أثارت الأحداث الأخيرة في البصرة وذي قار، تساؤلات عدة حول أسبابها وما إذا كانت تمثل شرارة جديدة في الجنوب، وفيما تبرأ ناشطون منها وأكدوا أنها لا تمثل الحراك التشريني، عدوا ما يجري صراعا سياسيا تم الزج فيه بأشخاص ملثمين كوسيلة للضغط، وسط الإشارة إلى أن ما جرى لن يستمر ولا يمكن أن يكون حافزا لتظاهرات جديدة.
ويقول الناشط في احتجاجات تشرين في ذي قار كرار الصريفي خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إنه “في الساعة 4 عصرا كم أمس الأول، سمعنا بوجود تظاهرة أمام مبنى المحافظة، وعندما اتصلنا برفاقنا من بقية الناشطين أخبرونا بأنهم لا يعرفون شيئا عن هذه التظاهرة”.
ويتابع الصريفي “شكلنا تجمعا من نحو 60 شخصا وتوجهنا إلى مبنى المحافظة فوجدنا جميع الطرق المحيطة به مقطوعة، فتركنا السيارات وذهبنا سيرا على الأقدام، ووجدنا حشدا من الناس وسمعنا إطلاق نار، لكننا لم نعرف أحدا من المحتشدين هناك”.
ويبين أن “عدد المتظاهرين أمام مبنى المحافظة يبلغ 200 متظاهر، وعندما اقتربنا منهم وسألناهم من هم ومن أرسلهم أشهروا بوجوهنا أسلحة وسيوفا صغيرة (قامات)، ما اضطرنا إلى الانسحاب لأنهم كانوا ملثمين ومسلحين”.
ويضيف الصريفي أنه “بعد الأحداث تعرفنا على بعض الأفراد المشاركين في الاحتشاد، وعندما سألناهم عما يجري أجابونا بأنهم ظنوا أن هذه تظاهرة سلمية تطالب بإقالة المحافظ فانضموا إليها”، لافتا إلى أن “أغلب هؤلاء المشاغبين كانوا متعاطي مخدرات على ما يبدو ويشتمون الجميع ولا أحد يعرف ماذا يريدون، إذ قطعوا الطرق وعبروا سياج مبنى المحافظة وأحرقوا كرفانات”.
ويشدد على أن “عمليات الحرق مرفوضة من قبلنا، كما أن هذا التصرفات لن تكون بكل تأكيد شرارة لانطلاق تظاهرات”.
وفجأة، خرج العديد من الاشخاص الملثمين ليلة أمس الأول في الناصرية، وحاولوا اقتحام مبنى ديوان المحافظة لغرض إحراقه، ومن ثم قاموا بإحراق الإطارات في شارع الإمام علي وسط المدينة، وهو على مقربة من مبنى ديوان المحافظة.
وبحسب مصادر أمنية، فإن شرطة المحافظة دخلت باشتباك مع هذه المجموعة باستخدام (الطابوق) بعد صدور أوامر بعدم استخدام الرصاص.
وكانت خلية الإعلام الأمني، أعلنت فجر يوم أمس، إقدام عناصر مندسة على حرق كرفانات تابعة لمبنى ديوان محافظة ذي قار، مطالبة جميع المتظاهرين بـ”الحفاظ على سلمية التظاهرات، وعدم السماح للمندسين بالتواجد داخلها”.
يشار إلى أن الناطق باسم ديوان محافظة ذي قار حسن محمد، أعلن أنه تمت السيطرة على حريق استعلامات وكرفانات المحافظة، وبين أن المتظاهرين أعلنوا براءتهم من هذه “المجموعة المخربة”، وأنه سيتم اعتقال المتسببين وتطبيق القانون عليهم.
من جهته، يذكر المحلل السياسي راجي نصير خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “من الواضح أن التظاهرات التي انطلقت في الذكرى السنوية الثالثة لتشرين كانت تظاهرات معدة سلفا وتم الإعلان عنها واستحصال موافقات أمنية بشأنها، وبعد انتهائها لم يتم الإعلان عن تظاهرات أخرى سواء في بغداد أو بقية المحافظات باستثناء التلميح للعودة في يوم 25 من الشهر الحالي”.
