صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

حَرِش البزل.. صيّادوه محاصرون بالكمائن و”الشانك” يفترسه

ركن أحمد العباسي (35 عاماً) سيارته وبقي خلف المقود يراقب كمن ينصب كميناً، قفزت سيارة حوضية من شارع فرعي وسط الحلة مركز محافظة بابل، فتحرك العباسي ليقطع الطريق، ويأخذ حمولتها. لم يكن مشهداً من فيلم بوليسي، كان الرجل الثلاثيني، ينوي شراء الحرش فقط، ولكن بدا أن هذه هي الطريقة الوحيدة للحصول عليه طازجاً ومن صيد “اليوم”.

ركن أحمد العباسي (35 عاماً) سيارته في شارع فرعي بحي الجزائر، وسط الحلة مركز محافظة بابل، وبقي خلف المقود يراقب شيئا ما، وفجأةً قفز مسرعا نحو سيارة حوضية، لأخذ حمولتها.

لم يكن مشهداً من فيلم بوليسي، فقد كان الرجل الثلاثيني، ينوي شراء حمولة أسماك “الحرش” فقط، ولكن بدا أن هذه هي الطريقة الوحيدة للحصول عليه طازجاً ومن صيد “اليوم“.

يقول العباسي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”: “أيام الجُمع، حرش البزل وجبتنا المفضلة، أنصب كمينا للصيادين هنا أحيانا قبل أن يفترشوا صناديقهم، وأشتري من أحدهم صيده كله، إذ يكون طازجاً وجديدا وبعضه حيّ، لأن بقاءه في الشمس يعرّضه للتلف، وكذلك يباع خلال وقت قصير“.

ويسمّي أهالي الحلة، الأسماك الصغيرة التي يتم اصطيادها في المبازل والأنهر، بالحَرِش، وعلى الرغم من أن أنواع هذه الأسماك مختلفة، لكن أغلبها هو ما يسمونه “الخشني” الذي يزن في أكبر أحجامه مئتي غرام فقط، وهو موجود في أغلب المحافظات، لكن مع فرق التسميات، فهو يسمّى أيضا “الشوكي” و”أبو زريدة” و”أبو خريزة“.

وعن طريقة تحضيره، يضيف “بعد أن تفتح وتنظف هذه الأسماك، تملح، والباقي يكون حسب الرغبة، بعضهم يغطسه بالدقيق أو الكركم أو السماق، ثم يُقلى حتى يبدو مقرمشا، ويؤكل”.

من جهته، يؤكد الصياد، صالح مهنّا، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الأسماك التي نصطادها في المبازل متنوعة منها الحمري الذي يعيش في التربة الطينية في القاع ويمتاز بملوحته وطعمه المميز، وكذلك البني، لكن الخشني هو الأوفر والأكثر رغبة“.

ويضيف مهنا أن “الكثير من المبازل تكاد تخلو من الأسماك بسبب الصيد الجائر الذي يتم بالكهرباء أو السموم، إضافة إلى سمك الشانك الذي يأكل البيوض وصغار الأنواع الأخرى من الأسماك“.

صياد يعرض الحرش والبلطي (الشانك) في الحلة.. عدسة "العالم الجديد"

حكاية الشانك

يؤمن الصيادون في الحلة بأن أسماك “الشانك”، وهي أسماك تشبه سمك الزبيدي ذات شكل شبه دائري، يؤمنون بأنها سمكة دخيلة رماها الأمريكان في المياه العراقية، وهو ما اتفق عليه مجموعة منهم في أحاديث لمراسل “العالم الجديد“.

وعلى الرغم من عدم معرفته بمصدرها، لكن ثامر الخفاجي مدير زراعة بابل، يوضح لـ”العالم الجديد” أن “الشانك نوع من أنواع الأسماك الضارة لأنها تأكل البيوض وتفترس الأسماك الصغيرة، وأدت إلى قتل كميات كبيرة من الأسماك، ولذلك إذا أصيبت بحيرات بهذا النوع من الأسماك سوف تتضرر كثيراً“.

ويضيف الخفاجي “سمكة الشانك، لديها مقاومة كبيرة حتى في البقاء خارج المياه لفترة قبل أن تموت“.

وبعيداً عن “المؤامرة الأمريكية”، فإن هذه السمكة في البصرة، لا توسم بهذه السمعة السيئة، يبدو أن تداخلا في التسميات ذهبت ضحيتها سمكة الشانك، فالأخيرة تتمتع بسمعة طيبة هناك.

يحاول الخبير البيئي، أحمد صالح نعمة، فكّ هذا الاشتباك، ويوضح لـ”العالم الجديد”:  “ما يقول أبناء البصرة عن الشانك صحيح، فهي سمكة أخرى تختلف تماما عما يتحدّث عنه أهالي الحلة، فالشانك سمكة بطعم مميز تعيش في المياه شبه المالحة، (العذبة والمالحة)“.

أما النوع الذي يشكو منه الصيادون، يشير نعمة إلى أنه “سمك البلطي المصري الذي استزرع عام 2005 في العراق من قبل وزارة الزراعة، وهذه البلطية المسماة شانك خطأً، بسبب أنها تتكاثر لأكثر من مرة في السنة الواحدة يرون عددها كبيرا ويعتقدون بأنها أكلت بقية الأسماك، هي تكاثرت ولم تأكل“.

ولا يتفق الخبير البيئي بشأن طعمها وسلوكها: “لست مع أن طعمها غير محبب، أو أنها تأكل البيوض والأسماك فهي تشترك بهذه الصفة مع جميع أنواع الأسماك، لكن هذه السمكة لا تؤكل بالأحجام الصغيرة وهذا ما رسخ اعتقاد أن طعمها غير محبب، لكن عندما تؤكل بحجمها الكبير من نصف كيلوغرام فما فوق فإن طعهما مختلف تماما”، لافتا إلى أن “وزنها وصل لأكثر من كيلوغرامين في بعض الأهوار“.

وتعد السمكة البلطية إحدى أكثر الأسماك مقاومة، وتعيش في ضفاف الأنهر والمبازل، وتقترب تركيبتها الفسلجية مع سمك الزبيدي وهي من الأسماك العاشبة واللاحمة (التي تتغذى على الأعشاب واللحوم).

ويجد نعمة، أن “الحرش هو ما يسمّى في أغلب مناطق العراق بالزوري، وله عدة تسميات كالخشني وأبو خريزة وأبو زريدة أو الشوكي، وهو يشبه صنفا آخر موجود في الجنوب الذي يعيش قرب البحار في المياه شبه المالحة والذي يسمى بياح ويمتاز برائحة قوية نوعا ما بسبب احتوائه على نسبة من الفسفور“.

وتعيش في بابل العديد من الأسماك كالبني والشبوط التي بدأت تعيد نشاطها، إذ يقول مدير زراعة بابل أن “هناك مفقسا في القاسم (جنوبي المحافظة) أنتج بيوضا ويرقات للبني الحر”، لافتا إلى أن “الأسماك التي تربى في البحيرات هي السلفر والكارب والغراس“.

وعن اشتراطات الصيد يؤكد الخفاجي، أن “الصيد بالسنارة والشبك مسموح، لكن استخدام الوسائل الأخرى كالكهرباء والسموم ممنوع”، مؤكدا أن “تبليغات تصل لدوائر الزراعة أو لمراكز الشرطة من قبل المختارين أو الأهالي عن وجود صيد جائر، ثم يتم تبليغ الأجهزة الأمنية القريبة على الحدث، لغرض اتخاذ الإجراءات القانونية بالمخالفين“.

إقرأ أيضا