم، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الحكومات المحلية في المحافظات تشكلت بسرعة ووفق تحالفات سياسية غير رصينة، ولذا نرى اليوم تغييرا في تلك التحالفات، وهذا ما سيدفع نحو تغيير المشهد السياسي في أغلب المحافظات”.
ويلفت الحكيم، إلى أن “تغيير خارطة التحالفات في المحافظات، لن يقتصر فقط على رؤساء مجالس المحافظات، وإنما سوف يشمل حتى المحافظين خلال المرحلة المقبلة، واكيد هذا سوف يشكل تهديدا للاستقرار السياسي النسبي في بعض المحافظات”.
ويتابع أن “تلك الخلافات والصراعات في المحافظات بالتأكيد سيكون لها تأثيرات سلبية كثيرة على أداء الحكومات المحلية والخدمات التي تقدمها إلى المواطنين، وسيكون لها ارتدادات على عمل الحكومة المركزية، التي يتطلب عملها الاستقرار السياسي والحكومي”.
وكان مجلس محافظة ذي قار، قد صوت في 14 آب أغسطس الماضي، على إعفاء رئيس المجلس عبد الباقي العمري، من منصبه، بالأغلبية المطلقة، خلال جلسة عقدت في مقر قيادة شرطة المحافظة.
ويتجه المجلس الآن، إلى استجواب المحافظ، وقد تم تحديد موعد استجوابه في 12 تشرين الثاني نوفمبر الحالي، بعد أن حصل على ستة تواقيع من أعضائه، وفي الوقت نفسه قام 14 نائبا عن المحافظة من أصل 19 بالتوقيع على استجوابه من قبلهم.
وفي العاصمة بغداد، أعلنت خمس كتل سياسية في مجلسها وهي دولة القانون برئاسة نوري المالكي، وتقدم برئاسة محمد الحلبوسي، والأساس برئاسة محسن المندلاوي، وأبشر يا عراق برئاسة همام حمودي، وبابليون برئاسة ريان الكلداني، تشكيل تحالف جديد باسم “القرار”، لتفعيل الرقابة في تنفيذ المشاريع.
إلى ذلك، يبين أستاذ العلوم السياسية خالد العرداوي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الصراع السياسي الجديد في المحافظات سوف ينتقل لبغداد وستكون له انعكاسات سياسية حتى على الحكومة العراقية، فهذا الخلاف سوف يعمق الصراع السياسي ما بين الكتل والأحزاب السياسية المتنفذة”.
ويستطرد العرداوي، أن “تغيير خارطة التحالفات السياسية في بعض المحافظات مبني وفق مصالح شخصية وحزبية وحتى هذه التحالفات الجديدة ممكن أن تتغير بأي لحظة، وهناك من يريد من تلك التحالفات أن تكون مقدمة لشكل التحالفات السياسية المقبلة، لكن هذا الأمر صعب، كون التحالفات الحالية ليست مبنية على رؤية ثابتة وإنما على مصالح مشتركة آنية”.
ويحذر من أن “استمرار التغيير في شكل الحكومات المحلية، ربما سيدفع إلى مشاكل سياسية خطيرة في بعض المحافظات، من خلال استخدام ورقة الشارع للضغط على بعض الأطراف السياسية التي تريد إجراء تغييرات في رؤساء المجالس أو المحافظين، ولهذا المرحلة المقبلة سوف تشهد صراعات جديدة ما بين الأحزاب السياسية كافة”.
ومنذ 2019 جرى تعطيل هذه المجالس بعد أكبر “انتفاضة” شعبية حدثت عقب زوال النظام السابق عام 2003، حملت مطالب كثيرة، على رأسها إلغاء مجالس المحافظات وتغيير قانون الانتخابات.
واستجابة لتلك المطالب صوت مجلس النواب في تشرين الثاني نوفمبر 2019، لصالح تعديل قانوني أنهى بموجبه عمل مجالس المحافظات، وتكليف أعضاء البرلمان بمهمة مراقبة عمل المحافظ ونائبيه في المحافظات، حتى أصدرت المحكمة الاتحادية قرارها في العام 2021، القاضي ببطلان قرار البرلمان وإجراء انتخابات مجالس المحافظات، وعلى إثره أجريت الانتخابات في كانون الأول ديسمبر 2023.