ويشير نصير إلى أن “ما جرى في الناصرية خارج عن سياق تظاهرات تشرين، حيث أن متظاهري الذكرى السنوية أكدوا سلمية تظاهراتهم واحترامها المال العام والخاص”، مبينا أن “موضوع حرق الإطارات والملثمين غريب عن تظاهرات تشرين وفوجئنا به”.
ويستطرد أن “ما جرى يثير الشكوك بأن هناك جهات ربما تريد الإساءة لتشرين أو زعزعة وإقلاق الوضع الداخلي، وعليه ننظر بعين الريبة والقلق لهذه التحركات، ويجب التحقيق بشفافية لمعرفة من يقف وراءها، لأن تشرين ثورة شعب ولا تحتاج إلى لثام”.
يشار إلى أن رئيس أركان الجيش ونائب العمليات المشتركة، وصلا صباح يوم أمس إلى محافظة ذي قار للاطلاع على الوضع الأمني فيها، إلى جانب قائد القوات البرية وقائد قوات الشرطة الاتحادية.
وكانت قيادة عمليات سومر، أعلنت أمس عن اعتقالها، وبالجرم المشهود، “مثيري شغب حرفوا مسار تظاهرات سلمية” وحاولوا إضرام النار في مبنى المحافظة، فيما بينت أنها مستمرة بفرض القانون بحق من يحاولون “زعزعة” الاستقرار الأمني في المحافظة.
إلى ذلك، يفيد عضو التيار الصدري عصام حسين، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، بأن “ما حصل أمس، في الناصرية عبارة عن أعمال تخريبية، ولا يمكن لجهة أن تدعم هكذه تظاهرات”، واصفا ما حدث بالصراع من أجل منصب المحافظ، حيث تتم الاستعانة بمجموعة من الشباب من أجل الضغط على المحافظ لتقديم استقالته”.
ويضيف حسين، أن “ما حدث أمس هو تحرك سياسي ولا علاقة له بالتظاهرت المطلبية أو لتحسين الأوضاع المعيشية، وإنما هدفه منصب المحافظ”، منوها إلى أنه “لاحظنا مثل هكذا تحركات في الناصرية سابقا، وكانت هناك ضغوطات على مدراء البلديات أيضا لإتمام الإقالة عن طريق التظاهر”.
وشهد الأول من تشرين الأول أكتوبر الحالي، تظاهرات حاشدة في العاصمة بغداد، بمناسبة الذكرى الثالثة لتظاهرات تشرين التي انطلقت عام 2019، وشهدت احتكاكا بين المتظاهرين والقوات الأمنية، وقد انتهت التظاهرات في اليوم ذاته، وصدر بيان عن اللجنة المركزية أكد أنها ستنطلق مجددا في يوم 25 من الشهر الحالي، الذي يمثل ذكرى انطلاق التظاهرات الفعلية وتحولها لاعتصام مفتوح استمر لأشهر عدة.
وبشأن اشتباكات البصرة، يوضح الناشط الاحتجاجي في المحافظة محمد الياسري، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “ما يحصل بشكل عام في البصرة هو خلافات بين فصائل مسلحة تؤدي إلى وقوع هجمات بينها”.
ويتابع الياسري، أن “هذه الفصائل تسعى إلى إيهام الرأي العام بأن ما يجري نزاعات عشائرية”، مشددا على أن “هذه الأعمال لا تمثل تشرين بأي حال من الأحوال، فنحن لم نحمل السلاح أبدا”.
وقد شهدت البصرة، توترا أمنيا يوم أمس، وبحسب عضو مجلس المحافظة المنحل كريم الشواك، فإن ما جرى هو صراع اقتصادي بامتياز بين الجهات المتصارعة في بغداد وقد نقلت صراعها إلى البصرة، مؤكدا أن النزاع لم يسجل أي إصابات بشرية باستثناء الأضرار المادية التي خلفها الاشتباك المسلح.