بعد أكثر من 32 هجوما على القواعد الأمريكية في العراق من قبل الفصائل المسلحة، ردت واشنطن بقصف جوي استهدف مقار ومخازن أسلحة تابعة لتلك الفصائل الواقعة شمالي بابل وتحديدا في منطقة جرف الصخر، الموقع الذي استهدفته واشنطن في العام 2020، ردا على استهداف السفارة الأمريكية آنذاك.
الرد الأمريكي، وضع الحكومة العراقية في حرج كبير، أمام المجتمع الدولي من جهة، بسبب العجز عن ضبط نشاط الفصائل المسلحة، ومن جهة أخرى أمام تلك الفصائل لجهة فشلها في حمايتها من القصف الأمريكي، وفقا لمراقبين توقعوا أيضا تنامي التصعيد قريبا، نظرا لعدم توقف الفعل ورد الفعل بين الطرفين، ما قد يدفع واشنطن لاستخدام الملفات المالية للضغط على بغداد.
ويقول رئيس المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية غازي فيصل، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “الرد الأمريكي على الفصائل كان متوقعا، خصوصاً بعد إبلاغ الجانب الأمريكي الحكومة العراقية بأن عدم قيام بغداد بالتزاماتها بحماية عناصر التحالف الدولي، فأن واشنطن ستقوم بعمليات لحماية قواتها وعناصرها”.
وكان الجيش الأمريكي، نفذ فجر يوم أمس الأربعاء، ضربات جوية استهدفت مخازن السلاح لكتائب حزب الله، وهو أحد الفصائل المسلحة، وذلك في جرف الصخر جنوبي بابل.
ويضيف فيصل، أن “التوقع هو أن الرد الأمريكي لن يتوقف عند هذه الضربة الأخيرة، خصوصاً مع استمرار استهداف الفصائل للمصالح الأمريكية في العراق سوريا، بالتالي فأن الهجمات الامريكية ستكون أيضا مستمرة، وهذا ينذر بوضع أمني خطير وغير مستقر، وقد تكون له تداعيات كبيرة”.
ويلفت إلى أن “الحكومة العراقية عليها التحرك سريعاً لمنع الفصائل من استهداف المصالح الأمريكية، وكذلك تهدئة واشنطن، حتى لا يكون هناك تطور قد يخرج الأمور عن سيطرة الحكومة بشكل كامل، خصوصاً في ظل وجود قوة مسلحة خارج إطار الدولة، وتعمل وتتحرك بغطاء الدولة”.
وقالت القيادة العسكرية الأمريكية الوسطى، إن “القوات الأمريكية نفذت ضربات منفصلة ودقيقة ضد منشأتين في العراق، وهي رد مباشر على هجمات شنت على القوات الأمريكية وقوات التحالف”.
وجاء القصف الأمريكي، بعد أن أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاغون”، يوم الثلاثاء، تنفيذ ضربة في العراق ردا على هجوم استهدف عسكريين أمريكيين في المنطقة، بعد استهداف قاعدة عين الأسد في الأنبار بصاروخ باليستي.
وكانت كتائب حزب الله، أعلنت منذ يوم الثلاثاء، عن مقتل أحد جنودها في الأنبار بقصف أمريكي، ومن ثم أعلنت يوم أمس عن مقتل 8 من عناصرها وجرح 4 آخرين، وهو ما أكدته هيئة الحشد الشعبي أيضا، التي احتضنت مراسيم تشييع القتلى في قصف جرف الصخر، وبمشاركة مسؤولين فيها.
وقبل أيام وصف المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، صامويل وربيرغ، استمرار الهجمات على القواعد العسكرية التي تتمركز بها القوات الأمريكية في العراق وسوريا وتزايدها مؤخرا بأنه “أمر غير مقبول ولا يمكن استمرارها”، مؤكدا استعداد بلاده “لاتخاذ المزيد من الإجراءات اللازمة لحماية شعبنا ومنشآتنا”.
من جهته، يبين الباحث في الشأن السياسي محمد علي الحكيم، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “شن الولايات المتحدة الأمريكية، هجمات ضد الفصائل العراقية، يؤكد أن السوداني إخفق بشكل كامل بضبط إيقاع عمليات وتحركات الفصائل، بالتالي جاء الرد الأمريكي العسكري، وهذا الرد ربما يتطور خلال الفترة المقبلة”.
ويتابع أن “حكومة السوداني أصبحت بحرج كبير جداً أمام واشنطن والمجتمع الدولي، وأتضح بأنها غير قادرة على ضبط الفصائل، رغم أن تلك الفصائل داعمة للحكومة وجزء منها، كما أن السوداني وقع بحرج أيضا أمام الفصائل لأنه عجز عن إيقاف القصف الأمريكي، رغم أنه تلقى تهديدات أمريكية واضحة بهذا الشأن”.
