تُظهر دراستان تم نشرهما في تشرين الثاني/نوفمبر مرة أخرى الإقبال غير العادي للمملكة العربية السعودية على استخدام موقع تويتر مقارنة بما عليه الوضع في بلدان أخرى. إن ذلك الاهتمام قد جّدد الاحتمال بأن تسهل وسائل التواصل الاجتماعي من التعبئة السياسية في المملكة. وفي الواقع تكشف \”ساحة تويتر\” السعودية عن سخط شعبي كبير تجاه أداء الحكومة في معالجة المشاكل الداخلية مثل البطالة والفساد. بيد أن الجهود المتسقة من جانب عدد صغير نسبياً من السعوديين الذين يستخدمون تويتر وغيره من وسائل التواصل الاجتماعي – لحشد زملائهم المواطنين للعمل من أجل الإصلاح – فشلت بشكل عام في أن تتُرجم إلى عمل واسع النطاق. وحقيقة أن بعض أشهر المغردين في المملكة هم من بين علماء الدين تؤكد الطبيعة المحافظة للمجتمع السعودي، ومن بينهم الشباب السعيد باستخدام تويتر.
ومع ذلك، فإن المؤسسة الدينية الوهابية – التي لا تهيمن فقط على المؤسسات الدينية السعودية بل أيضاً على الهيئة القضائية وبعض أقسام وزارة الداخلية بناء على أوامر العائلة المالكة السعودية – ترى أن تويتر يتيح الفرصة لإبداء وجهات نظر غير تقليدية ويعمل على إضعاف السلطة التقليدية. ونتيجة لذلك، فإن هذه المؤسسات والهيئات الحكومية ذات الصلة تتعامل مع تويتر باعتباره يشكل تهديداً يجب كبحه ومراقبته واستخدامه كوسيلة لاتخاذ إجراءات ضد المنشقين.
استخدام تويتر
وفقاً لما كشفت عنها الدراستان في تشرين الثاني/نوفمبر، إن معدلات استخدام تويتر في المملكة العربية السعودية هي الأعلى من بين جميع دول العالم مقارنة بعدد السكان الذين يستخدمون الإنترنت. ووجدت دراسة \”غلوبال ويب إنديكس\” GlobalWebIndex أن 41 في المائة من مستخدمي الإنترنت في البلاد هم نشطاء على تويتر، أما دراسة \”بير ريتش\” PeerReach فوجدت أن نسبة الناشطين هي 32 في المائة. ووفقاً لدراسة \”بير ريتش\” إن ما يزيد عن 4 في المائة من إجمالي عدد السكان الذين يستخدمون تويتر يقيمون في المملكة العربية السعودية.
وهذه الإحصائيات هي أكثر إثارة للدهشة عندما نأخذ في الاعتبار معدل النمو المرتفع لمستخدمي تويتر في المملكة العربية السعودية خلال العامين الماضيين. ووفقاً لدراسة \”بير ريتش\” يبلغ عدد النشطاء حالياً في المملكة الذين يستخدمون تويتر 4.8 مليون شخص، مقارنة ببضع مئات الآلاف فقط في عام 2011، وفقاً لتقرير \”كلية دبي للإدارة الحكومية\”.
إن ارتفاع معدلات استخدام تويتر هو جزء من صورة أوسع للإقبال القوي من جانب أعداد غفيرة من الشباب على وسائل التواصل الاجتماعي في المملكة وعبر دول \”مجلس التعاون الخليجي\”. كما أن المملكة العربية السعودية هي موطن لأكبر عدد من مشاهدات يوتيوب للفرد على مستوى العالم، هذا بالإضافة إلى أن موقع الفيديو إلى جانب برامج الفيسبوك، إينستاجرام Instagram، لينكدين LinkedIn، و \”واتس آپ\” WhatsApp هي من البرامج الشهيرة في جميع أنحاء المنطقة.
