تعيش مياه نهري دجلة والفرات مرحلة خطيرة من التلوث، إذ وصلت نسبة التلوث إلى ما يقارب 90% وفق تحليلات بيئية وتقارير صادرة عن منظمات محلية ودولية، الأمر الذي اعاد الحديث حول سياسة دول المنبع وتحديدا تركيا في عدم إعطاء حصة العراق العادلة.
ويعود سبب انحسار مياه دجلة والفرات إلى “سياسات دول المنبع” وتحديدا تركيا التي قامت ببناء العديد من مشاريع السدود والاستصلاح الكبرى، دون التنسيق مع العراق الذي يعد دولة مصب، وذلك ما أثر على استحقاقاته التاريخية في النهرين اللذين تراجعت الإيرادات الواصلة لهما إلى أقل من 30 بالمئة من معدلاتها الطبيعية.
إذ قالت الباحثة في الشأن البيئي نور الموسوي لـ”العالم الجديد”، إن “التغيرات المناخية ونقص تدفق المياه بفعل التحكم بمصادرها من قبل دول الجوار، زاد من تفاقم مشكلة التلوث، حيث بات العراق يواجه أزمة نقص حادة في المياه مع تدنٍ في جودة الإمدادات المتاحة.”
وأضافت أن “هذه العوامل المتراكمة تجعل الحل أكثر تعقيداً”، مبينة أن “أية محاولة لمعالجة التلوث لن تكون فعّالة دون معالجة أزمة تدفق المياه من المنبع”.
وأدى تزايد النشاط العمراني وتغيرات المناخ وارتفاع درجات الحرارة، فضلا عن قلة الأمطار وشح المياه، إلى اختفاء الأراضي الزراعية في العراق ما انعكس سلباً على البيئة وزاد من التلوث في البلاد.
إلى ذلك شكا عدد من المواطنين، اليوم الخميس، انبعاث الروائح الكريهة من مياه الشرب في العاصمة بغداد.
وقال أحد المواطنين لـ”العالم الجديد”، “نحن نعيش كارثة، لم تعد المياه تصلح للشرب أو حتى لري المحاصيل، وفي بعض الأحيان تتصاعد روائح كريهة من مياه الإسالة وكأننا نعيش بجوار مجمع نفايات”، داعيا الحكومة إلى الاهتمام بواقع مياه العاصمة وتنقيتها”.
وتعود أسباب تفاقم تلوث المياه في العراق إلى عوامل عديدة متداخلة، يأتي في مقدمتها التلوث الصناعي والتصريف العشوائي للصرف الصحي، ما أدى إلى ارتفاع نسب المواد الكيميائية والبكتيريا الضارة بشكل غير مسبوق.
وكان مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية والتنمية غلام إسحاق، أعلن قبل يومين، أن 90% من مياه نهري دجلة والفرات مياه سطحية ملوثة.
وقال إسحاق، إن “العراق واحد من الدول التي تعاني أشد معاناة من آثار احترار العالم والتغير المناخي، وتراجع مناسيب مياه نهري دجلة والفرات اللذين يعتمد عليهما العراق كان له أثر كبير”.
وأضاف: “لدينا إحصائية تخبرنا بأن نحو 37 ألف شخص هاجروا من مناطق في جنوب العراق وغيروا مواطنهم بسبب آثار التغير المناخي”.
ويوفر العراق نسبة 70 بالمئة من إيراداته المائية من خارج الحدود، حيث تسعى الحكومة إلى التنسيق مع دول أعالي الأنهار بشأن الإيرادات.
وعقدت اللجنة الدائمة المُشترَكة للمياه بين العراق وتركيا، في 31 أكتوبر تشرين الأول الماضي، اجتماعها الثالث في أنقرة لمناقشة تطورات ملف الثروة المائيَّة والسُبُل الكفيلة بالحفاظ عليها والإفادة منها، وحسم المسائل والقضايا الخاصة بملف المياه بين البلدين، إلا انها لم تخرج بأي شيء يذكر.
وكانت لجنة المياه والاهوار البرلمانية، كشفت في 12 مايو آيار الماضي، عن عدم تطبيق تركيا الاتفاقية بشأن الحصص المائية العادلة، داعية الحكومة إلى استغلال الحكومة مقررات القمة العربية التي عقدت في المنامة لضمان حصوله على حقوقه المائية من تركيا.
وشدد البيان الختامي للقمة العربية التي عقدت في العاصمة البحرينية المنامة، في 16 آيار مايو الماضي، على أن الأمن المائي العربي جزء لا يتجزأ من الأمن القومي العربي، خاصة لكل من جمهورية مصر العربية وجمهورية السودان، والتشديد على رفض أي عمل أو إجراء يمس بحقوقهما في مياه النيل، وكذلك بالنسبة للجمهورية العربية السورية، وجمهورية العراق فيما يخص نهري دجلة والفرات، والتضامن معهم في اتخاذ ما يرونه من إجراءات لحماية أمنهم ومصالحهم المائية، معربين عن القلق البالغ من الاستمرار في الإجراءات الأحادية التي من شأنها إلحاق ضرر بمصالحهم المائية.
ووصل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في 22 نيسان أبريل الماضي، إلى العاصمة بغداد في زيارة هي الاولى منذ 13 عاما، فيما وصف رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، زيارة اردوغان الى العراق، بأنها “ليست زيارة عابرة”، وستتضمن لأول مرة وضع الحلول بدلا من ترحيل الأزمات، فيما وقع العراق مع تركيا ، 26 اتفاقية ومذكرة تفاهم تتعلق بمجالات مختلفة أبرزها اتفاقية إدارة الموارد المائية.
ورغم الترحيب الرسمي، فقد أثارت الاتفاقية غضب خبراء المياه لعدم إنهائها الخلاف حول “محلية” أم “دولية” نهري دجلة والفرات، وعدم الوضوح في تحديد كميات المياه التي سيتم إطلاقها إلى العراق، حيث تعتبر أنقرة نهري دجلة والفرات نهرين محليين تركيين، وليسا نهرين دوليين.
وحذر تقرير صادر عن منظمة اليونسكو، فى 1 إبريل نيسان الماضي، بأن يكون العراق مقبل على حرب مياه بحلول العام 2050.
وشهدت الاهوار العراقية العام الماضي، اقسى موسم جفاف منذ إعادة اغمارها بالمياه من جديد بعد عام 2003، بحسب الخبير البيئي جاسم الاسدي.
وأدى ارتفاع درجات الحرارة في العراق إلى انخفاض كبير في هطول الأمطار السنوي، والذي يبلغ حاليا 30 في المئة، ومن المتوقع أن يصل هذا الانخفاض إلى 65 في المئة بحلول عام 2050.