حول رواية برهان العسل لسلوى النعيمي
كثيراً ما يلفت انتباهي تبرؤ الأصدقاء على الفيس بوك من المقاطع التي يسمونها في بياناتهم مخلة أو إباحية أو ما شابه. قائلين إنه فايروس لعين تسلل من دون دراية منهم وقد نبههم إليه الأصدقاء. وقبل عقد من الزمان أشهر رفيق في مجموعة من التدريسيين وبطريقة استعراضية فيما كنا نشغل مكاتبنا، أشهر في وجوهنا، متحدياً، إعلانه عن إنه يشاهد الأفلام الإباحية. قائلاً: وكاذب من يقول إنه لا يشاهدها أو لم يشاهدها؟ ورغبة في المشاكسة، قلت: أنا. ولأني غير معهودة عني المشاكسة فقد نظر إليّ بانكسار وتسليم مصدقاً قولي الذي يشبه إلى حد ما، ما ينشره الكثيرون على صفحتهم في الفيس بوك من براءة قلّ أن يصدقها أحد.
وفي حدود الرواية لا يكاد أحد من القرّاء يترك فرصة قراءة رواية جنسية خاصة إذا كانت مما يمكن تحميله الكترونياً وتداوله بعيداً عن صعوبات الحصول على النسخ الورقية القليلة والممنوعة كما في حالة رواية برهان العسل لسلوى النعيمي. والجميل في الموضوع إن من يقرأ الرواية الجنسية تلك تجده حريصاً على الإعتراف بقراءتها ودعوة القرّاء إلى القيام بالفعل ذاته وإبداء الرأي فيها.
لقد اعترف جميع المعلقين أسفل رابط تحميل رواية برهان العسل بقراءتها كلياً في الغالب وجزئياً في النادر. وفي هذا مؤشر على أن الموضوع جاذب للقارئ وأنه لا بأس بقراءته والتصريح بذلك بل إن عدم قراءته هو ما يتطلب الإعتذار أحياناً.
أما قيمة الرواية الفنية فهي ما سيكون مدار جدال وانقسام واضحين بين القرّاء. ففي الغالب هي ليست بذات قيمة لما فيها من إباحية فليس ثمة غير امرأة مهوسة بالجنس تصف ما يجري بينها وبين عشاقها من فعل الحب وراء الجدران متلذذة بإشهارها لأحاسيسها وافعالها الحميمية دون مواراة. ولكنّ قسماً قليلاً من التعليقات رأت في تعرية تلك المحرمات والتعبير عنها بلغة صريحة أمراً ضرورياً للتخلص من ضغطها على العقل العربي وتحريراً للمرء من أوهام متراكمة لطالما كانت سبباً من أسباب التخلف.
ثم جاء السؤال: هل الكتاب رواية ؟ أجاب بعض القراء في تعليقاتهم ودون أن يسألهم أحد إنها مجرد منشور دعائي وكراس مغامرات وخواطر مراهقة. أي أنها ليست رواية.
وما علاقتها بالثقافة العربية؟ إنها لا تنتمي إلى الثقافة العربية رغم أن الكاتبة نقلت من كتب التراث السردية المتخصصة بأوصاف الجنس وذكر تفاصيل العلاقات الجنسية ككتب السيوطي وغيره.
بقي على القرّاء أن يجدوا صلة بين المؤلف والرواية، فلا يمكن أن تكون الرواية عالماً معلقاً في فضاء الثقافة من دون نوايا أوجدتها. وقد اتفق أكثر القرّاء على أن المؤلفة إنما كانت تريد أن تنشر الإباحية والرذيلة وتحثّ عليهما، وإلا فما الغاية – بزعم القرّاء الافتراضيين – من مثل هذه الرواية الخالية من أي شيء غير المواقعات الجنسية والملامسات الشهوانية!
يبدو أن القرّاء هؤلاء يتعاملون مع الرواية من منطلق أخلاقي. إن المؤلفة في نظرهم أقرب إلى من يشاهد فيلماً أو مقطعاً إباحياً، ويصرح بمشاهدته له. وكان عليه أن يتبرأ منه. ولذا فإن الأمر برمته لا يتعدى إطلاع الآخرين على ذلك المقطع الذي يظهر على الصفحة الشخصية لسلوى النعيمي منسوباً إليها دون أي إعلان براءة منه، وإعلان الاستهجان أو الإستنكار له.
أظن أن الكاتبة بتخليها عن ازدواجية الظاهر النقيّ والباطن المغمور بالشهوة وما يقابله من شكل روائي يعتمد التورية ليضمر ما يضمر من مكبوتات، قادتنا دون أن تعلم إلى فضح ازدواجية الحائط النظيف أو الذي يجب أن تتلاءم نقاوته مع ما يفضله المثقف (والانسان العادي حتى) من صورة لنفسه تتسم بالطهرية ونفاذ الرأي وصوابه وبالتسامي على مشكلات الآخرين النفسية والفكرية. فهو مواطن نظيف الثوب واللغة والباصرة لا مجال للطعن في ذلك على حائط الفيس بوك الخاص به، أما في الواقع فهو ما هو، ولا يهم.
ومن تلك الازدواجية خرجنا بسعة العالم الافتراضي وازدحامه بالرفض والاستنكار والأفكار والنظريات والنقد، وضيق مساحة الفعل في الواقع. إلى حد صار علينا أن نقوم بأحد أمرين؛ إما أن نطوي صفحاتنا على الفيس بوك بلا رجعة، أو أن نقول إننا رأينا، لا بالتحدي المهزوز الذي أبداه الرفيق الذي حدثتكم عنه، ولكن بثقة سلوى النعيمي برغبتها وصوتها ورؤيتها لما يجب أن تكون عليه الحياة وللطريقة التي تريد أن تعيشها بها.
وعندها لا تقبلوا من أحد نفياً، أو ادعاءً، حتى لو كان على سبيل المشاكسة.