وتخضع الحياة العامة في دول \”مجلس التعاون الخليجي\” لقوانين مقيدة للإعلام والتجمع العام وتكوين مجموعات مدنية والمشاركة السياسية. وتوفر وسائل التواصل الاجتماعي فرصة لسكان الخليج للتفاعل الاجتماعي الفعلي والتعبير عن رأيهم وهي أمور مقيدة خارج المنزل. وبطبيعة الحال، وعلى غرار أترابهم حول العالم، يستخدم سكان الخليج وسائل التواصل الاجتماعي بصفة أساسية من أجل المزيد من الترفيه والبحث عن المعلومات ومشاركتها وغيرها من وسائل التسلية الأخرى. ويكشف المحتوى السياسي الأكثر شعبية الاهتمام بإصلاح السياسات، وليس بالتغيير الثوري. ومن بين مواضيع الهاشتاق التي حظيت بأكبر عدد من التغريدات في المملكة العربية السعودية خلال العام الماضي هو \”عدم كفاية الراتب\”، حيث جذب هذا الموضوع 17.5 مليون تغريدة خلال أربعة أشهر تقريباً، ولفت الانتباه إلى فقراء المملكة وطالب الحكومة بزيادة القدرة الشرائية للسعوديين من خلال رفع رواتب موظفي القطاع العام.
التصريحات الدينية
لقد كان رد السلطات الدينية المحافظة للغاية والمعينة سياسياً في المملكة على ارتفاع معدلات استخدام تويتر هو إدانة تلك الأداة ومن يستخدمونها للضغط من أجل التغيير. وتمثل تلك التصريحات من قبل كبار الشخصيات الدينية جزءً من جهود متضافرة للحد من استخدام تويتر للتعبير عن الأفكار السياسية والاجتماعية والدينية غير المتوافقة في المملكة.
وفي ثلاث مناسبات منفصلة خلال العامين الماضيين أشارت المرجعية الدينية والقانونية الأعلى والأكثر نفوذاً في البلاد المتمثلة بشخصية المفتي عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ، إلى تويتر على وجه التحديد كمصدر للأمراض الاجتماعية. فقد أعلن آل الشيخ أن تويتر \”منصة لتبادل الاتهامات وترويج الأكاذيب\” و\”مكان لتجمع كل مهرج وفاسد ينشر تغريدات غير مشروعة وزائفة وخاطئة\”. كما أطلق على مستخدمي تويتر لقب \”المغفلين الذين يفتقرون إلى الاحتشام والإيمان\” وحذرهم من أن تويتر \”عادة شديدة الخطورة يجب على المسلمين الحقيقيين تجنبها\”.
وفي 28 تشرين الثاني/نوفمبر خلال تعليقاته الأخيرة بخصوص وسائل التواصل الاجتماعي بشكل عام، أدان المفتي خدمات التواصل هذه واعتبرها \”منصات للخبث تروج لعقائد ضالة\”. وذكّر جمهوره قائلاً \”إنه واجب [إسلامي] على المواطنين أن يطيعوا من في السلطة\”.
كما أن إمام المسجد الكبير في مكة المكرمة، الشيخ عبد الرحمن السديس، أدان تويتر هو الآخر. فوفقاً لمدونة \”مكتب الرياض\” Riyadh Bureau، حذر الإمام من \”الرعاع\” الذين يستخدمون تويتر باسم الإصلاح وحرية التعبير، جاء ذلك في جزء من خطبة الجمعة ألقاها في نيسان/أبريل. ووفقاً للمصدر ذاته أكد أيضاً أن التغريد \”أصبح يشكل تهديداً على الوحدة الوطنية\”. وفي أيار/مايو، أكد رئيس \”هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر\”، الشيخ عبد اللطيف عبد العزيز الشيخ، أن أي شخص يستخدم مواقع التواصل الاجتماعي – لا سيما تويتر – \”خسر الدنيا والآخرة\”، وذلك وفقاً لتقرير هيئة الإذاعة البريطانية الـ \”بي بي سي\”.
المراقبة الحكومية
تراقب وزارة الثقافة والمعلومات السعودية موقع تويتر وغيره من وسائل التواصل الاجتماعي على الإنترنت. فوفقاً لرواية الحكومة ذاتها، من المستحيل تقريباً السيطرة على \”ساحة تويتر\”. كما أن وزير الثقافة والمعلومات عبد العزيز خوجة صرح بشكل واضح في شباط/فبراير أن \”الوزارة لا تستطيع مراقبة كل ما ينشر على تويتر\” وأن \”الرقابة [على تويتر] صعبة بسبب العدد الكبير من المستخدمين\”.
