هل اتاك حديث صوفيا؟! المرأة المجنونة بحب العراق! تالله لا تنفك عن اعلان رغبتها كلما رأتني: متى تأخذني الى بغداد؟!
صوفيا سيدة نرويجية في عقدها الثالث، تعمل مديرة قسم في متحف تيليمارك، امنيتها ان تزور بغداد وتتجول في شوارعها واسواقها.
تقول صوفيا انها قرأت كثيراً عن حضارة وادي الرافدين وحفظت صوراً عن بابل ونينوى وأور، تتمنى لو تراها على ارض الواقع.
بالأمس فتحت لي الآيباد وبدأت تقلب صوراً لبوابة عشتار واسد بابل والزقورة وحصن الأخيضر.
ثم انتقلت لتريني صوراً لبغداد العباسية ومنائرها، كانت تقلب وتقول: يالك من محظوظ! متى تأخذني هناك يا آزر \”هكذا تلفظ اسمي\”!
ربما اكون محظوظاً كما تقول الجميلة صوفيا، محظوظاً بتاريخي وحضارة بلدي، محظوظا بسبعة الاف سنة من تاريخ ناصع، ولكن ما جدوى الماضي، والحاضر زفت؟!
وما قيمة صور تحفظها صوفيا في جعبتها ولم تشاهد بعدُ \”ما يسر ناظريها\” من بغداد التي تعشق؟! هل شاهدت شوارعها البائسة، واحياءها المتعبة؟! هل سمعت بالتجاوز والحواسم وحي التنك؟! هل مرت عليها صورة لطفلة مطيّنة تسبح في المياه كي تصل الى المدرسة؟!
هل تدري صوفيا ان هذه المياه التي تغرق شوارع بغداد هي مزيج لمياه الأمطار والمجاري؟!
هل تدرين يا صديقتي ان ستة ملايين ونصف المليون عراقي يعيشون تحت خط الفقر؟! وان نسبة الأمية في بلدي شارفت على الثلاثين بالمائة؟!
بربك هل سمعتِ يوما ان بلداً نفطياً بحجم العراق لا زالت فيه بيوت من الصفيح، ولا زال بعض اطفاله يعيش على ما تجود به اكياس القمامة؟! هل سمعتِ بذلك يا سيدتي؟!
وين تريدين آخذچ؟! ألم تسمعي بالمفخخات والعبوات اللاصقة؟! ألم أحدثك مراراً عن داعش والنصرة والقاعدة؟! ألم أخبرك أن كل هؤلاء يريدون قتلنا، وأن جيراننا لا يريدون لنا الخير؟! ألم أقل لك يوما بأن حكومتنا لا تقدم ولا تأخر وأن برلماننا لا يحل ولا يربط؟! وأننا أبتلينا بزمرة من السراق وتجار الدم؟!
ألم أشرح لك وضع شعبنا الواقع \”بين حانة ومانة\” ولا يدري ماذا يفعل؟! شعبنا السعيد بحرية شتم الحكومة ولعن الساسة، والتعيس فيما سواها!
نعم يا عزيزتي نحن سعداء لأننا قادرون على شتم من نريد، شريطة الا تكون للمشتوم ميليشيا فاعلة في أزقة بغداد وزواغيرها.
نشتم الساسة ونلعن الديمقراطية التي جاءت لنا بهم، ثم نتزاحم على صناديق الانتخابات لمنحهم فرصة ثانية لسرقة قوتنا والاستهتار بدمائنا!
هل رأيتِ شعبا بهذه \”السعادة\” يا صديقتي؟!
عزيزتي أم الصوف، انا لا أدري ان كنتِ قادرة على تصور ما اقول، ولكني متأكد أنك ستندمين لو رأيت بغداد اليوم، وان كل ما رسمتيه في مخيالك من صورة مشرقة عنها سيتبخر بعد جولة سريعة في صباح ممطر تقضينها في حي أور!
فهل مازلت مصرّة على زيارة بغداد الغارقة؟!