جيوب انفية

كان وقتاً ثقيلاً ذلك الذي قضيته امام صالة العمليات بانتظار دوري. الكل قال لي بأنها عملية بسيطة تنتهي بخلاصك من عذاب الجيوب الأنفية ومشاكل التنفس. لكني كنت خائفاً فهي المرة الأولى في حياتي التي ادخل فيها صالة عمليات، اضافة لما سمعته من قصص صالات العمليات ومشاكل ضغط الدم الذي يرتفع ولا يهبط، ومصائب التخدير وحكايات الدخول في غيبوبة.. الخ.

غير ان اكثر ما كنت خائفاً منه هو ذلك الوقت البرزخ بين انتهاء العملية والصحوة من البنج. كنت خائفاً ان اكون فرجةً للرايح والجاي وانا اهذي بما لا اشعر. لقد خطرت في ذهني حينها صور رأيتها في مستشفيات العراق ما كانت تسر العدو فضلاً عن الصديق. رأيت في وطني كيف يترك المريض فرجةً بعد اخراجه من صالة العمليات، وهو يهذي بأسراره على الملأ وسط ضحكات الممرضات وسخرية المراجعين.

لازالت صورة غازي الخارج تواً من عملية المصران الأعور عالقة في ذهني وهو يعد نعجاته دون وعي ويصيحهن بالأسم: عندك الشعثة والسودة هاي اثنين، ام خرگة والعوبة هاي اربعة، ثم يصيح بأعلى صوته: غااااازي انا غازي الما بچه من حيف غازي، ولك غااااازي.

هكذا كان المسكين يهذي والممرضات يضحكن عليه. ولازلت اتذكر مريضة اخرجت من صالة الولادة وهي تهذي بقصة شجار مع عمتها: وينها نعَيمة وينها بت الچلب احترگ ابوچ نعَيممممة، ونعيمة واقفة عند رأسها تحاول اسكاتها: خايبة اسكتي فضحتينا الله يفضحچ.

قصص وافلام ممكن الخروج بها من صالات العمليات وغرف الأفاقة من البنج. انا كنت خائفاً ان اخرج بواحدة منها بيد ان ما هوّن الأمر ان الكادر كله نرويجي وان كنت سأهذي فسأهذي بالعربية بكل تأكيد. لذلك حرصت على صرف صديقي محمود الذي رافقني الى الصالة بحجة الوقت: ابو شكرية الشغلة تطول روح وتعال لي فد ساعتين.

الجميل في المستشفى الذي دخلته قبل موعدي بساعة ان كل شيء فيه على ما يرام من غرفة الانتظار الى الخدمة الفائقة الى رائحة الشراشف الى حسن الوجوه الى آخره من مقومات الشفاء.

اول وصولي الى المستشفى استقبلتني ممرضة بيدها فايل فيه معلومات صحية كاملة عني، قالت انها ستكون بخدمتي حتى الخروج الى البيت.

قبل الولوج الى صالة العمليات اجتمعت بي \”سيسيليا\” الطبيبة التي ستجري لي العملية.

كانت شابة ثلاثينية جميلة تزين خدها نونة قلّما رأيتها عند النرويجيات، لها ثغر عزّ وصفه فإن تبسّمت انبأتك عن لؤلؤٍ ديث بعسل.

مدت يدها الى انفي، فحصته فحصاً اولياً وتحدثت معه اعني مع انفي: اي يا حلو سنجعلك اليوم تشم.

ياحلو؟!خشمي حلو؟! صدگ چذب.. انفي الذي حملته هماً منذ الصغر تقول عنه سيسيليا الفاتنة بأنه حلو.

يالله اين امي التي كانت تلقبني بأبو خشّة كي تسمع سيسيليا ماذا تقول؟ اتذكر في يوم من ايام الثانوية لبست قميصاً جديداً وحلقت ذقني ووضعت كولونيا\”رڤدور\” وهممت بالخروج الى المدرسة فاعترضت طريقي امي قائلةً: ها يمّه شعندك معطّر اليوم هي منو تباوعلك!، ليش يمّه؟ يمّه خشّتك فارشة چنّها رگّة؟!

لا تدرون بالطبع كمية الاحباط التي زرقتها الوالدة في عروقي آنذاك، طلّعت الكشخة من عيني.

ضحكت لكلام الدكتورة سيسيليا وقلت لها شكراً للمجاملة، قالت لا بالعكس هذه حقيقة الأنف الكبير يليق بالرجل ويعطي انطباعاً بقوة شخصيته لذلك انفك جميل وساجعله اليوم يشم جيداً.

بعد ساعة ونصف خرجت من صالة العمليات مشافى معافى تحيطني يد الرحمة في بلاد الرحمة. سألت الممرضة المرافقة عن قصة هذياني ها شكو ماكو بماذا هذيت؟

قالت اطمئن لم نسمع منك شيئاً، لأنهم لم يخرجوك الا بعد ان فقت من البنج، حمداً لله على سلامتك، انفك الجميل بدأ يشم.

ماهذا؟! يبدو ان انفي جميل فعلاً وانا لا ادري لذلك قررت من اليوم ان اعيد النظر بكل تقييمات الوالدة حفظها الله لأنها ببساطة تقييماتٌ تورث الأحباط.. سلامات يابو خشّة.

إقرأ أيضا