ونتيجة لذلك، يبدو أن المملكة تركز على مراقبة مستخدمي تويتر من الشخصيات في مواقع النفوذ. وهذا يشمل النشطاء السياسيين والمدنيين وغيرهم من الشخصيات شبه العامة. كما يشمل وعاظ معروفين وفقاً لتقرير \”رويترز\”، ومحامين وفقاُ لتقرير \”الشرق\”. وكما ذكرت الصحيفة السعودية الإلكترونية \”الوئام\” في 10 تشرين الثاني/نوفمبر، تقاضي وزارة العدل حالياً ثلاثة محامين سعوديين من بينهم خريج من كلية الحقوق في جامعة هارفرد بسبب تغريدات وإعادة تغريدات تعتبر مقوضة للسلطة القضائية.
ووفقاً لتقرير مؤسسة \”فريدوم هاوس\” في 2013 تعمل الحكومة على توظيف خبراء للعمل على اعتراض البيانات المشفرة من تطبيقات الجوال ومن بينها تويتر و \”واتس آب\” و \”فايبر\” Viber، في سبيل تعزيز قدراتها على المراقبة. وفي آذار/مارس أفاد موقع \”عرب نيوز\” أن الحكومة كانت تنظر أيضاً في ربط حسابات تويتر بأرقام الهوية الوطنية للمستخدمين، رغم أن التقرير تم سحبه من الموقع الإلكتروني للصحيفة بعد ذلك بعدة أسابيع. ووفقاً لصحيفة \”الحياة اليومية\” المعروفة بنشرها أخبار عربية شاملة في عددها الصادر في 2 كانون الأول/ديسمبر، ناقش مسؤول في وزارة الثقافة والمعلومات خططاً تتطلب الحصول على تصريح لمن يرغبون في تحميل تغطية إعلامية على يوتيوب.
التدابير التقييدية
استهدفت السلطات السعودية نشطاء سياسيين ومدنيين وأنصارهم وشخصيات شبه عامة أخرى من خلال دعاوى قضائية وإجراءات أخرى بسبب تغريدات تعتبر غير قانونية أو مسيئة. إن العمل ضد هؤلاء الأفراد بسبب تغريدات غالباً ما يشكل جزءً من حملة أوسع ضدهم. على سبيل المثال، حُكم في آذار/مارس بالسجن على اثنين من نشطاء حقوق الإنسان السعوديين المشهورين، محمد القحطاني وعبد الله الحامد اللذين اشتركا في تأسيس \”جمعية الحقوق المدنية والسياسية\” السعودية، وذلك بسبب عدد من المخالفات من بينها \”جرائم الإنترنت\” لأنهما استخدما تويتر وغيره من وسائل التواصل الاجتماعي للترويج لقضيتهم.
ومثال آخر هو قضية الصحفية السعودية إيمان القحطاني. فوفقاً لـ \”مركز الخليج لحقوق الإنسان\” تم إرغامها على إغلاق حسابها على تويتر بعد تعرضها للمضايقات من قبل قوات الأمن بسبب أنشطتها المرتبطة بحقوق الإنسان. وقد تجاوز عدد متابعيها على تويتر في ذلك الوقت 73,000 شخص. وكانت إيمان القحطاني تتناول مواضيع مرتبطة بنشطاء حقوق الإنسان المعتقلين وكانت تبث تغريدات مباشرة حول محاكماتهم.
الخاتمة
منذ \”الربيع العربي\”، أصبحت العائلة المالكة السعودية أكثر قلقاً بشأن تداعيات السخط العام، الأمر الذي أدى إلى وضع برنامج ضخم للنفقات العامة من أجل خلق فرص عمل جديدة وزيادة مزايا الرفاهية والإعانات. إن الانتشار القوي لوسائل التواصل العامة بأساليب يكاد يستحيل تقييدها جعل العائلة المالكة وشركاءها من الإسلاميين الوهابيين يشعرون بالقلق، لا سيما وأن بعض الرسائل المتداولة تعكس استياءً عاماً كبيراً تجاه الوضع الراهن.
وينتاب القيادة السعودية القلق بشأن العديد من التحديات – على المستويين المحلي والدولي – في الوقت ذاته، مما يجعلها أكثر توتراً بشأن كل منها. ويؤثر ذلك على نهجها في التعامل مع القضية النووية الإيرانية، والحرب الأهلية في سوريا، والحكومة الجديدة في مصر، هذا فضلاً عن مخاوفها بشأن توجه السياسة الأمريكية حيال هذه القضايا.
*لوري بلوتكين بوغارت هي زميلة أبحاث في برنامج سياسة الخليج في معهد واشنطن.
**المصدر: The Washington Institute for Near East Policy