تجري بهدوء عملية نقل المعدات والمحتويات من المقر المتقدم لقيادة عمليات كركوك، إلى مقر بديل يقع خارج المحافظة، تمهيدا لتسليمه إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني، وهو الحدث الذي تم تأجيله أكثر من مرة بسبب الإثارة السياسية والقانونية المصاحبة له.
وما زال طرح المسألة يثير جدلا بين السياسيين، ففيما رأى الحزب الديمقراطي الكردستاني أن عودته للمحافظة، حق طبيعي، وأن معارضيها يخشون منافسته في الانتخابات المقبلة، عزا الإطار التنسيقي عدم عودته إلى الرفض الشعبي، وأنها لن تتم إلا بعد التوافق السياسي، وسط معارضة من المكونين العربي والتركماني.
ويقول مصدر محلي مطلع، في حديث لـ”العالم الجديد”، إن “عمليات نقل المعدات من مقر العمليات المتقدم في كركوك، تجري على قدم وساق إلى مكان بديل يقع خارج المحافظة، تمهيدا لتسليمه إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني”.
ويضيف المصدر، أن “التسليم يجري وفق جدول زمني معد سلفا، ينتهي في الأسبوع الأول لشهر تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، خصوصا بعد رفع الأمر الولائي عن تسليم المقر، وتطبيقا للاتفاق السياسي الذي جرى بين مكونات ائتلاف إدارة الدولة”.
وكانت المحكمة الاتحادية ردت، الخميس الماضي، دعوى تتعلق بمنع الحزب الديمقراطي الكردستاني من شغل المقر المتقدم في محافظة كركوك، والذي كان يشغله قبل 2017، ملغية بذلك، الأمر الولائي الصادر عنها بالمنع في وقت سابق.
من جهته، يقول القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني وفاء محمد كريم، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “قرار المحكمة الاتحادية كان متوقعا جداً، ونعتقد أن مثل هكذا قضايا ليست من اختصاص هكذا محكمة لحل الخلافات الدستورية”.
ويبين كريم، أن “عودة الحزب الديمقراطي الكردستاني، أمر طبيعي لممارسة دوره السياسي، كحال باقي الكتل والأحزاب السياسية، فالمحافظة لكل العراقيين ولكل الكتل والأحزاب، وليست حكرا على جهة دون جهة أخرى، خصوصا وأن الحزب الديمقراطي الكردستاني يمتلك ثقلا شعبيا كبيرا في كركوك”.
ويضيف أن “الهجمة بشأن عودة الحزب الديمقراطي الكردستاني إلى كركوك، كانت لدواع سياسية وهي خشية من عودة الثقل السياسي للحزب الديمقراطي في المحافظة، كما هناك خشية من اكتساح الحزب لنتائج الانتخابات المقبلة، ولذا فإن بعض الجهات حاولت إثارة الفوضى والمشاكل بشأن عودة الحزب الديمقراطي الكردستاني إلى كركوك”.
وفي 3 أيلول سبتمبر الماضي، أوقفت المحكمة الاتحادية قرار رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، بإخلاء المقر المتقدم للعمليات المشتركة في كركوك، وتسليمه للحزب الديمقراطي الكردستاني.
وتأججت الأوضاع الأمنية في كركوك بداية أيلول سبتمبر الماضي، وهو موعد تسليم مقر الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي غادر المدينة منذ 2017 بعد إجراء الإقليم استفتاء الاستقلال، الذي أعقبه خلاف مع بغداد، أعيد على إثره نشر القوات الاتحادية في المحافظة المتنازع عليها، ليغادر الحزب الديمقراطي المدينة منذ ذلك الحين.
وكان قرار إرجاع الحزب الذي يتزعمه بارزاني إلى المدينة، جزءا من اتفاق تشكيل الحكومة الحالية التي يرأسها السوداني، لكن ذلك واجه رفضا حادا من مواطنين يمثلون مكونات مختلفة في كركوك عبروا عنه بالتظاهرات التي أغلقت الطرق نهاية آب أغسطس الماضي.
