كان نظام صدام حسين وخاصة في مطلع الثورة الاسلامية في إيران وبداية الحرب العراقية الإيرانية 1980 يعتبر كل من يؤدي الصلوات الخمس في المسجد، أو حتى من يطلق لحيته عنصرا في حزب الدعوة الإسلامية (العميل لإيران) كما كان يصفه آنذاك، وبالتالي فمصيره الاعدام، وكان حزب الدعوة خارج العراق يركز على عدوانية صدام ضده أكثر من تركيزه على انكار استهدف غير المنتمين له بحجة الانتماء.
وقد راح ضحية تلك السياسة العدوانية البعثية آلاف العراقيين الذين لم ينتظموا في صفوف حزب الدعوة أو ممن كانوا قادته، ولا سيما في محافظة البصرة المهد الاكبر للدعاة من أمثال الشهيد عارف البصري العبادي، وعبد الأمير المنصوري وصادق جاسم العيداني (المسؤول الحزبي لنوري المالكي)، وابراهيم مالك عساف، وقاسم عبود العبادي.
قادة ما زالت بصماتهم البصرية باقية على كثير من سياسيي اليوم ممن قل التزامهم بخط الدعوة أو كثر، فالبصرة دعوية لأن البصريين يقدرون أكثر من غيرهم الفكر الدعوي الذي مثلة قادة آخرون مثل هاشم ناصر الموسوي وكاظم يوسف وخير الله البصري ورفيقهم بالامس الشهيد عز الدين سليم .. وبالتأكيد آخرون.
مع مجيء حزب الدعوة اليوم إلى حكم العراق وإصدار قرار (قانون) اجتثاث البعث ومن ثم قانون (المساءلة والعدالة) وقف البعثيون موقف المتفرج على مثل هذه القرارات ولم نقرأ لأي بعثي ما يشير إلى ما يمكن تسميته بالجدل الثقافي (دفاعا عن الذات) حول مثل هذه القوانين التي جرمت البعث وحضرت الانتماء إليه كما كان هو يحظر (حزب الدعوة)، إلا أن الفرق واضح بينهما كون الدعوة اليوم لا تمثل الحزب الواحد، ولم تلجأ إلى تخوين من انضم إلى حزب آخر غيرها، بل لم تصدر أي قرار بتصفية الخصوم.
ولكن كعراقيين يحق لنا أن نسأل: ترى أين هم البعثيون اليوم؟ أين أولئك المؤمنون بفكر البعث وأهدافه في الوحدة والحرية والاشتراكية، وبشعاره: أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة؟ أليس من الأولى أن يثبت البعثيون وطنيتهم أمام من يتهمهم ويجرم الانتماء إلى حزبهم المحلول دستورياً.
لماذا لم يستغل البعثيون وسائل النشر الالكتروني ومواقع التواصل الاجتماعي ليثبتوا أن لديهم فكرا وطنيا (ولو بالدعاية) وأن باستطاعتهم لو أتيح لهم المجال أن يحققوا ما لم تحققه الحكومات التي حاربتهم ونبذت أفكارهم وأصدرت بحقهم قوانين تطالب باحجتثاث فكرهم؟.
لماذا لم ينجب حزب البعث العربي الإشتراكي من مئات آلاف العراقيين ولو بعثيا واحدا (صميميا) يعمل اليوم على الترويج لأطروحات وأدبيات حزب البعث الوطنية بمقابل أحزاب لم يتم إقرار قانون وطني ينظم عملها وطرق ممارستها للعمل السياسي الحزبي؟
لماذا لا نقرأ أطروحات (بعثية) كنا نسمع عنا بشأن العلاقات العراقية مع دول العالم، وبشأن العلاقات مع العالم العربي، وبشأن المواطنة و(التربية الوطنية)، وبشأن الاقتصاد الوطني وتأميم النفط وغيره من الموضوعات التي كانت الاجتماعات الحزبية تنخر رؤسنا بها طيلة حكم حزب البعث؟
أتساءل اليوم، عمن كانوا قبل سنوات من أعمدة حزب البعث، لماذا لا نسمع منهم موقفا وطنيا واحدا ولو من أجل نفي تهمة أن البعثيين جاؤوا بقطار أنكلو أمريكي؟ فهل كان حزب البعث العربي الاشتراكي مجرد دمية بيد الدكتاتور، أم أن الدكتاتور حوله شيئا فشيئا إلى دمية لا روح فيها، فبات أعضاؤه مجرد مسميات لا حياة فيها؟
أيها البعثيون العراقيون، ألم يحن الوقت لتقولوا كلمتكم الوطنية في عصر تغليب الطائفي والمناطقي على الوطني؟ ألم يحن الوقت ان تظهروا روحكم الوطنية لوطنكم الذي طالما تغنت به منابركم الإعلامية ووزات ثقافاتكم، إن كان فيكم حقا روح وطنية، وإلا فلنسمكم حزب الوهم العربي الاشتراكي فأنتم أهل للوهم؟