بلغني أيها الملك السعيد أنّ السيدين وزير الإسكان محمد الدراجي (وهو مهندس شاب طَموح شاهدت لقاء تلفزيونياً معه ذات مرة فكان مُقنعاً ومهذباً وذا دراية بوظيفته وأهميتها، إنما تنقصه التجربة كما بدا لي وتعيقه ارتباطاته الحزبية عن تجسيد تلك الطموحات)، و زميله محافظ بغداد الجديد علي التميمي (لا أعرف عنه شيئاً مع الاحترام) احتفلا يوم الأربعاء الماضي بتسليم بناية المحافظة الجديد. و خلال المؤتمر الصحفي الذي تلا ذلك صرح الوزير بأن ثمة أكثر من مليون ستمائة ألف مواطن يسكنون العشوائيات في بغداد وأنه يرى أن الحل هو في تحويل الأراضي الزراعية في أطراف بغداد إلى أراض سكنية لأن ( مركز العاصمة لا يحتمل بناء مجمعات سكنية، لذلك سنتجه إلى الأطراف).
والحقيقة المرة هي أن الوزير وزميله المحافظ الجديد – إنْ كان متفقاً معه – يحاولان حلَّ المشكلة الإسكانية بإحداث كارثة كبرى بأطراف بغداد الزراعية فكانا كمن جاء يكحلها فأصابها بالعمى!
معلوم أن العراق برمته يتعرض منذ عقود لعملية تصحير وتآكل سريع ومستمر في رقعته الخضراء لأسباب خارجية فـ:
– شمالا، ثمة السدود التركية العملاقة، التي خفضت حصة العراق من مياه الرافدين الى أقل من النصف.
– وشرقا، ثمة المشاريع الإيرانية المائية الجشعة والتي قطعت بموجبها السلطات الإيرانية أكثر من 40 رافدا تصب في دجلة وشط العرب.
– وغرباً، ثمة محاولات السلطات السورية منذ عقود للاستيلاء على أجزاء من حصة العراق المائية من الفرات.
وإذا ما أضفنا إلى هذه العوامل، ما تقوم به وزارة الإسكان، ومحافظة بغداد، والمحافظات الأخرى، ووضعنا إلى جانبها ما يقوم به تجار العقارات والمزارعون الجشعون من عمليات إبادة حقيقية لغابات النخيل في المحافظات بهدف بيعها كأراض سكنية غالية الثمن بعد الاحتيال على القانون الذي يمنع ذلك، فسنكون أمام عملية تدمير منهجية وقاسية للبيئة العراقية ستقضم ما تبقى من الأراضي الزراعية، التي لم يبقَ منها الكثير بسبب عمليات الاقتطاع والإهداء التي تقوم بها السلطات الرسمية لعلية القوم من برلمانيين ونقابيين وصحفيين وعسكريين وذوي شهداء وسجناء سياسيين سابقين …الخ. إنَّ هذه الأفعال سيكون لها تأثير كارثي قد يفوق تأثير السدود التركية والمشاريع الإيرانية والسورية على العراق والأجيال العراقية القادمة والتي ستستلم عراقاً لا يختلف كثيرا عن الربع الخالي، تتناثر فيه العمارات والمجمعات السكنية البلهاء والناقصة أو العديمة الخدمات مقابل أن يحصل الوزير الفُلاني أو المحافظ العلاني على المزيد من الأصوات الانتخابية من الشعب المسكين وليس من أجل سواد عيون العراقيين ذوي الحاجة للسكن اللائق! ولكن لماذا لم يفكر الوزير ببديل آخر غير ريف بغداد الأخضر؟
السيد الوزير تحججَ بأن مركز بغداد لا يحتمل مجمعات سكنية، وقبله تحججَ مسؤول آخر بأن الوزارات الأخرى لا توافق على منح أراضٍ حكومية لمشاريع الإسكان بسبب البيروقراطية والفساد. وهذه الحجج لا تصمد أمام الحقائق والبدائل التالية إذْ يمكن توفير الأراضي السكنية في مركز العاصمة عن طريق:
– هدم الأحياء القديمة والآيلة للسقوط (كما حدث بالضبط عند إنشاء شارع \”حيفا\” الجميل في حي الجعيفر بالكرخ).
– إزالة الأحياء العشوائية وتحويلها الى مجمعات سكنية حديثة ضمن أسلوب الإسكان العمودي ومنح الأولوية في التمليك بعد الإنجاز لأهالي تلك الأحياء القديمة والأحياء العشوائية.
– تحويل أحياء السكن الأفقي كمدينة الثورة\” الصدر حاليا\” الى سكن عمودي علما بأن هذه المدينة تضم 79 قطاعا ومساحة كل قطاع أكثر من 25 ألف متر مربع.
– كما يمكن إحراج الوزارات والوزراء و المسؤولين الذين يعرقلون أو يسوفون في تخصيص الأراضي السكنية لمشاريع الإسكان وعرض الحقائق والوثائق الخاصة بذلك على الرأي العام.
شهادة: في إحدى الدول البعيدة التي تحترم نفسها وشعبها، ثمة قانون يُلزِم مَن يجتث شجرة لأسباب لا يمكن الطعن فيها، كأن تكون الشجرة نفسها مصابة بمرض لا علاج له، بأن يقوم بزراعة شجرتين من ذات النوع في أماكن قريبة من الشجرة التي تم اجتثاثها! ولماذا نذهب بعيدا، ففي جارتنا تركيا حدثت الانتفاضة العارمة الأخيرة بعد أن حاول أردوغان اجتثاث عدة أشجار من ساحة \”تقسيم\” ليحولها الى منشآت سياحية و \”مولات\” لصالح المستثمرين الأجانب والبرجوازيين المحليين؟
زبدة الكلام: ثمة ضرورةُ لازبة لسنِّ قانون يمنع منعاً باتاً تحويل الأراضي الزراعية الى أراض سكنية أو تفعيل هذا القانون إنْ كان له وجود حاليا، وتشديد العقوبات فيه على المخالفين إلى درجة تجريمهم… وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح!
* كاتب عراقي