وبحلول أيلول سبتمبر الماضي، تفجرت الأوضاع بعدما قتل أربعة أكراد على الأقل وأصيب 16 شخصا آخرون، حين اندلعت تظاهرات في كركوك، فرضت الحكومة على إثرها، حظرا للتجول بعد أيام عدة من التوتر، حيث ضمت هذه التظاهرات سكانا كردا من جهة وآخرين من العرب والتركمان، وشهدت صدامات رغم وجود قوات الأمن.
في الأثناء، يشير القيادي في الإطار التنسيقي عائد الهلالي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إلى أن “الرفض السياسي والشعبي ما زال مستمرا ومتصاعدا بشأن عودة الحزب الديمقراطي الكردستاني، إلى كركوك، إذ أنها ستعيد المشاكل والفوضى من جديد إلى المحافظة”.
ويبين الهلالي، أن “الحزب الديمقراطي الكردستاني أثار خلال الأيام الماضية الفتنة والفوضى، وكانت هناك خسائر بشرية ومادية من أجل عودته إلى محافظة كركوك”، لافتا إلى أن “القوى السياسية والجماهيرية تخشى عودة البارتي لكركوك، لما ارتكبه سابقاً من عمليات عنف وتعذيب بحق المكونات والفواعل السياسية والشعبية”.
ويتوقع أن “تكون قضية عودة الحزب الديمقراطي الكردستاني إلى كركوك، محل بحث ومناقشة القوى السياسية المتحالفة في ائتلاف إدارة الدولة، وربما يكون هناك اتفاق بشأن هذه العودة خلال الفترة المقبلة، فكل شيء سيكون خاضعا للاتفاق والتوافق السياسي”.
وبحسب تقارير أعدتها “العالم الجديد”، يواجه سعي الحزب الديمقراطي الكردستاني للعودة إلى كركوك وافتتاح مقراته، رفضا حادا من قبل طيف واسع داخل المدينة المعروفة بتعددها القومي والديني والمذهبي، إذ تؤكد المكونات الرافضة للحزب الأصفر، أن عودته تشكل تهديدا للسلم الأهلي، لكن الحزب يدافع عن عودته، ويفسر عملية رفضه بخشية هذه المكونات من تسيّده للانتخابات المحلية.
وكانت القوات الاتحادية أعادت في 16 تشرين الأول أكتوبر عام 2017، الانتشار في كركوك وباقي الأراضي المتنازع عليها التي كانت تحت سيطرة قوات البيشمركة إبان حكومة حيدر العبادي، وذلك بعد إجراء إقليم كردستان استفتاء الاستقلال، وعلى إثرها غادر الحزب الديمقراطي مقراته الـ33 بشكلٍ نهائي ومن ضمنها المقر المتقدم الذي تشغله العمليات المشتركة في كركوك.
من جهته، يؤكد النائب السابق عن المكون التركماني، فوزي أكرم ترزي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “رفض عودة الحزب الديمقراطي الكردستاني إلى كركوك أمر لا تراجع عنه، واي سعي لهذه العودة يعني عودة التظاهرات الشعبية الرافضة لهذه العودة، وهذا الرفض يأتي بسبب سياسة الديمقراطي الكردستاني تجاه أبناء كركوك وما فعله سابقاً عندما كان يتواجد في المحافظة”.
ويوضح ترزي، أن “هناك خشية سياسية وشعبية من عودة الحزب الديمقراطي الكردستاني، إلى كركوك، فالأطراف السياسية والشعبية لا تريد عودة ممارسة تعذيب أبناء كركوك وعمليات الاختطاف وحتى عمليات الاغتيال، فالكل يخشى زعزعة الأمن والاستقرار في كركوك بسبب عودة البارتي”.
ويشدد القيادي التركماني، على أن “أبناء كركوك بكل مكوناتهم رافضون لعودة الحزب الديمقراطي الكردستاني، وهم غير معنيين بأي اتفاق سياسي بشأن عودة البارتي، وعملية الرفض الشعبية والسياسية ستبقى مستمرة والفواعل الشعبية سوف تنزل للشارع مجدداً لمنع هذه العودة”.
جدير بالذكر، أن محافظة كركوك تزخر بالعديد من حقول النفط العملاقة والمعادن الأخرى، فضلا عن غناها الثقافي واحتوائها على مواقع أثرية وتاريخية ما جعلها واحدة من أغنى وأهم مدن العراق والعالم على حد سواء.