كشفت موجة الأمطار الأخيرة، ضعف البنية التحتية في بغداد، الأمر الذي أثار تساؤلات حول الاهتمام الكبير بالجسور دون تطوير شبكات تصريف المياه، خصوصا مع تكرار المشاهد ذاتها عند كل موجة أمطار، حيث انتقد مراقبون غياب التخطيط الصحيح، لاسيما وأن الجسور لم تساهم كثيرا بفك أزمة الاختناقات المرورية، وأنها جاءت على حساب إهمال البنية التحتية، خاصة وأن شبكات الصرف الصحي تعود لستينيات القرن الماضي، مؤكدين أن الحكومة لم تضع هذا الأمر في حساباتها، ما أدى لغرق العاصمة.
ويقول عضو لجنة الاستثمار النيابية، محمد الزيادي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “الجهات المعنية، لم تأخذ بعين الاعتبار زيادة نسبة السكان والمتغيرات المتسارعة في المجتمع، لتطوير شبكات المجاري وزيادة طاقتها الاستيعابية”.
ويضيف الزيادي، أن “غرق العاصمة بغداد خلال موجة الأمطار الحالية هو أمر يحدث في كثير من البلدان المتقدمة والمتطورة في مستوى البنى التحتية، لكن بالمقابل، فأن مشاريع العاصمة بغداد تم تصميمها خلال حقبة الستينيات ولا تزال على حالها إلى اليوم، لذلك شهدنا غرق العاصمة، وهذا الأمر يعود إلى نسبة السكان الكبيرة التي تستعمل شبكة المجاري”.
وبرغم حداثة بعض المشاريع كالمجسرات، إلا أنها لم تكن استثناء من أزمة الفيضانات، حيث غمرت المياه الشوارع التي شملتها عمليات التطوير، ومقتربات هذه الجسور، ما أثار تساؤلات حول طبيعة التنفيذ ومدى التزام الجهات المعنية بالمعايير الهندسية اللازمة لضمان فعالية هذه المشاريع.
وبحسب أمانة بغداد، فإن الأمطار التي هطلت على العاصمة خلال اليومين الماضيي، كانت بمعدل 72 ملم، وهي كمية تعادل ثلاثة أضعاف الطاقة التصميمية للبنى التحتية لها، المقدرة بـ 24 ملم.
وتسببت موجة الأمطار الأخيرة، بغرق أغلب المحافظات، وخاصة العاصمة بغداد، حيث ارتفع منسوب المياه حتى غطى الأرصفة، وغمر الأنفاق، ورغم استنفار الكوادر البلدية لسحب كميات المياه، إلا أنها لم تنجح بشكل سريع، نظرا لغزارة الأمطار.
يشار إلى أن رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، ركز منذ تسمنه الحكومة على تحسين الواقع الخدمي، وقام بتشيكل فريق الجهد الخدمي لغرض إنجاز البنى التحتية وتحسينها، وكان لأمانة بغداد حصة كبيرة من هذه الجهود.
إلى ذلك، يبين الخبير الاقتصادي، داوود الحلفي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الأولويات التنفيذية للجهات المعنية، غير مدروسة، إذ يتم إنفاق المليارات على استبدال الأرصفة كل عامين مثلا، بينما تبقى مشكلات تصريف المياه دون أي حل جذري رغم أهميتها”.
ويؤكد الحلفي، أن “إنشاء الجسور حل مرحلي لم يعالج المشكلة الأساسية، إذ لم يتم التخطيط لتوفير منافذ كافية لاستيعاب حركة المرور بعد فك الاختناقات الأولية، مما أدى إلى تفاقم الأزمة في مناطق أخرى”، مشيرا إلى أن “الجهات المعنية، ومنها وزارة الإعمار الإسكان، ووزارة النقل، ومديرية المرور العامة، لم تضع خططا متكاملة لتنظيم حركة السير وتوزيعها بشكل مدروس، ما جعل مشاريع فك الاختناقات غير فعالة على المدى البعيد”.
يشار إلى أن المتحدث باسم أمانة بغداد محمد الربيعي، أكد في تصريح سابق لـ”العالم الجديد”، أن العراق كان يتعاقد مع شركات عالمية، فقد قامت شركة زبلن الألمانية قبل عقود، بنصب أول مشروع بطول 24 كلم وبقطر مترين، 12 كلم للرفع، و12 كلم للدفع، وعُد في حينه أكبر مشروع، داعيا إلى شركة بهذه الرصانة وعدم الاعتماد على الشركات المحلية فهي غير قادرة على إنجاز مشاريع عملاقة.
وكان نائب رئيس تحالف شرق القناة النائب كامل العكيلي، طالب قبل يومين، رئيس مجلس محافظة بغداد باقالة مدير دائرة المجاري واحالة المشاريع المتلكئة الى هيئة النزاهة، وأكد أن المشاريع في قضاء الزوراء لم تكن بالمستوى المطلوب، وأن مدير عام مجاري بغداد تسبب بهدر المال العام في قضاء الزوراء والمناطق المجاورة على مشاريع متلكئة.
وخلال السنوات الماضية تحرج مياه الأمطار الحكومات العراقية المتعاقبة، التي تفشل بالسيطرة عليها، ما يدفع إلى غرق غالبية شوارع العاصمة بغداد الرئيسية والفرعية، وسط اتهامات لكل هذه الحكومات بإهمال ملف الخدمات، بسبب سوء الإدارة والفساد.
من جانبه، يرى الباحث في الشأن الاقتصادي، مصطفى أكرم حنتوش، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “أغلب مشاريع أمانة بغداد تقتصر على استبدال الأرصفة، بينما تعاني الخدمات الأساسية، مثل الصرف الصحي، من غياب واضح لعمليات الصيانة والإدامة، مع غياب فرق متخصصة تقوم بإدامة منظومة الصرف الصحي في بغداد بشكل منتظم، ما يؤدي إلى تراكم المشكلات وظهور أزمات عند هطول الأمطار”.
ويشير إلى أن، “الاستعدادات لمواجهة موسم الأمطار كانت ضعيفة للغاية، حيث لم يتم تنظيف المجاري، ولم تستخدم المضخات الصاروخية لسحب المياه، كما لم يتم الاستعانة بجهود خدمية في المناطق المتضررة، مما تسبب في حالة من الإرباك والفوضى في العاصمة”.
وشهدت الأعوام الماضية زيادة مطردة لعدد سكان العراق، لكنها لم تشهد مشاريع بنية تحتية تواكب هذه الزيادة، ليصبح غرق الشوارع والمنازل أثناء هطول الأمطار أمر معتاد عليه.
وتعاني بغداد من سوء الخدمات وغياب آليات التطوير وتردٍ كبير في أوضاع البنية التحتية في ظل غياب مشاريع الصيانة لعدة أعوام، حيث تملىء شوارع العاصمة الحفر والمطبات التي باتت تهدد سالكيها، إضافة إلى تدهور الأرصفة وانتشار النفايات والأسلاك الكهربائية الشائكة التي تشكل خطرا على حياة ساكنيها.