كلما اقترب موعد الانتخابات البرلمانية ازداد سعار المعارك الكلامية بين السياسيين، وتبادل الاتهامات، وعرض الوثائق الفاضحة امام شاشات التلفزيون، ونشر المقالات والاخبار في الصحافة، واستخدام منابر المساجد والحسينيات لأغراض التسقيط السياسي. وها نحن نشاهد كل يوم وجوها تقلصت بالكراهية والغل وهي تفضح وجوها منافسة هي ليست بأحسن منها. وسوف يرتفع مؤشر المعارك والفضائح، استعدادا لمعركة الجلوس على مقعد الثراء والنفوذ والكسل البرلماني. ويبدو أن القوم يشحذون كل اسلحتهم استعدادا للمعركة المقبلة، لأنهم قرروا جميعا ألا (ينطوها) وان خاضوا بحر الدم والوحل.
إلا ان التنابز بالألقاب بين الساسة، وهو نوع متدن من المنافسة الانتخابية، ظاهرة صوتية نافعة، لأنها تكشف الكثير مما لم نكن نعرفه. لو لم تنشب المعركة الكلامية على شاشة البغدادية بين الفتلاوي والشهيلي، من أين كان لنا ان نعرف ان البرلمانيين يصلحون ما تهرأ من اجسادهم على حساب الدولة وبمبالغ مخيفة في أرقى مستشفيات العواصم التي دأبوا على زيارتها في رحلة الشتاء والصيف وما بينهما. كل هذا والعراقيون يعالجون امراضهم المستعصية في مستشفيات الدولة، التي تحولت الى مكبات للنفايات ومستعمرات للجرذان والصراصر.
لو ألقينا نظرة شاملة على حفلات التنابز بالألقاب، لوجدنا ان فرسانها الذين يأتون متأبطين ملفات الفساد والفضائح، هم في واقع الأمر مجرد ميكرفونات لكتلهم السياسية التي تخوض صراعا شرسا مع الكتل الأخرى. فالصدريون ضد دولة القانون، والعراقية ضد الاثنين، والمجلس الأعلى يناور على جبهات عدة ودولة القانون ضد الجميع.
ندرك جميعا، ان الانتخابات القادمة لن تفضي الى تغيير في تركيبة البرلمان، وان الناخب، حتى وان رفض صيغة المحاصصة ورموز الفساد، لن يقوى على فرض ارادته، لأن قواعد اللعبة هي التي تفرض نتائجها. وفي ظل قانون الانتخابات، الذي صمم بحرفية أشك في ان أيا من الساسة العراقيين يتوفر عليها، فان المدخلات مهما تنوعت وتغيرت سوف تفضي الى المخرجات ذاتها المرسومة سلفا. وبالتالي فان العراقيين لن ينتخبوا سوى بضعة أنفار، عددهم في الدورة الحالية ستة عشر نائبا فقط، اما المئات الأخرى فانها ستدخل البرلمان تحت عباءة الكتلة السياسية وبعضهم سوف يحصل على اصوات بالعشرات فقط، لكنه سيحتل المقعد الوثير ليدعي تمثيل مائة الف عراقي، تماما كما هو الحال في الدورة الحالية. واذا ما تغيرت بعض الوجوه فان هذا لن يكون قرارنا، انما قرار الكتلة التي ترفع من تشاء وتهبط بمن تشاء.
لماذا اذن يخوض القوم كل تلك المعارك الدامية ويفضحون بعضهم بعضا، ما داموا يركبون القارب ذاته ويسلمون مجاديفه لأصحاب الشأن المتوافق عليهم؟ هو في نهاية الأمر صراع مصالح وتوازنات، واستحواذ على مناطق النفوذ واقتسام ثروة هائلة تتدفق بلا عدادات، ومن يستحوذ على الحصة الأكبر من كل ذلك سيجلس في مقعد السلطان.
لم يبق للعراقيين درب لفرض التغيير، سوى الحراك الجماهيري المتواصل، لعل القوم يستفيقون من غفوتهم اللذيذة ليصدموا بوجود شعب يحاسبهم على كل ما مضى.