صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

تقرأ بكل اللغات.. الكتاب ينتعش في السليمانية 

تشهد الحركة الثقافية في السليمانية تطورا ملحوظا حيث يكثر فيها عدد المكتبات ودور الطباعة والنشر، بشكل يتناسب طرديا مع إقبال  المواطنين على قراءة الكتب بمختلف العناوين والمجالات، خاصة وأن أول مكتبة عامة تأسست في المدينة عام 1944.

وفي العام 1969 تم افتتاح أول مكتبة أهلية من قبل عمر عبد الرحمن والتي خدمت الأهالي لغاية قبل عامين، حيث وافت المنية صاحبها، وبعدها أغلقت لأن أبناء الراحل عمر عبد الرحمن يقيمون خارج العراق، فيما لا تزال مكتبة “زيان” مشرعة أبوابها منذ افتتاحها في العام 1979.

ويقول مصطفى صلاح، صاحب مكتبة “زيان” التي ورثها عن والده، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “المكتبة هي الأقدم في السليمانية، أسستها مع المرحوم والدي في عام 1979 في شارع كوران وسط المدينة، كنت حينها في الصف الثالث المتوسط، وفي عام 1984 أتممت تعليمي ونقلت المكتبة بعد أن وافت المنية والدي إلى شارع بيرة ميرد في المدينة، وكانت أكبر مكتبة في حينها حسبما كانت تصنفها المجلات الثقافية في المدينة وقتها”.

ويضيف “اليوم مكتبتنا أقدم مكتبة في السليمانية، لكن كانت مكتبة السليمانية التي يملكها الراحل عمر عبد الرحمن هي الأكبر وبعد وفاته تم إغلاقها وباتت مكتبتنا هي الأقدم”.

ويتابع “لدينا كتب في مختلف المجالات، وشهدت المكتبة نقلة نوعية بعد انتفاضة الشعب الكردي حيث باتت هناك حرية في الطباعة والنشر، وقد جلبت مختلف الكتب من خارج العراق، وكنت أتعاقد مع مكتبات في الصين لطباعة الكتب، ولدينا كتب بعدة لغات منها الكردية والعربية والإنكليزية”.

ويؤكد صلاح أن “أكثر الكتب رواجا هي الكتب العربية وخاصة المتعلقة بالتنمية البشرية وتطوير الذات، كذلك الروايات العالمية المترجمة للعربية وذلك لأن اللغة العربية غنية وهناك الآلاف من الكتب العربية”.

يشار إلى أن الكتب باللغة الإنكليزية تنافس نظيراتها العربية والكردية بقوة في الأسواق، حيث تشهد إقبالا من شريحة الشباب، ولا يقف الأمر عند هذا الحد، بل هناك مكتبات مختصة بالكتب الإنكليزية، مثل مكتبة “رومان”.

ويوضح ريبند، صاحب مكتبة “رومان”، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “أغلب من يقصدون المكتبة هم من الشباب وخاصة طلبة المعاهد والجامعات، وهناك إقبال على اللغات الثلاث وهي الكردية والعربية والإنكليزية”.

ويبين “لدينا آلاف العناوين من الكتب لمختلف الأعمار، وتشمل الروايات والتاريخ والسياسة والقصص وغيرها، فالشباب الذين يرتادون المكتبة يبحثون عن الكتب ذات المواضيع العصرية، كما أن هناك من يبحث عن المواضيع الكلاسيكية، أما طلبة المعاهد والجامعات فغالبا ما يبحثون عن الكتب التي تعتبر مصادر لبحوثهم”.

ويلفت إلى أن “الطلبة ممن ما يزالون في المرحلة الدراسية دون السادس الإعدادي يبحثون عن الكتب التي صدرت حديثا حيث تلعب وسائل التواصل الاجتماعي دورا في حركة النشر لتداول عناوين ومواضيع الكتب فيها بين الشباب والمراهقين”.

وإلى جانب المكتبات، هناك أيضا سوقا للكتب المستعملة وهي أيضا تشهد رواجا، خاصة وأن أسعارها مخفضة وفي متناول يد الكثير من ذوي الدخل المحدود.

ويؤكد حاجي كوسرت، صاحب بسطة للكتب في ساحة السراي الحكومي وسط سوق المدينة، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “هناك إقبال على الكتب المستعملة، فأنا أشتريها من القراء بعد أن ينهون قراءتها، وأقوم ببيعها بأسعار مخفضة وبنصف سعرها أو أقل”.

ويردف بالقول “أغلب الكتب التي أبيعها باللغة الكردية وهناك إنكليزية لكن الكتب العربية بيعها قليل لأن الكثير لا يجيد اللغة العربية، والمواضيع عندي متنوعة كالروايات والقصص، والكتب العلمية والتاريخية التي تعتبر مصادر للباحثين”.

ويواصل “أعمل في هذه المنهة منذ أكثر من ربع قرن وفي منطقة السراي هذه التي تعد تاريخية وهي مقصدا للقراء، ولدينا أيضا زبائن من السياح من وسط وجنوب العراق ممن يقتنون الكتب العربية، وهناك نسبة من الشباب الكرد الذين يبحثون عن كتب الروايات والقصص”.

ومع انتشار مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع المختصة بنشر الكتب الإلكترونية بات الإقبال على اقتناء الكتب الورقية يواجه تراجعا كبيرا واضطرت الكثير من المكتبات إلى غلق أبوابها وتحولها نحو المحال التجارية ومشاريع أخرى، إلا أنه ما زال هناك من يفضل الكتب الورقية وما زالت بعض المكتبات صامدة أمام هذا التحول.

وتقول لانا محمد (15 عاما)، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إنها تحب القراءة كثيرا باللغة الإنكليزية “أقتني الكتب التي تناسب أفكاري وتلك التي تصدر حديثا وخاصة الروايات وكتب تنمية الثقافة العامة، كما لا أميل لقراءة الكتب التاريخية”.

وبحسب أصحاب المكتبات في استطلاعات رأي سابقة، تتصدر الروايات والقصص القصيرة مبيعات الكتب في معظم المحافظات العراقية، إلى جانب المؤلفات التي تتناول التاريخ السياسي ومذكرات السياسيين والمسؤولين.

وعلى العكس من لانا فإن هاوكار علي، وهو في العقد الرابع من عمره، يشير خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إلى أنه يفضل قراءة الكتب الكردية والعربية وخاصة التاريخية منها والروايات الطويلة “اختلاف الثقافات بين جيلي والجيل الحالي يجعل مني وأبناء جيلي نقبل على قراءة الكتب التاريخية والثقافية أكثر”.

ويؤكد “أنا أجيد اللغة العربية أيضا وهو ما يجعلني أواظب على قراءة الكتب العربية لما ألتمسه من كثرة التعابير والبلاغة فيها، كما أنها تساعدني على تقوية لغتي العربية”.

وشهدت دور النشر والمكتبات نشاطا ملحوظا بعد العام 2003، حيث تم فتح العديد منها داخل العراق كما افتتحت دور النشر العربية والأجنبية فروعا لها في بغداد، وخصوصا بعد تحسن رواتب الموظفين وحركة المشاريع الاستثمارية، ما أسهم بإنعاش سوق الكتب في مختلف المحافظات العراقية.

إقرأ أيضا