ويؤكد أن “استمرار التصعيد ما بين الفصائل والقوات الأمريكية، قد تكون له تداعيات ليس فقط على المستوى الأمني، بل حتى السياسي والاقتصادي، خصوصاً في ظل أزمة الدولار، وهنا واشنطن قد تشدد من إجراءاتها تجاه العراق بشان تهريب الدولار وغيرها من الملفات التي تستطيع الضغط فيها على بغداد، لذلك فأن الأيام المقبلة ستكون فيها الكثير من الأزمات”.
يذكر أن نائبة المتحدث باسم البنتاغون، سابرينا سينغ، أعلنت أن القوات الأمريكية تعرضت لنحو 66 هجوما منذ 17 تشرين الأول أكتوبر الماضي، بواقع 32 هجوما في العراق و34 في سوريا، وأكدت أن الهجمات أوقعت على نحو تقريبي 62 جريحا في صفوف عناصر أمريكيين، وهذا قبل الهجوم الأخير في الأنبار.
ومنذ أن جرى قصف جرف الصخر، عادت الفصائل المسلحة لاستهداف القواعد الأمريكية، حيث جرى استهداف قاعدة حرير الأمريكية في أربيل بطائرات مسيرة.
يشار إلى أن كتائب حزب الله، توعدت في بيانها، بتوسيع الهجمات ضد القوات الأمريكية، ردا على استهداف مقارها، وأكدت أنها سـ”تثأر” لعناصرها الذين قتلوا بالقصف.
إلى ذلك، يبين المحلل السياسي المقيم في واشنطن نزار حيدر، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الجانب الأمريكي أبلغ العراق بشكل رسمي، بأن استمرار عمليات الفصائل ضد الأهداف والمصالح الأمريكية، سيدفعها إلى عمليات عسكرية لحماية تلك الأهداف، والأمر غير مستبعد بتكرار حادثة المطار، أي اغتيال قيادات بارزة في تلك الفصائل”.
ويشير إلى أن “التصعيد ما بين الفصائل والقوات الأمريكية، ممكن أن يصل إلى مراحل خطيرة، خصوصاً مع استمرار الطرفين في التصعيد العسكري، وهنا قد نصل إلى مرحلة المواجهة المباشرة، وكل هذا يحصل مع ضعف السوداني وحكومته في تهدئة تلك الأوضاع التي بدأت تخرج عن سيطرتهم بشكل كامل”.
ويؤكد: “من المحتمل لجوء السوداني أو أطراف من الإطار التنسيقي نحو إيران من أجل تهدئة الفصائل ومنع أي تصعيد لها، لكن نعتقد أن السوداني أخفق حتى بهذا، فخلال زيارته الأخيرة لطهران طلب ذلك، لكن عمليات الفصائل بقت مستمرة ضد الأهداف الأمريكية في العراق وسوريا، وهذا يؤكد أن ايران لا تريد إيقاف تلك العمليات بل تريد استغلالها اكثر من أجل الضغط على واشنطن في الكثير من الملفات”.
يشار إلى أن نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية فؤاد حسين، التقى السفيرة الأمريكية لدى العراق آلينا رومانوسكي، مساء أمس، وأعرب لها عن رفض العراق للتصعيد الأخير خلال اليومين الماضيين، الذي فيه تجاوز على السيادة العراقيَّة، التي نلتزم بصونها وحفظها، وفقاً للواجبات الدستوريَّة والقانونيَّة للحكومة.
يذكر أن المتحدث الرسمي باسم الحكومة باسم العوادي، أعلن في بيان عن إدانة الحكومة بشدة الهجوم الذي استهدف منطقة جرف الصخر، “والذي جرى دون علم الجهات الحكومية العراقية، ما يُعد انتهاكاً واضحاً للسيادة”، مبينا أن الحكومة العراقية هي المعنية حصراً بتنفيذ القانون، ومحاسبة المخالفين، وهو حق حصري لها، ولا يحق لأية جهة خارجية أداء هذا الدور نيابةً عنها، فيما شدد على أن وجود التحالف الدولي في العراق، هو وجود داعم لعمل قواتنا المسلحة عبر مسارات التدريب والتأهيل وتقديم الاستشارة.
جدير بالذكر أن السوداني التقى قبل 3 أيام، السفيرة الأمريكية في العراق، وأكدا لها التزام العراق بحماية البعثات الدبلوماسية، وكذلك حماية المستشارين الأمنيين ضمن بعثة التحالف الدولي لمحاربة داعش، وأن الأجهزة الأمنية تقوم بواجباتها القانونية في حفظ الأمن والاستقرار على الأراضي العراقية.