منذ ثلاثة ايام وعملية جلد الذات لم تهدأ لحظة سواء في مواقع التواصل الاجتماعي او في ملتقيات المثقفين العراقيين، بعضهم ما انفك يندب حظه العاثر الذي لم يجعل منه مصريا كي يشارك في \”ثورة تصحيح الثورة \” والآخر يستنكف عراقيته ويرى فيها عيبا مخجلا فهم لم يثوروا على \”حكم اللصوص\”، فيما تطوع آخرون و(شالتهم الحمية) للدفاع عن شعب العراق المظلوم وسطروا العشرات من الاسباب التي تبرر الصمت المطبق للجماهير على مدى عشر سنوات عجاف من حكم نظام المحاصصة الطائفية.
وعلى الرغم من الضجيج فان أحدا من المثقفين والكتاب لم يشخص اسباب \”التقاعس العراقي\” وبقي الجميع يدور حول السبب الرئيس ولم يلامس جلبابه، لا اعرف ان كان جهلا او خشية من عواقب يعرفون مآلاتها.
ما أراه سببا اساسيا في \”التقاعس الوطني\” يتمحور في أن المجتمع العراقي من المجتمعات النادرة التي تتأثر بمحركات \”طائفية وعشائرية\” ما زالت فاعلة لا بل تتعاظم فاعليتها مع مرور الوقت سيما في ظل دولة الفوضى.
مما لا غضاضة فيه هو ان المأساة العراقية تركزت عبر العقود المنصرمة في ضمور الهوية الوطنية ازاء الهويات الفرعية، وثمة من يغذي اسباب تنامي الهويات الفرعية. وعلى الدوام لم تتمكن الدولة العراقية منذ بزوغ فجرها الاول في نمو الهوية الوطنية ولم تضع ذلك هدفا لها من خلال انتاج الوعي وترسيخ مفهوم الدولة الراعية والناظمة للأمور بمؤسساتها العسكرية والمدنية الاقتصادية. الفشل يأتي غالبا لأسباب تتعلق بتمذهب الدولة وهو امر مألوف في الانظمة السياسية التي تعاقبت على حكم العراق منذ حكومة (كوكس – النقيب) حتى حكومة (سليماني – المالكي..!.)
الجماهير العراقية تتحرك أفواجا أفواجا الى ساحات الاعتصام حينما ينادي (السيد او الشيخ) أن اخرجوا نصرة لأبناء طائفتكم، وتتحرك حينما ينادي بهم زعيم القبيلة، أما حين ينادي الوطن فلا مجيب، وهو امر طبيعي لأن الوطن في الذاكرة العراقية تعبير هلامي لا معنى له.
هالني تعليق لأحد الزملاء وهو يعمل في قناة تابعة لحزب عراقي اسلامي قريب من توجهات الاخوان المسلمين، محمل بكمٍ من العواطف الجياشة حد البكاء وهو يدافع عن الديمقراطية التي اتت بمرسي الى الحكم ويهاجم المعتصمين في ميدان التحرير بمصر بشراسة ونسي بأنه وبعد ايام من اعتصامات الانبار، كان اول من اسقط الشرعية عن المالكي الذي اتى عن طريق الديمقراطية ذاتها. رأي صاحبنا ينطلق من ايدلوجية حزبية، ويكفي لان تجافي الحياد حينما تلوذ آراؤك بالأدلجة السياسية والحزبية وهو امر يشبه الى حد بعيد دفاع \”الجماعة\” عن بشار الاسد في الوقت الذي يولولون فيهِ ليلَ نهار من ظلم ملك البحرين ضد شعبه!
آيدلوجية العراقيين لا تنحسر في الآراء الحزبية والسياسية بل تتمدد وتتقلص وفقا للأهواء الطائفية والعشائرية والقبلية وفي بعض الاحيان المناطقية، هو الانقسام على الذات والرِدة على النفس، هي ايدلوجية خنقت الانتماء الوطني ورمت به خارج اطار السلوك السياسي.
اذن ايها الزملاء والاصدقاء المنطق ووفقا للمعطيات الحالية يقول، من الممكن ان نشهد ثورة سنية ضد حكم شيعي او بالعكس، لكن ان نشهد ثورة عراقية ضد حكم فاسد فهذا الامر صعب التحقق، فللسراق من يدافع عنهم وللمفسدين من يبرر فسادهم \”دعهم يسرقون فهم ابناء طائفتنا خير من ان نأتي بأبناء الطائفة الاخرى\”، والتاريخ يشهد بذلك، كفانا هروبا الى الامام.