جرح العراق النازف مدينة تلعفر التي رغم أنها تلاصق الحدود العراقية السورية، وتقع على مرمى حجر من معاقل الإرهابيين، ورغم جميع محاولات (داعش) بعدته وعدده وقدرته العسكرية المهولة فانها رفضت أن تسقط. تلعفر لأنها مدينة لا تريد (داعش) ولا تريد من يقف وراءهم، لأن فيها مجموعات مسلحة تقاتل بإخلاص وتمكنت من استعادة ما وقع بأيدي التنظيم الإرهابي من أحياء، لأن فيها قائد عسكري تحلّى بروح المسؤولية، لذلك كله لم تسقط.
انطلاقا من ذلك النموذج الاستثنائي الجميل علينا تقييم الموقف السياسي والعسكري مما حصل في الأسبوع الأخير في العديد من المدن العراقية. الخطايا الكبرى التي حصلت في صفوف الجيش العراقي وتخاذل وعمالة الضباط الكبار، تتضح معالمها أكثر وأكثر حينما تقارن بما حصل في تلعفر من موقف مشرف بطولي يستحق الاحترام والتقدير.
لست ميالا كثيرا للشعارات المفرطة بالمثالية، ولست أيضا ممن يميلون للتضحية بقوافل من الضحايا من اجل حفنة من اللافتات السياسية، بصراحة وبغض النظر عن جميع ما يقال، لو لم تكن تلعفر رافضة بأهلها وناسها لـ(داعش) والبعثيين لما صمدت يوما واحدا أمام الترسانة العسكرية التي يمتلكها المهاجمون. من هنا نعي حجم الانقسام الاجتماعي والسياسي الحاد جدا بين مكونات هذا البلد؛ تلعفر تفسر سقوط الموصل بلا مواجهة مع الجيش، وتفسر أيضا سقوطها بلا ردة فعل ملحوظة من أهالي الموصل أنفسهم!
علينا مراجعة أنفسنا من جديد انطلاقا من تلعفر، وهل نحن العراقيون جميعا نقاتل حقيقة في خندق واحد؟! إن تلعفر وأحداثها اكبر بكثير من مواجهة ميدانية مع (داعش) والبعثيين، بل هي سؤال كبير يعيد صياغة الهوية العراقية من جديد، ولا يقيم الموقف العسكري فحسب. انطلاقا من تلعفر يجب أن نقيم الموقف ونعيد صياغة الهوية العراقية، ونبتعد عن خطاب المجاملات. خطاب الصراحة الممزوج بالمرونة والعقلانية أفضل بكثير لجميع المكونات من خطاب المجاملات الذي لا يسمن ولا يغني من جوع.
gamalksn@hotmail.com